صراع الفرع والأصل بصورة جديدة.. قسد على درب الجهاديين

2020.12.06 | 23:07 دمشق

16554image1-1180x677_d.jpg
+A
حجم الخط
-A

شهدت سوريا في 9 سنوات ظهور جماعات سياسية وأخرى عسكرية وفكرية، وغيرها. جماعات كانت شكلاً جديداً على السوريين، الذين كانوا يسمعون بها سراً، أو لا يخشون التحدث بأمور تعتبر من المحرمات. ظهرت عشرات الجماعات بأفكار وإيديولوجيا لا تجمعها سوى أنها تمارس ما تريد على ذات الأرض، أي ضمن الخريطة السورية، لكن ظهور تلك الجماعات والتنظيمات والتيارات كسرت المحرمات، وتخلت عن أسها الرئيس، وراحت تغرد وفق ما يتناسب ودورها الحالي، عبر التكيف مع الواقع الجديد، فظهور التنظيمات العسكرية بشكل خاص مثل بداية جديدة لمسألة التبعية والاستمرارية في الانصياع للأصل.

 

تنظيم الدولة مفتاح العقدة

مثّل ظهور تنظيم الدولة في سوريا والعراق، بداية جديدة في مفهوم الولاء للأصل، أي تنظيم القاعدة، الذي يعتبر الرحم الذي خرجت منه جل التنظيمات الجهادية في العالم، لكن تلك الجماعات حافظت على تعبيتها للمركزية الرئيسة.

وكُسرت تلك التبعية بظهور التنظيم وإعلان أبي بكر البغدادي آنذاك عدم تبعيته للقاعدة أو على أقل تقدير رفض الانصياع للأمير الأكبر - أيمن الظواهري- ونجح التنظيم بكسر سلسة التبعية عبر مشاريع طرحها ولم تستطع القاعدة الوصول إلى ما وصل إليه البغدادي، وكان ذلك شرارة كسر المفاهيم والمبادئ، بفرط سلسلة المسبحة لتبعية التنظيمات اليمينية لتنظيم القاعدة، وهو ما شكل خطوة جريئة سارت عليها تنظيمات أخرى في عدد من دول العالم، كالجماعة في سيناء، وأخريات في القارة الأفريقية.

جبهة النصرة تتخلى عن الأصل

زادت الضائقة على جبهة النصرة، في سوريا، وراح مجلس الشورى فيها يبحث عن خيارات للحفاظ على قاعدته الشعبية، كانت الفكرة الأولى بالكشف عن صورة زعيمه أبو محمد الجولاني، التي كان المراد منها إيصال رسالة أن الجبهة سورية وقائدها سوري، ما يبعد عنها شبهة الجهاد العالمي.

وعلى الرغم من محاولة الجماعة في بداية صراعها على تأكيد تبعيتها للقاعدة مراراً وتكراراً، إلا أنها تبعت تنظيم الدولة بخطواته لكن بطرق دبلوماسية بعيدة عن التعصب والاضطراب العسكري. وبارك الظواهري فكرة الانفصال عن تنظيم القاعدة، وتخلت الجماعة مكرهة أو ماكرة عن رحمها الرئيس وراحت تتكيف والواقع الراهن.

مثّل ذلك التخلي ردة عسكرية في تيارات داخل الهيئة التي نادت بالقاعدة أصلاً ولا أصل بعدها، فهيبة تنظيم القاعدة تكسرت أمام ما ولدته وأوفدته إلى ساحتي العراق وسوريا، وتبعها ما تبعها من تأثيرات على هيكلية القاعدة وبنيتها، وكان ذلك الحلقة الثانية من كسر التيارات اليمنية الجهادية عقدة الارتباط والولاء للأم.

قسد على خطى الجهاديين

لم تكن فكرة التخلي عن الأصل حكراً على التيارات الجهادية في سوريا، وإنما تلك اليسارية. فيقرأ من خلال توجهاتها وتصريحاتها الأخيرة أن الظروف والواقع مشابه لما مر به خصومها اليمنيين، وأن عليها التخلي عن الأصل وكسر السلسلة للحصول على ديمومة البقاء نسبياً.

تصريحات مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، التي قال فيها إن العمال الكردستاني موجود في مناطق الإدارة الذاتية لضرورات كثيرة من بينها محاربة تنظيم الدولة؛ تشير إلى أن الصراع بين قطبي قسد في سوريا بدأ يطفو على السطح على غرار ما جرى مع اليمينيين، وهذا بازار يفتح على يد مظلوم عبدي الذي يحمل الجنسية السورية ومن الأكراد السوريين.

الرجل مستعد للتفاوض والتخلي إن كان ذلك سيحقق لهم ما يطمحون، وإن كان ذلك بشكل ليس رسميا، لكن المؤشرات تدل على ذلك، بما فيها الحوار الكردي - الكردي، أي أن قوات سوريا الديمقراطية بقوامها الكردي السوري مضطرة للانفصال عن الرحم الكردي الرئيس لهم، حزب العمال الكردستاني، وفق ضغوط وظروف تحكم ذلك، لكنه قد لا يكون انفصالاً ناجعاً، فعادة ما يولّد الانفصال سواء بين اليمينيين أو اليساريين شرارة الخصومة الخشنة والناعمة.

مؤشرات تخلي قسد عن ولائها، يشبه تماما تخلي جبهة النصرة عن ذات الولاء، وإن اختلفت الإيديولوجيا، إلا أن المراحل والظروف متشابهة.

أمام تحطيم مفاهيم وقواعد كانت تعتبر خطوطاً حمراً في هيكلية وبنية الجماعات، تتولد مفاهيم جديدة في سوريا تفسر الولاء والتبعية بمفاهيم مرتبطة بالظروف وقابلة للطي متى ما توفرت الفرصة، إضافة إلى أن النزعة السلطوية لدى كل التيارات مثّلت سبباً رئيساً لذلك، في صراع الفرع للبقاء وإن كلفه ذلك التخلي عن الأصل بل محاربته إن احتاج الأمر.