ضياع الهوية الثقافية السورية

2020.10.17 | 00:07 دمشق

owefisdkjfkslefw_3_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

اللغة فكر مجسّد، والاهتمام بها يعني اهتماماً بحامليها، والعناية بحامليها تصون ذاكرةَ الأمة وتحفظ تراثَها؛ مما يؤدي إلى المشاركة الفعّالة في بناء تراث الإنسانية.

اللغة العربية أثبتت وتثبت كلّ يوم قدرتَها على استيعاب معطيات العصر. ولكنها تعثرت لسببين أساسيين: الأوّل هو فقداننا الثقة بأنفسنا، تبعاً لاتكائنا على ذاكرة نسيان حضارتنا العربية-الإسلامية وقيمِها العظيمة. الثاني يتلخّص في الهجمة الاستعمارية الشرسة التي ما تنفك تفعل فينا فعل الزلزال كي نستكين إلى التشرذم الذي يحوّلنا إلى قطيع متباغض يتنفّس جُمَلاً متفّرقة لا يجمعها فكر، لأنها تصدر عن لهجات محلّية هجينة، ولا تصدر عن لغة.

ولهذا يكون همّ اللغة هو همّنا الذي نعانيه. إن لغتنا عظيمة وعلينا أن نخدمها بما تستحق. اللغة هي نحن، وهي أداة فكرنا، تتماهى مع وجودنا.

إن همَّ الكلمة العربية، إنما هو همٌّ يتناولُنا كأمّة. اللغة وعاء للثقافة، والثقافة روحُ الأمة وعقلُها. فلا أمة بلا ثقافة.

على عكس ما ينبغي، مهد نظام الأسد منذ سنوات لفرض لغة حلفائه الروس والإيرانيين، على السوريين. والآن، في ظل الحرب التي يفرضها على الشعب، غدت تينك اللغتين أوسع انتشاراً في مناطق نفوذه، فقد فرضت اللغة الروسية على المرحلة الإعدادية؛ وهو، بذلك، يساعد روسيا التي تحاول فرض سيطرتها الثقافية على السوريين. وإمعاناً في حث النظام السوريين على تعلّم الروسية، بدأ بمنح الطلاب السوريين الأوائل في قسم اللغة الروسية برنامجًا تدريبيًا ـ ترفيهيًا في موسكو؛ لتعريفهم بواقع الحياة الثقافية في روسيا، وقام باستقدام 450 مدرّسة روسية؛ لتعليم اللغة في سوريا، كما استعان بالسوريين الذين يحملون إجازات جامعية في الأدب الروسي.

وافتتحت وزارة التعليم العالي السورية، في تشرين الثاني 2014، قسمًا للغة الروسية وآدابها، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، وأرسلت روسيا أعضاء هيئة تدريسية لإعداد برنامج تعليمي خاص بقسم اللغة الروسية.

أما في الشارع السوري، فقد انتشرت اللغة الروسية بين غير المتعلمين الذين يقدمون المشروبات للروس في المقاهي والمطاعم السورية، أو يقومون ببيع منتجاتهم للروس في المحال العامة.

على صعيد آخر، طالب السفير الإيراني بسوريا «محمد رضا شيباني»، بضرورة تعزيز تعلم اللغة الفارسية في الجامعات والمدارس السورية.

 وبالرغم من أن اللغة الفارسية، لم تدرّس، حتى الآن، في المدارس الحكومية، إلا أنه تم افتتاح عدد من المدارس والحوزات الشيعية؛ التي تنشر اللغة الفارسية، بهدف تدريس المذهب الجعفري، في بعض مناطق غرب سوريا. وهناك معاهد سورية تقدم عروضًا مجانية لتعليم اللغة الفارسية، وليس خافياً الدور الكبير الذي يؤديه المركز الثقافي الإيراني في دمشق؛ لتعزيز اللغة الفارسية، إذ يستمر التعاون بين هذا المركز والجامعات السورية الأربعة الرئيسة، ووقعت مؤخرًا اتفاقية بين وزارة التربية والتعليم العالي السوري والإيراني؛ لتوسيع وتدريس اللغة الفارسية بين المدارس والجامعات السورية.

إن اللغة هي أساس الفكر، وإتقان لغة ما سيؤثر مستقبلًا على طرائق تفكير الأجيال التي ستتعلم هذه اللغات، وتفكّر بعقول أصحابها؛ وهكذا يتحوّل دارسو الروسية والفارسية إلى روس بأسماء إسلامية، وكذلك يتحولون إلى شيعة، بأسماء سنية.

من جانب آخر، قررت الحكومة التركية دمج الطلاب السوريين في المدارس التركية، وأثار هذا القرار ردود فعل متباينة، حيث أبدى أهالي التلاميذ مخاوفَ لأسباب كثيرة، على رأسها صعوبة متابعته العملية التعليمية في المنازل؛ بسبب عدم إتقان الأهالي السوريين للغة التركية.

إن خطورة إتقان لغة أخرى، غير اللغة الأم، تتمثل في نسيان الطالب السوري اللغة العربية والثقافة الوطنية السورية في حال عدم التمكن من تعلم اللغة العربية بإتقان.

اللغة ليست مجرد قواعد، نحو وكلمات وأن الثقافة ملموسة وواقعية ومتدفقة مثل الحياة نفسها إلا أن الاثنين ينصهران ويتشابكان معاً.

وحرصاً على الهويّة الثقافية للسوريين، لابد من التأكيد على ربط الطفل بهويته الثقافية ولغته الأم، والتربية على الانفتاح وتقبل الآخر في الأسرة والمؤسسة التعليمية.

إن الهوية الثقافية تتكون من عدة عناصر مرتبطة ببعضها، وأي خلل في أحدها يؤدي إلى خلل في باقي مكوناتها، ومن أبرز هذه المكونات: اللغـة. فاللغة جزء لا يتجزأ من ماهية الفرد وهويته، كما أنها تتغلغل في الكيان الاجتماعي والحضاري لأي مجتمع بشري، وتمتد إلى جميع نواحي الحياة فيه.

فالعلاقة بين اللغة وبين الهوية الثقافية علاقة قوية لا تنفصم، ولهذا كان من أهم مقاييس رقي الأمم مقدار عنايتها بلغتها. واللغة العربية تكتسب أهمية خاصة بوصفها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم. وهذا ينقلنا إلى مكوّن ثقافي مهم، هو الدين، فهو الذي يحدد للأمة فلسفتها الأساسية عن سر الحياة وغاية الوجود. فللتعاليم الدينية تأثيرها العميق والشامل في هويتنا الثقافية، كما أن التوحيد بمعناه الشامل يمثل أبرز ملامح هذه الهوية. والتدين هنا لا يعني ممارسة الشعائر الدينية وحدها، بل هو موقف من ثوابت كثيرة، منها ما يرتبط بالأسرة ومكوناتها.

كما أن التاريخ، الذاكرة، هو الذي يميز الجماعات البشرية بعضها عن بعض. فكل الذين يشتركون في ماض واحد يعتزون به ويفخرون بمآثره؛ يكونون أبناء أمة واحدة، فالتاريخ المشترك عنصر مهم من عناصر المحافظة على الهوية الثقافية التي تتعزز من خلال تكاتف الأسرة والمدرسة، ولا تتناقض مع اندماج السوريين مع محيطهم الجديد الذي يعيشون فيه نتيجة التهجير الذي فرضته حالة الحرب التي مازال يعاني منها السوريون في كل مكان.