صفقة القرن واللياقة الأخلاقية لترمب

2020.02.12 | 14:45 دمشق

tramb.jpg
+A
حجم الخط
-A

في نيسان 2018 قال جيمس كومي المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي إف بي آي بأن "ترمب غير لائق أخلاقيا لكي يكون رئيسا". وقد فتح هذا الباب عددا من الأسئلة حول كيف يمكن الحكم على اللياقة الأخلاقية للرئيس ترمب، وقبل أيام قليلة نشر البروفيسور الأمريكي الشهير جوزيف ناي كتابا بعنوان "هل الأخلاق مهمة؟" يتناول هذا الموضوعDo Morals Matter?  متناولا ذلك في دراسة مقارنة بين الرؤساء الأمريكيين السابقين، حيث ادعى الكاتب أن بعضهم كانوا إيجابيين نشطين مثل روزفلت وترومان وكينيدي وكارتر، وفي المقارنة بين الرؤساء الأمريكان في الأخلاقية في مجال السياسة الخارجية أعطى ناي كل من ترومان وكلينتون أعلى الدرجات. وكان ترمب من الرؤساء الذين حصلوا على تقييم سلبي ومما ساهم في ذلك اعتماده على الشعبوية القومية وانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ. ولم يتناول ناي سلوك ترمب في صفقة القرن.

وفي هذا السياق يمكننا أن نناقش ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في 28 يناير 2020 بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي من خطة القرن والتي أقر فيها بأن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وأن الأغوار والجولان وكامل حدود الضفة الغربية مع الأردن ستكون تحت السيادة الإسرائيلية، مع إعطاء دولة للفلسطينيين تتكون من قطع صغيرة مرتبطة بجسور وأنفاق دون حدود مع الأردن، ودون سيادة بحرية وجوية ودون سلاح ودون أي حقوق في التقدم بالشكاوى للمؤسسات الدولية ودون حق عودة. (أطلق عليها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اسم دولة الجبنة السويسرية).

وقد رفضت كافة أطراف الشعب الفلسطيني هذه الخطة الإسرائيلية في الأصل، حتى إن جامعة الدول العربية التي يعد واقعها ضعيفا جدا قد أصدرت بيانا رفضت فيه الخطة وجاء في قرار مجلس الجامعة المنعقد على مستوى وزراء الخارجية أنه تم بالإجماع "رفض صفقة القرن الأمريكية - الإسرائيلية، باعتبار أنها لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وطموحات الشعب الفلسطيني، وتخالف مرجعيات عملية السلام المستندة إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة".

ما كان لافتا أن ترمب قد تفاخر بأنه أقدم على ما لم يقدم عليه أي رئيس أمريكي سابق فيما يتعلق بدعم إسرائيل وفي انتهاك الكثير من الحدود وتحديدا مع الإعلان عن "صفقة القرن" والتي ذمها العديد من المفكرين والمثقفين، وقد أطلق عليها الدكتور عزمي بشارة اسم "صفاقة القرن وليس صفقة القرن" والصفاقة في اللغة هي الوقاحة، والوقاحة هي قلة الحياء والاجتراء على فعل القبائح وبالتأكيد هي تشير إلى معنى انحدار الأخلاق.

اعتمد البروفسور ناي في تقييم اللياقة الأخلاقية للرؤساء على 3 فئات رئيسية

الهدف الأساسي الظاهر هو إعطاء شرعية لكيان محتل وعنصري عبر حرمان شعب كامل من أراضيه وحقوقه ومقدساته، وشرعنة الاستيطان الذي اعتبرته حتى الإدارة الأمريكية السابقة غير شرعي

هي النوايا والدوافع (الرؤية الأخلاقية)، والوسائل (القدرة على التمييز بين القوة والاحترام الليبرالي للحقوق والمؤسسات)، والعواقب (النجاح طويل الأجل للمصالح الأمريكية، الحد الأدنى من الضرر للآخرين، الخطاب الأخلاقي الصادق).

ولو نظرنا إلى هذه المعايير أو الفئات في سلوك ترمب من صفقة القرن فسوف نجد أن  الهدف الأساسي الظاهر هو إعطاء شرعية لكيان محتل وعنصري عبر حرمان شعب كامل من أراضيه وحقوقه ومقدساته، وشرعنة الاستيطان الذي اعتبرته حتى الإدارة الأمريكية السابقة غير شرعي، أما الدافع الذي يراه عدد كبير من المراقبين حاضرا بقوة فهو حاجة ترمب لدعم اليهود الأمريكيين والإنجيليين له في الانتخابات الأميركية القادمة في تشرين الثاني 2020 بالإضافة إلى حرف الأنظار عن محاكمته في مجلس الشيوخ بناء على اتهامات له من مجلس النواب، وبالتالي فإن نوايا ترمب تفتقر بل وتتناقض مع أي رؤية أخلاقية.

أما وسيلته للدفع بهذه الخطة فقد كانت عبر فرضها بالقوة وبالأمر الواقع على الفلسطينيين حيث قال ترمب إن الفلسطينيين لن يرغبوا بها في بداية الأمر لكن يعتقد أنهم سيوافقون عليها في النهاية فهي في الواقع جيدة للغاية لهم، كما استخدم ترمب اسلوب الترغيب المالي من خلال خطة إنعاش اقتصادي بقيمة 50 مليار دولار لإغراء قيادة السلطة الفلسطينية بقبول خطته حيث تعامل هو وصهره كوشنير مع قضية تحرر وطني على أنها مشروع استثماري.

حتى على مستوى العواقب فإن ترمب قد هدد مسار حل الدوليتن بالكامل

بدا إعلان ترمب عن الخطة بحضور نتنياهو الذي كان يصفق له منظرا وقحا يفاخر بأنه يقف إلى أحد جانبي الصراع بشكل فج على عكس من سبقه من الرؤساء الذين كانوا يحافظون على قليل من الحياء

وهدد استمرار دور السلطة الفلسطينية الوظيفي المتمثل بالتنسيق الأمني، كما ضرب بعرض الحائط رؤى بعض الدول العربية والإسلامية وبتطلعات الشعب الفلسطيني وبالتالي هذا يهدد استقرارعدد من هذه الدول التي لا تستطيع المجازفة بمثل هذه المواقف صراحة وبالتالي هذا قد يهدد موقف الولايات المتحدة نفسها.

وعلى مستوى الشكل والخطاب بدا إعلان ترمب عن الخطة بحضور نتنياهو الذي كان يصفق له منظرا وقحا يفاخر بأنه يقف إلى أحد جانبي الصراع بشكل فج على عكس من سبقه من الرؤساء الذين كانوا يحافظون على قليل من الحياء. وفي هذا السياق لم يتجاهل ترمب نضال وحقوق الشعب الفلسطيني فحسب بل استهزأ بشكل فج بالفلسطينيين عندما اقترح أن تكون العاصمة الفلسطينية خارج القدس وأنه لا مانع لديه من أن يطلق عليها الفلسطينيون اسم القدس.

ولما سبق فإن خطة إسرائيل التي عرضها ترمب تشير بوضوح إلى افتقار ترمب للياقة الأخلاقية من حيث الدوافع والوسائل وحتى العواقب فقد بدأت بدوافع مشكوك فيها ولم تحترم الحقوق ولم تستخدم خطابا أخلاقيا صادق، ولا ينطبق هذا فحسب على ترمب لوحده بل يشمل كل فريق الصفقة من كوشنير إلى السفير الأمريكي ديفيد فريدمان الذي قال "لا يهم ما يقوله الفلسطيينون سنبقي خيار الدولة الفلسطينية مفتوحا لمدة أربع سنوات".