صواريخ حزب الله التي تحولنا إلى أضرار جانبية

2020.07.18 | 00:01 دمشق

201922819593219407.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يكشف التقرير الإسرائيلي الذي نشرته الصحافة الإسرائيلية جديداً حول إنشاء حزب الله لمراكز إطلاق صواريخ في قلب المناطق السكنية في بيروت والجنوب والبقاع، يحاذي أحدها مطار بيروت الدولي.

ليست المعلومات جديدة، ولكن المعلومة الأساسية تعود إلى سنين خلت تمرّن فيها اللبنانيون على ترقب الخراب، واعتبار حياتهم بمثابة فسحة مسروقة من موت يقيم بينهم ويجاورهم.

وغالباً ما كان استبعاد تفعيل منصات الموت، وترجيح استمرار فترة ضبط النزاع لفترة طويلة، يرجعان إلى سبب أساسي يتعلق بالتفوق الإسرائيلي الحاسم، إضافة إلى تمكن حزب الله من السيطرة على مفاصل البلاد دون منازع.

لم يلحق أي تغيير في واقع انعدام توازن القوى بين الحزب وإسرائيل ولا في واقع إمساكه بزمام القرار اللبناني بشكل عام، ولكن حدث تغيير في طبيعة هذه السيطرة التامة ونوعها التي كانت سابقا مستندة الى توازنات تلحظ الحد الأدنى من السياسية وتسيير شؤون البلاد، وتعنى بالحفاظ على قدر ضئيل من انتظام شؤون الاقتصاد والأمن.

بعد الحصار الضاري الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران وأذرعتها، وبعد صدور قانون قيصر الذي يدرج كل داعمي نظام الأسد على لائحة العقوبات، تعمق فشل تغطية الأزمات المتفاقمة، وعجز حكومة حسان دياب في التعامل معها، ما تسبب بأن تخرج إلى العلن مواقف وتصريحات تكشف عمق الخلافات بين مكونات الصف الواحد.

إثر ذلك برز متغير بارز في طبيعة سلطة حزب الله على البلاد خرجت فيه السياسة من المعادلة بشكل تام مخلية الساحة لنوع من الغلبة العارية المستقوية الخارجة على السيطرة تماما. قائد الحزب الإلهي حسن نصر الله لم يعد يعنى بتنظيم خطابه ومزج الحقائق بالبروباغندا والتهويل، بل بات وكأنه يتكلم مع كائنات فقدت وجودها ووعيها تماما كما هو الحال في دعوته إلى زراعة الشرفات والسطوح للتغلب على أزمة العقوبات ومواجهة أميركا.

هذا الخطاب وإن كان قد تجنب استعمال لهجة التهديد والوعيد ورفع الإصبع، ولكنه يراكم خلاصات توظيف القوة العارية وما أنتجته من اعتقاد بالقدرة على تسفيه عقول الناس وصولا إلى إلغاء وجودهم بالكامل. الجمهور الذي يخاطبه السيد في هذه اللحظة يقبع على مشارف الهلاك، وليس خطابه ومغازيه سوى الدفع بهذا الهلاك الى أقصاه عبر اجتراح حل وهمي لمشكلات أنتجها وفاقمها وراكم أسبابها.

حيوات اللبنانيين في هذا المقام تتخذ وظيفة تثمن فيها بناء على قابليتها المطلقة للإهدار، وعجز أصحابها عن الدفاع عن أنفسهم إزاء تغول الحزب الإلهي وإسرائيل وحرصهما على بناء دائرة لشرعنة هذا الإهدار، يستفيد فيها كل طرف من الآخر بشكل لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه تكاملا يفوق في عمقه جميع أنواع التحالفات والتفاهمات.

من هنا لا يجد الحزب مناصا لإقامة نوع من التوازن مع التفوق العسكري الإسرائيلي سوى دفع الأمور إلى حالة من الفوضى العارمة والخارجة على كل سياقات الضبط والانتظام والسياسة. اللعبة العسكرية كما يسعى إلى توظيفها لا تلقي بالا إلى تفاوت القوى، بل تعتمد على استراتيجية الجنون التام والتهديد به والدفع في اتجاهه.

لا يمكن رد أي تصرف تقوم به السلطة التي تمثل ظلال الحزب الإلهي بأي شكل منطقي أو من داخل أي تفسير سياسي، بدءا بالرحلات المكوكية التي يقوم بها المدير العام لجهاز الأمن العام عباس إبراهيم إلى الكويت وتصريحاته الفائقة الإيجابية تجاه السعودية.

يضاف إلى ذلك ما يجاهر به رئيس الحكومة حسان دياب بضرورة الانفتاح على دول الخليج، واتهام سعد الحريري بتعطيل ها المسار، وكأن هناك أي طرف لبناني يمتلك القدرة على صناعة أو تعطيل أي قرار دولي في هذه اللحظة.

تجري محاولات استجداء دعم خارجي وعربي مع استكمال مسار التخريب الأمني والمالي داخل تلك الدول وكأن الحزب يريد أن يستغبي العالم كله.

 من ناحية أخرى يكشف تسارع الأحداث في الساحة العراقية التي تعتبر مؤشرا بارزا على مسارات الأحداث في المنطقة أن زمن الميليشيات المسلحة في المنطقة قد شرع بالتلاشي.

 قرارات رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بضبط التهريب على الحدود العراقية الإيرانية، ومنع أي طرف داخلي عراقي من حمل السلاح ليست بالأمر العابر، بل تعني ببساطة ان أي عملية تفاوض أو تفاهم سياسي مع إيران وميليشياتها تبدأ بالموافقة على هذه الشروط.

اللافت أن هذه العملية قد بدأت من دون إطلاق مسار تفاوضي، ما يدل على أن منطق التصعيد ضد إيران قد بات الناظم الأعلى للسياسة الأميركية في المنطقة، والذي من المستبعد أن تخرج أي دولة فاعلة على ضوابطه وشروطه.

يفترض هذا التصعيد حرمان الحزب من الاستفادة من صيغة الجنون التي يهدد بها بخط مواز يُسمح فيه لإسرائيل بفتح معركة معه من دون حدود في لبنان وسوريا. تاليا فإن الإعلان عن تمركز شبكة صواريخ حزب الله في هذه اللحظة يختلف في أهدافه عن أي مرة سابقة، لأنه يبدأ من شرعنة تدمير كل البلد قياسا على خريطة انتشار صواريخ حزب الله وأنفاقه. مسار العقوبات الأميركية ساهم في تسريع وتيرة اعتماد هذا المنطق إذ بات البلد أسير نظرة عربية ودولية ترفض النظر إليه خارج الظل الأسود للحزب الإلهي. تدميره على رؤوس أهله إذا ما كان يتضمن القضاء على حزب الله ليس بالأمر المنكر أو المرفوض أو الدرامي، بل ينطبق عليه وصف مصطلح الأضرار الجانبية. ببساطة ليست حيواتنا نحن القابعين في البلاد الواقعة تحت نير تهديدات إسرائيل وتغول حزب الله سوى أضرار جانبية.