شرّفت يا "بايدن" بابا

2022.07.20 | 07:00 دمشق

زيارة بايدن للسعودية الأناضول
+A
حجم الخط
-A

هل هي أزمة الطاقة العالمية التي تسببت بها الحرب الروسية على أوكرانيا، أم هو الحدّ من زيادة النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط ذي الأهمية البالغة جداً للولايات المتحدة، أم هو تدشينٌ لتحالف جديد تقوده إسرائيل يغير الصيغة الجيوسياسية القائمة في المنطقة، أم ماذا؟

أخيرا حطت طائرة الرئاسة الأميركية في شرقنا الأوسط العتيد، والرئيس الأميركي الذي بدأ زيارة تم الحديث عنها كثيرا في الفترة الأخيرة، وكثرت التكهنات حول صعوبات تواجهها، وخصوصا بعد أقاويل عن شقٍ لعصا الطاعة يقوده ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" ضد الإدارة الأميركية وسياستها الأنانية المتغطرسة، يحط رحاله في القدس أولاً، موجهاً الرسالة "الفاتحة" التي لا بد من توجيهها كلما قام رئيس أميركي بجولة في منطقة الشرق الأوسط.

كالعادة سيقدّم الرئيس الأميركي للقادة الإسرائيليين صكوك حسن السلوك، وحسن النيّة، وسيذكّر بمواقفه الداعمة لها، وسيعدُ بما يكفي للاعتراف بأنه أهل للثقة، وبعد أن يباركه "الربّ" ورموز الدولة الإسرائيلية سيبدأ جولته في المنطقة.

سيقدّم الرئيس الأميركي للقادة الإسرائيليين صكوك حسن السلوك، وحسن النيّة، وسيذكّر بمواقفه الداعمة لها، وسيعدُ بما يكفي للاعتراف بأنه أهل للثقة، وبعد أن يباركه "الربّ" ورموز الدولة الإسرائيلية سيبدأ جولته في المنطقة

لعله من الواجب أن يبادر معظم القادة العرب لشكر "بوتين"، فلولا حربه المجنونة على أوكرانيا لما اضطر "بايدن" وغيره إلى مجاملتهم على هذا النحو، والدولة المنبوذة التي تعهد بايدن بأن تصبحها المملكة العربية السعودية بعد فضيحة اغتيال "خاشقجي"، تحولت إلى الحليفة القديمة والاستراتيجية المؤبدة، ولم ينقص اللقاء سوى أن يعتلي بايدن مسرحا غنائيا ومعه وفده المرافق ليغنوا أغنية أم كلثوم الشهيرة "ياحبيبي إمبارح وحبيب دلوقت، وحبيبي لبكرة ولآخر وقت".

بعيدا عن البروتوكولات والمجاملات، وفي صلب زيارة الرئيس الأميركي بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط هناك موضوعان أساسيان يشكلان جوهر هذه الزيارة، أولهما هو كالعادة أمن إسرائيل، وعلاقتها بمحيطها العربي، خصوصا في ضوء المستجد الجديد بعد تزايد الخطر والنفوذ الإيراني المدجج بأنظمة صاروخية متطورة، وباحتمال امتلاك السلاح النووي، وثانيهما هو رسم حدود نفوذ القوى المهيمنة أو تلك التي تسعى للهيمنة في المنطقة بعد تمدد الصين واحتمالات تطورات الحرب الروسية على أوكرانيا.

ما تبقى من أهداف يتم تداولها حول حاجة بايدن لتحقيق إنجاز سياسي قبيل الانتخابات النصفية الأميركية واحتمالات سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، وحول الطلب من السعودية زيادة إنتاجها من النفط في ضوء أزمة الطاقة المتفاقمة في العالم بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، رغم أهميتها إلا أنها تأتي في مرتبة أدنى.

تركز الخطاب الذي ألقاه بايدن في القمة الخليجية التي شارك بها، والتي عقدت في المدينة السعودية "جدة" بمشاركة مصر والعراق والأردن أيضا، على محورين رئيسين، أولهما تصميم أميركا على حماية "القانون الدولي" الذي يجب علينا أن نقرأه على النحو الآتي كي نفهم جيدا ما تعنيه الإدارة الأميركية: "تصميم أميركا على حماية القانون الدولي الذي ترعاه أميركا ويضمن هيمنتها العالمية"، وثانيهما تعهد أميركا للدول التي تحترم هذا "القانون الدولي" بتحالفات تدعمها وتحميها، وتحمي مصالحها، وذكّر بعودة أميركا للعب دور الحارس القوي لممرات خطوط الملاحة الدولية.

في كل البنود التي حملها بايدن معه هناك مصالح أميركية واضحة، وهناك مصالح إسرائيلية أكثر وضوحا، والسؤال الذي لا مفرَّ من طرحه هنا: ماذا عن مصالح الدول الأخرى في المنطقة؟

في كل البنود التي حملها بايدن معه هناك مصالح أميركية واضحة، وهناك مصالح إسرائيلية أكثر وضوحا، والسؤال الذي لا مفرَّ من طرحه هنا: ماذا عن مصالح الدول الأخرى في المنطقة، سواء تلك التي تحلّقت حول طاولة مؤتمر جدة، أو تلك التي لم تحضر لأن أحدا لم يهتم بها ويفكر بدعوتها، أو ربما لأنها تتحلّق حول طاولة الولي الفقيه؟

لا أظن أن هناك لحظة تاريخية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تمنح النظام العربي الفرصة المناسبة لتحقيق مصالح حقيقية له كما هي اللحظة الراهنة، فالعالم الذي يهتز بقوة اليوم على وقع أزمات كبرى متعددة، بدءاً بأزمة كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا، ووصولاً إلى أزمة اقتصادية مقرونة بأزمة طاقة عالمية، وبأزمة غذائية عالمية أيضاً، بالإضافة إلى سعي أطراف دولية لكسر القطبية الأحادية الأميركية، كل هذا يفتح الباب لترسيخ مكاسب حقيقية للنظام العربي وللشعوب العربية.

هناك ثلاث مشكلات رئيسية تواجه عالمنا العربي، المشكلة الأهم هي القضية الفلسطينية والوجود الإسرائيلي ودور إسرائيل الوظيفي، والثانية المشروع الإيراني وما يشكله من تهديد حقيقي، والثالثة هي قضية حقوق الإنسان والديمقراطية، وبما أن النظام العربي برمّته لن يفكر يوماً بموضوعة حقوق الإنسان ولا بدولة ديمقراطية، فإن أقصى ما نحاول قوله هنا هو أن هناك إمكانية لتحقيق مكاسب على صعيد المشكلتين الأخريين.

ليس لتصريحات بايدن حول ضرورة حل القضية الفلسطينية عبر إقامة دولتين، أي معنى، وهي ليست أكثر من عهود سمعها، وسيسمعها العرب والفلسطينيون كثيرا، لكنها لن ترى النور، ولأن اللحظة الراهنة تفرض على إسرائيل الطامحة لعلاقات واسعة مع محيطها العربي، وتفرض على أميركا التي تحاول رصَّ صفوف تحالف دولي قادر على مواجهة تحديات بالغة الخطورة تطال موقعها وهيمنتها واقتصادها، فإنه من الملائم جدا للنظام العربي أن يضغط باتجاه تحقيق حل شامل ودائم للقضية الفلسطينية.

أما فيما يخص التهديد الإيراني، فإن اللحظة أيضا مناسبة جدا للجم المشروع الإيراني والعمل على خلق آليات دفاع حقيقية تدفع القادة الإيرانيين لإعادة النظر في سياستهم العدوانية حيال دول وشعوب المنطقة كلها.

للأسف غابت سوريا عن كل هذه المجريات، ولولا ما تحدث به أمير قطر الشيخ تميم حول معاناة الشعب السوري وضرورة إنهاء هذه المعاناة ربما لم نكن سمعنا نحن السوريين ما يتعلق بنا وبمأساتنا، هذا ما يحصل دائما عندما تصبح البلدان مباحة للصوص ولمجرمين يتكلمون باسمها، وما يبعث على الفاجعة أكثر أنه في الوقت الذي تعصف فيه كل هذه المتغيرات بالعالم، وتعيش شعوب العالم كله إرهاصات وضع عالمي معقد، وتسارع حكومات العالم لاستباق مخاطر هذا الوضع، يقوم مغتصب الشرعية في سوريا وبمنتهى الوضاعة بإعلان إقامة علاقات ديبلوماسية مع "جمهورية لوغانسك" التي هي إقليم من أوكرانيا، والتي تعترف بها روسيا وكوريا الشمالية فقط.

شرّفت يا بايدن بابا .. مأخوذة بتصرف عن قصيدة كتبها الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم "شرّفت يا نيكسون بابا" يابتاع الووترغيت، وغناها الشيخ إمام.