صعود أبناء مدينة حلب على خريطة فصائلها 2013

2020.03.23 | 23:06 دمشق

qweradf12344656571.jpg
+A
حجم الخط
-A

جاء دخول الثوار إلى مدينة حلب في تموز من عام 2012، وسرعة تمدّدهم داخل الأحياء المحررة صادماً ليس فقط لنظام الأسد وأفرعه الأمنية، بل وللثوار أنفسهم! والذين كانوا يفاجَؤون بسهولة تحركهم داخل أحياء القسم الشرقي من المدينة بشكل أساسي، والتي تشكِّل "الأحياء الشعبية" في المدينة، ذات الكثافة السكانية الأكبر، حيث تمكنوا من بسط سيطرتهم على كامل الأحياء الشرقية من أرض الحمرا شمالاً، والتي كانت النقطة التي دخل منها ثوار الريف بقيادة لواء التوحيد، وحتى حي السكري في الجنوب، قرب حي صلاح الدين الذي انطلق منه محور التحرير الثاني بعد خروج ثوار من أبناء الحي فيه معلنينه مُحرَّراً بالتزامن مع دخول ثوار الريف من منطقة أرض الحمرا.

ليجد الثوار أنفسهم بعد إنهاء سيطرتهم على القسم الشرقي من المدينة يتجهون إلى توسعة منطقة سيطرتهم شمالها، سواء في أحيائها الطرفية مثل حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية ذات الأغلبية الكردية، وحي السكن الشبابي بشكل جمعية سكنية حديثة الإنشاء، أو حتى في مخيم حندرات الذي كان يقطنه اللاجئون الفلسطينيون ومحيطه الملاصق للمدينة شمالها، ومع مشارفة عام 2012 على الانتهاء كان الثوار بالفعل قد سيطروا على أكثر من نصف مساحة المدينة، تشمل أحياءها في القسم الشرقي بشكل كامل إضافة إلى بعض أحياء شمالها، وبات النظام يسيطر على جزيرة شبه معزولة في القسم الغربي من المدينة، والمحاطة شرقاٌ وشمالاً بأحياء مُحرَّرة، أما في الغرب والجنوب الغربي فالمناطق المحررة من الريف الحلبي، والذي كان النظام ما يزال مسيطراً فيه على منطقة خان العسل ومحيطها، التي أمَّن فيها طريق إمداده الوحيد إلى المدينة آنذاك قادماً من الجنوب.

توزع مناطق السيطرة في مدينة حلب أواسط عام 2013.

صورة مرفقة: بعنوان (توزع مناطق السيطرة في مدينة حلب أواسط عام 2013)
 

مغامرة فاشلة

منذ دخول الثوار إلى مدينة حلب أواسط عام 2012 وحتى نهاياته شكّل ثوار الريف الحلبي الكُتَل العسكرية الوحيدة المُنظّمة داخلها، بمركزيّةٍ للواء التوحيد الذي ضم معظم ثوار ريف حلب الشمالي والشرقي، إضافة إلى وجود فاعل لتشكيلات أخرى مثل لواء الفتح الذي ضم عدداً من ثوار الريف الشمالي بشكل أساسي من مدينة تل رفعت ومحيطها، ولواء أحرار سوريا المنشق عن لواء التوحيد والمكون من ثوار ريف حلب الشمالي الأدنى من بلدة عندان ومحيطها.

ورغم وجود مجموعات عسكرية من أبناء وقاطني مدينة حلب في عدد من أحيائها، خاصّة في بستان القصر وصلاح الدين والمشهد وطريق الباب والصاخور..إلخ،  فإن أيّاً من هذه المجموعات قليلةِ الأعداد لم تتمكن من منافسة تشكيلات الريف الكبيرة في المدينة، وهو ما دفع عدداً منها للتوحّد في كُتَل أكبر كان أبرزها لواء حلب الشهباء المُشكَّل بدايات أيلول من عام 2012 باندماج عدد جيد من ثوار الأحياء الحلبية جنوبي القسم المحرر من المدينة، والذي حاول بعد شهر من تأسيسه عبر عملية خاطفة تحرير القسم الغربي من المدينة، حيث دخلَت مجموعاته من حيّ بني زيد شمالي المدينة إلى عمق القسم المُحتَل وصولاً إلى جامع الرحمن في حي السبيل.

ويذكُر أهالي القسم المُحتَل من حلب بذهول مشاهدتَهم حاجزاً للجيش الحر في التقاطع الاستراتيجي أمام الجامع ذلك اليوم، إلا أنّ الثوار انسحبوا من كامل المنطقة الّتي دخلوها مع حلول الظلام، بسبب قلّة أعدادهم وضعف تسليحهم غير الكافي لعملية مشابهة، إضافة إلى عدم تنسيقهم مع أيٍّ من تشكيلات المدينة الكبيرة في تلك المغامرة -اللهم إلا بضع مجموعات من لواء التوحيد- الّتي كان يمكن لها لو تمّ تنظيمها بشكل مختلف أنْ تُنهِي وجود النظام في المدينة بشكل نهائيّ، وتعلن الشهباء عاصمةً للتحرير في سوريا.

 

حي الشيخ سعيد 

يقع حي الشيخ سعيد في أقصى جنوبي مدينة حلب، وهو يُعتبَر من الأحياء الشعبية التي سمح فيها بتمدُّد العشوائيّات إضافةً إلى "الشبيحة" المرتبطين بالنظام من خلال علاقة مصلحة متبادلة، حيث شكّل "بيت ميدو" في الحي اليد الخفية لسلطة نظام الأسد، الذي كان يعتمد على عدد من العوائل والبيوتات والعشائر الشبيهة في عدد من مدن سوريا كأداة سلطة من قبل انطلاق الثورة، وذلك بمنح هذه البيوتات امتيازاتٍ خاصة مثل حقّها في جباية إتاوات من أصحاب "البسطات" أو المحال التجارية، إضافة إلى غضّ الطرف عن تجارتها بالممنوعات بدءاً من الدخان المهرب وانتهاءً بالمخدرات، بعد أنْ يأخذ ضباط الأمن حصّتهم منها، مقابل تقديم هذه العوائل والبيوتات خدماتها للحفاظ على هذه المناطق تحت سلطة أجهزة الأمن والمخابرات.

ومع انطلاق الثورة السورية بدأ النظام بتفعيل دور هذه العوائل والبيوتات كلٌّ في حيّه ومدينته لمنع انطلاق المظاهرات فيها، ثم ومع تحوّل الثوار إلى معارك التحرير، رعَت أجهزة المخابرات تحوُّل هذه المجموعات إلى ميليشيات عسكرية مرتبطة بالنظام، تقاتل على جبهات مناطقها ضدّ تشكيلات الثوار، وذلك قبل أنْ يتم تنظيم هذه الميليشيات تحت اسم "الدفاع الوطني"، والذي كان يمثِّله في حي الشيخ سعيد مجموعات "بيت ميدو".

بعد فشل العملية باتجاه عمق القسم المُحتَل من المدينة، بدأَت أنظار ثوارها عموماً تتجه إلى أطراف القسم المحرر الخارجية لتأمينه، حيث جاءَت أولى عملياتهم العسكرية باتجاه الأطراف أواخر عام 2012، بعد الإعلان عن تأسيس (تجمع فاستقم كما أمرت) في المدينة أواسط كانون الأول، من اندماج معظم المجموعات الثورية لأبناء المدينة - ومن ضمنها لواء حلب الشهباء- إضافةً إلى كتائب نور الدين الزّنكي من ريف حلب الغربي، والتي كانت منضويةً تحت لواء التوحيد.

أعلن تجمع فاستقم مع تأسيسه انطلاق معركة تحرير حي الشيخ سعيد في أقصى جنوبي المدينة، والتي خاض فيها - بمشاركة مجموعات من معظم الفصائل في المدينة - معارك شرسة ضد جيش النظام ومجموعات بيت ميدو على مدار شهرين تقريباً، حتى تمكنوا من تحريره بشكل كامل أواخر كانون الثاني بدايات عام 2013، ليكون التحرير بمثابة إعلان عن ولادة تشكيل جديد على خريطة القوى العسكرية في المدينة، لكنْ هذه المرة بأيدي أبنائها وقاطنيها، وباتَت المنطقة اعتباراً من دوار جسر الحج في القسم المحرر وحتى جبهات الإذاعة وصلاح الدين تُنسَب إلى هذا التشكيل، فتُدعَى باسم "منطقة التجمع".

 

 

أعادَت معركة الشيخ سعيد في حلب فتح شهيّة الثوار لمعارك التحرير التي كانت قد شهدَت حالةً من البرود بعد سيطرتهم على القسم الشرقي من المدينة، فبدأَت تشكيلات الجيش الحر فيها بعملية تحرير "اللواء 80"، إلى الشرق من القسم المحرر منها، وهي العملية التي قادها لواء التوحيد بنجاح متمكّناً من تحرير اللواء أواسط شباط من عام 2013، أما تجمع فاستقم فقد بدأَت تتّجه أنظاره جنوباً، لفتح طريق آخر إلى القسم المحرر من المدينة، عبر جسر عسان جنوبي حلب، وهي المعركة التي كانت بداية دخولي إلى صفوف التجمع مع (كتيبة أبو أيوب الأنصاري)..

لكنّ تلك قصّة أخرى..