شون روني قتيل عالم حزب الله المأهول بالأهالي المسلحين

2022.12.19 | 05:58 دمشق

شون روني قتيل عالم حزب الله المأهول بالأهالي المسلحين
+A
حجم الخط
-A

الأهالي هم الذين يجعلون المكان مأهولاً فيصيرون أهله، ولكنّ شروط أهليّة أيّ جماعة لنيل هذا الموقع تفترض توافقاً على معنى المكان ووظيفته وتحديد نوع الزمان الّذي يحيا فيه وضبط مفاهيمه وقيمه.

المكان المأهول يشترط انتساباً إلى العيش وعادياته ولا يفترض أن يخرج منه ما يخترق المألوف في هذا الصدد، ولكن حين يكون ما يتجلّى من مظاهر العيش المألوف تمويهاّ لما يجري في الأنفاق، ينتفي احتمال العادي، ويحال كلّ المشهد إلى المعنى المصنوع في غياهب الأنفاق.

الأهالي الّذين يعيشون فوق الأرض لا ينتسبون إليها، كما أنّ أهل الأنفاق لم يحفروها بكلّ ما يتطلبه الأمر من صبرٍ وجهدٍ وتحايل ضمن مشروعٍ يتصّل بالبلد بل لكي تكون بلادهم الّتي تصادر البلاد، وبذلك لا تكون فعل إقامة وثبات بل فعل انفصال وخروج.

تلك الأنفاق تصنع عيشاً وموتاً من أجل الملالي الّذين يقتلون الإيرانيّين وتجعلنا نحن اللبنانيّين، غارقين في عجزنا وانعدام حيلتنا منتمين إليها بالقوّة والغلبة.

في عتمة الليل خرج هؤلاء الّذين سموا أنفسهم الأهالي ليقتلوا الجندي الإيرلندي شون روني المشارك في قوات حفظ السلام العاملة في لبنان، بحجّة أنّ دوريته خالفت خطّ السير المعهود.

قيل إنّه قتل برصاص مجهول وبعض المواقع الإخبارية قالت إنه استهدف من قبل قناصٍ محترف.

الحزب قد قرّر في هذه المرحلة أن يجعل من الأهالي فرقة عمليّات خاصّة تقوم بما يريد تحت ظلاله وفي حمايته، ولكنّها تنتسب في الوقت نفسه إلى انعدام التعريف والتحديد

نحن أمام مؤسسة أمنيّة متكاملة الأركان ترصد وتخطّط وتنفّذ أحكام الأعدام مباشرة. تقدم نفسها على أنها انعكاس لحساسياتٍ شعبيّة تتفاعل ميدانيّاً ومن دون سابق تخطيط مع الأحداث، وقوامها يتألف من حشدٍ من المدنيّين الغاضبين الّذين لا يملكون أيّ خبرات أمنيّة وعسكريّة، ولكنّهم يظهرون دائماً في توقيتٍ مدروس، ويؤدون وظائف سبق أن شملت القيام بعمليات إثارة فوضى منظّمة ومضبوطة الإيقاع في شعاراتها وعناوينها وحدودها وصولاً إلى اغتيالٍ يراد لنا أن نصدّق أنّه ليس سوى شكل آخر من أشكال الفوضى الّتي خرجت عن السيطرة.

ولعل في مسارعة رئيس وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا إلى التأكيد على انتفاء أي صلة لحزب الله بهذا الأمر ما يوحي بأنّ الحزب قد قرّر في هذه المرحلة أن يجعل من الأهالي فرقة عمليّات خاصّة تقوم بما يريد تحت ظلاله وفي حمايته، ولكنّها تنتسب في الوقت نفسه إلى انعدام التعريف والتحديد.

إنّه الكيان المجهول المعلوم والّذي يحاول الحزب تنسيب كلّ أهل الجنوب إليه  بإرادتهم أو رغما عنهم.

الجريمة في هذا المقام تلعب دورين أساسيّين الأوّل يتعلّق بضرورة فتح مسارات أمنيّة وسياسيّة وميدانيّة يحتاج إليها الحزب في هذه المرحلة لإعادة تمركزه في الداخل اللبناني، وبسط سيطرته على أيّ مشروع تفاوضٍ مستقبلي.

وعمليّة ترسيم الحدود البحرية بما تضمنته من ملامح تطبيع تتسم بطابع محدود وجزئي ولم تمكّنه من تحقيق ما كان يصبو إليه من فتح أبواب التفاوض مع الأميركيّين والإسرائيليّين من بوابة الاعتراف المباشر بكونه الناطق الفعلي باسم الشأن اللبناني.

كانت صفقة مرتبطة بعناوين غير لبنانيّة، ولم يكن البلد سوى محطة عبور عابرة لها أُنتجت تحت ظلال تعقيدات الحرب الأوكرانيّة، وهي قد باتت مهددةً بالنسف مع فوز نتنياهو في الانتخابات الإسرائيليّة واستعداده لتشكيل حكومة متطرّفة تضع على قائمة أولوياتها الحد من خطر إيران.

ينتمي الجندي الإيرلندي المقتول في لبنان في مفارقة دراميّة وساخرة إلى بلدٍ يعد أكثر بلد أوروبيّ يناهض إسرائيل ويدافع عن الحق الفلسطينيّ ويجاهر بعدم قانونيّة المستعمرات وقد تجد في عاصمته دبلن أعلاما فلسطينية مرفوعة أكثر من أي بلد عربي أو إسلامي.

عنوان التواطؤ مع الإسرائيليّين الّذي عمل مؤيدو الحزب على تعميمه على وسائل التواصل الاجتماعي كتبرير للجريمة، يكشف أن منظومة البروباغندا الخاصة به تحتاج إلى تحديث وإعادة هيكلة، وأنّ ذلك التركيز التاريخي على العنوان الإسرائيليّ أنتج شللاً في بنية ابتكار الشائعات والأكاذيب حولها إلى هذيانات منفصلة عن وقائع السياسة والتكنولوجيا.

ردود الفعل المتوقّعة على هذا الاغتيال تضع مهمة اليونيفيل في لبنان في مهبّ إعادة النظر في طبيعتها وجدواها، وقد تفرض قراراً بانسحاب الإيرلنديّين، وتخلق موجة انسحاباتٍ عامة لا يستبعد أن تطول كلّ القوى المشاركة.

يضاف إلى ذلك إطلاق رسالة شديدة اللهجة إلى فرنسا التي رعت اتفاق التجديد لليونيفيل، ولكنّ مواقفها المتشدّدة تجاه النظام في إيران والمؤيدة لثورة الايرانيّين، وأزمة الرهائن الفرنسيين المحتجزين في إيران بتهمة التجسس قد جعلتها حكماً في موقع العداء مع حزب الله، لذا قد تكون هذه العمليّة رسالة مزدوجة لليونيفيل وللفرنسيّين في آن واحد.

انسحاب اليونيفيل إذا ما حصل يفتح الباب واسعاً أمام الحزب ليكون الطرف الوحيد الذي يمسك بالبلد أمنيّا ويفاوض عليه، ولعل هذا الأمر يستجيب لنزعة إشعال الساحات التي تحاول إيران من خلالها تخفيف الضغط عنها في ظل تراكم سلاسل معطيات دوليّة وإقليميّة لا تصب في صالحها.

دور آخر يمكن استشفافه من هذه الجريمة يتعلق بإعادة إنتاج العلاقة مع الجمهور التي كانت قد بدأت تتفسخ مع وضوح معالم التطبيع في اتفاق الترسيم، وغياب النتائج المباشرة من الانخراط في الحرب السورية الّتي تحولت إلى استنزاف خالص ومجاني، كما أن التردي الاقتصادي طال بيئة الحزب بشكل كبير وخصوصاً بعد تضاؤل كميّة الأموال الّتي تصله من إيران وانفجار سعر صرف الدولار في لبنان بشكلٍ غير مسبوق، يشي بخروج الأمر عن السيطرة والضبط وضمور القدرة على التلاعب بسعره.

الحاج وفيق صفا قال إن الحزب لا دخل له، وعلينا أن نصدّقه وإلا قد يغضب الأهالي ونجد أنفسنا مقتولين عفويّاً وعرضيّاً بيد الكائنات الأثيريّة المسماة بالأهالي

ضمن هذه الخريطة المعقّدة يأتي قتل شين روني ليعيد تنسيب الجرائم كلّها إلى الجمهور، وجعله صاحبها والمسؤول عنها بشكل لا يمكنه الفكاك منه.

الجندي الصغير الّذي ظهرت صورة له وهو يقف أمام آليته العسكريّة ببراءة من يؤمن بمهمة حفظ السلام ليس سوى قتيل آخر بيد الأهالي في سياق من القتل المقصود والمعدّ له سلفا بحملات تحريض وتهديد كما كان الحال في اغتيال لقمان سليم. ولكنّ الحاج وفيق صفا قال إن الحزب لا دخل له، وعلينا أن نصدّقه وإلا قد يغضب الأهالي ونجد أنفسنا مقتولين عفويّاً وعرضيّاً بيد الكائنات الأثيريّة المسماة بالأهالي والتي لا تتجسد في هيئة مرئيّة إلا لغرض القتل وتعود بعدها إلى وضعها الشبحيّ المحروس بالسلاح الإلهي.