صخرة سيزيف السورية

2020.02.28 | 00:55 دمشق

screenshot_20191101-212612_gallery-6sgy03flp1e23ib0qljf5156w6d03x3w3lt6qchtihf.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الموازاة مع التقدم العسكري الذي تحققه قوات الأسد بغطاء ودعم من العدوان الروسي واستعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية، نلاخظ تعثر كبير تشهده العملية السياسية.

لقد شهدت القضية السورية عبر عقود مؤتمرات واجتماعات دولية عدة، ولكنها لم تقدم حلولاً للسوريين، إذ أُفرغت القرارات الدولية من مضامينها ما جعل العملية السياسية في تعثر مستمر.

على هامش الاجتماعات والمؤتمرات أيضاً تعالت صيحات تخوينية ضد كل من ينخرط في العمل السياسي، على اعتبار أن من يفاوض القاتل هو خائن ومتواطئ لا محالة وغير وفي للقضية ولدماء الشهداء الذين رحلوا في سبيل تحقيق هدف الحرية.

وفي هذا شيء كبير من الحقيقة، لكنه لا يؤسس إلا لنهج من السلبية الحتمية التي لن تفضي إلى نتائج بحيث تصبح المسألة معقدة بالمقاربة الواقعية لمجرى الأحداث.

فمسألة العملية السياسية والسعي من أجل تحقيق نجاحها، يصبح ضرورة حتمية في ظل الخسائر الجغرافية، لأن الثورة السورية مُنيت بخسائر كبيرة منذ بداية تخلي وترك من عوّلت عليهم من حلفاء لمناصرتها.

الحقيقة وفي قراءة الأحداث على عجالة فإننا قد نجد طريقتين لتحقيق المسعى الديمقراطي، عسكرياً أو سياسياً فالمتقدم عسكرياً يستطيع بشكل بديهي أن يفرض شروطه على الطرف الآخر لأنه سيكون حتماً في موقع قوة.

في الحالة السورية فإن أصحاب القضية الحقيقيين من الشعب السوري بعض منهم يعيش حالة شعور عبثية أو شعور باللاجدوى، ومنا من يجد أننا جميعاً نعيش في حالة ضعف وانعدام الأمل، ومنا من أبعدته دول المنفى وحالة التشتت عن أن يكون مسيطراً بشكل عملي على بقع الجغرافيا.

 من باب أولى إذن في هذه الحالة، اللجوء إلى الطرق السياسية والدبلوماسية لكن علينا أن نعترف أيضا وبكل جرأة أن ذلك ليس بالمتناول لأن حسم الملف السوري لم يعد بيد السوريين، منذ أول تدخل أجنبي في سوريا وبسبب تدخل دول الجوار التي ادعت أن ما يحدث في سوريا يؤثر بشكل مباشر على أمنها، فعبث بالملف بشكل أقرب إلى تفريغه من مضمونه.

أو من الدول التي عدّت نفسها راعية للثورة فتدخلت بثقلها من أجل اقتسام

الشعب السوري أدواته في الحق عن الدفاع عن قضيته لكن ذلك لا يعني بكل الأحوال أنه تخلى عنها أو نسيها

الكعكة وتقسيم الغنائم، وقد ترافق ذلك باستخدام طرقاً مشروعة وغير مشروعة، من أجل تغييب القضية وتحويلها إلى مسألة دولية تتعلق بالإرهاب الذي يؤثر على الأمن العالمي وللتعتيم على قضية الشعب المطالب بحقه في الحرية والحياة الديمقراطية.

في الخلاصة لقد فقد الشعب السوري أدواته في الحق عن الدفاع عن قضيته لكن ذلك لا يعني بكل الأحوال أنه تخلى عنها أو نسيها، والرهان هنا يكمن في التعويل على التاريخ، وعلى مقدرة الشعب السوري في الحفاظ على قضيته وعدم تناسيها.

تبرز هنا أهمية دور التوثيق كخطوة أولى بشكل كبير، فذاكرة الثورة السورية بحاجة إلى حفظها وعدم المخاطرة بنسيانها أو إخفائها حتى لا نسمح بتزوير التاريخ وتلفيقه وفقاً لإرادة القوى العالمية.

 فالتوثيق يعني امتلاك أدلة مادية تدعم قضيتنا من أجل تشكيل ذاكرة جمعية لا تسمح بتفاصيل الحراك الثوري السوري، ويشمل توثيق المجازر وتوثيق استخدام النظام وأعوانه للأسلحة المحرمة والتعذيب والاغتصاب في المعتقلات، وتجميع أكبر عدد من الأدلة التي تشير إلى ارتكابهم جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي.

الخطوة الثانية المترتبة على مسألة التوثيق هي السير في الحراك القانوني من أجل ملاحقة الجناة ومجرمي الحرب من ميليشيات ومسؤولين، ممن تورطوا في الدم السوري على امتداد البقعة الجغرافية في سوريا وتحريك الدعاوى الشخصية والعامة ضدهم من أجل إصدار أحكام عادلة بحقهم.

وبهدف الحصول على اعتراف دولي بأحقية المطالب الثورية وبعدالة الحراك السوري وعدم محاولة الالتفاف عليه وإلباسه ثوباً لم يكن ثوبه، أو محاولة ذر الرماد في عيون الشعوب الثائرة بتطبيق تداول سلطة غير حقيقي وصوري.

من واجب كل مواطن سوري ممن آمن بالقضية وليس من حقه فقط أن يعمل بشتى الوسائل من أجل تحقيق الهدف الثوري الذي خرج من أجله، ومن واجبنا إذا كنا في خانة المتفرجين أن نبتعد عن التنظير السياسي المحبط وأن نكون داعمين حقيقين وشركاء في حمل صخرة سيزيف التي يحملها السوريون منذ أول الانتفاضة.

لأن المعيار الوحيد الذي يبين الفرق بين من هو مؤمن بالثورة ومن هو كافر بها ألا يكون مرهوناً لأجندات خارجية وألا يعمل على المتاجرة بقضايا السوريين وفي هذا علينا أن نثق بالتاريخ حكماً عادلاً.