شريف شحادة.. وخطاب السعادة

2022.01.08 | 06:30 دمشق

2252419059.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا شماتة بسوري جائع في أي بقعة على هذي الأرض التي تنوء بالفقراء والمظلومين فهم يتكاثرون بالحروب وسواها، وفي سوريا التي يحكمها البعث منذ نصف قرن تلوّن الفقر وفق خطاب السلطة من مصدر فخر أوقات الحصار المزعومة إلى حالة من العفاف المتعالي كما توصي قيادات التدين الأرضي أتباعها كي لا يخرجوا على الحاكم الظالم.. فالجوع خير وأبقى من خراب البلاد بسبب فرد ديكتاتور أو لص فاسد.

وهكذا بات الفقراء السوريون يرون في فقرهم مدعاة للفخر، وميزة يحوزها الشرفاء، وأصحاب المبادئ فلا يمكن أن تكون غنياً ومبدئياً، وأما اللصوص والأغنياء الطارئون والحاكم الظالم فالله كفيل بحسابهم، وليهنأوا بالأرض ومتعها الزائلة، ولذلك بات على سكان مناطق ما فوق الفقر في أطراف السيدة زينب (قرية غزال) على سبيل المثال أن تحوز قبل الحرب على لقب القرية الأكثر فقراً، وعلى أبناء الجزيرة السورية أن يتحولوا بقرار جائر إلى سكان خيام في القنيطرة وريف دمشق، وأما كتلة الموظفين فهي تعيش على الكفاف وبيع أوراق اليانصيب بعد الظهر أو (بسطة) مدعومة لبيع الشامبو المزور في البرامكة، والبقية  من حماة الدولة كجهاز الشرطة والمخابرات فمساحة الرزق مفتوحة على أبواب الرشوة واللصوصية المقنعة بالتهديد لمواطن همس ساخطاً فوصل صوته إلى مساعد في مفرزة الأمن العسكري أوالسياسي.

هي سوريا الدويلة التي تركناها خلف ظهورنا آسفين على أحلامنا التي كنا نعتقد أنها قابلة للتحقق، وعلى رغبات التغيير الهادئ لبلاد تستحق حالاً أفضل، وأبناء يحبونها من دون أن ينزعوا عنها ثوب الفضيلة ويدعوها عارية لكل همجي ولص وعاطل عن العمل يرى في موتها فرصة للحياة.

لا يتوقف من تورطوا في الدم والخديعة في مواصلة الدفاع عن كذبتهم الأولى التي بنت في عقول المؤيدين صورة مغايرة للواقع وللمستقبل

الأكثر قسوة هو ما يحصل الآن حيث بات الجوع عمومياً لكل صغار الكسبة (وفق تصنيف البعث للشعب العظيم المقاوم)، وهؤلاء هم الأكثرية في المجتمع المتجانس الذي أسسته سياسة الترحيل والتهجير الممنهجة خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث لا مكان لمن هواه عكس هوى السلطة ومؤيديها وحلفائها، وهكذا وصلنا إلى آخر الطريق بسرعة البرق.. هنا في سوريا التي باتت على حافة الموت جوعاً وخراباً.

ولكن نكران المصيبة قد يكون أقسى من أضرارها الواقعة على رؤوس أصحابها، وهنا لا يتوقف من تورطوا في الدم والخديعة في مواصلة الدفاع عن كذبتهم الأولى التي بنت في عقول المؤيدين صورة مغايرة للواقع وللمستقبل، فهنا نحن نعيش في سوريا الكبرى التي صمدت في وجه ثمانين دولة من بينها أميركا وإنكلترا وفرنسا ومعها كل أموال الخليج وتركيا التي فتحت أبوابها للعصابات الإرهابية، وهنا نحن في سوريا التي لا تنفذ خيراتها فنحن أكبر منتجي الزيت والمشمش والكرز والتين، ولدينا غاز ونفط وفوسفات ونهرين من ماء لا ينضب.. أما عن صورة المستقبل فنحن من سينتصر وسيأتي الحجيج الدولي إلى دمشق مطأطئاً الرأس معتذراً.. لكن المأساة هي أن البلاد حبلى بالحجيج الإيراني الديني على هيئة فصائل مسلحة ترى في سهول البلاد ومدنها ساحة حرب لاسترداد دين تاريخي في الشام.

لن يصلح خطاب السعادة ما أفسدته أصوات البراميل والصواريخ، ولن يجدي اعتذار ما في ساعة ما ذات يوم في رأب الصدع في بلاد تجلس على صخرة شاهقة قبالة شاطئ المتوسط

انتهاء الحلم أبعد من النكران فها هو شريف شحادة أحد أهم وجوه الخديعة لا يريد أن يعترف بالعار والعرّي الذي أصاب كل من صدقوه، ولا يملك سوى ابتسامة باهتة تفضح ما بعدها، وجلداً سميكاً صالحاً للشتيمة والصفع، ولهذا سيحتمل وزر من سيرمونه بالحجارة وبالرصاص ذات يوم في مسقط رأسه الذي تلوح فيه شرارة موجة جديدة من السخط والنار.

لن يصلح خطاب السعادة ما أفسدته أصوات البراميل والصواريخ، ولن يجدي اعتذار ما في ساعة ما ذات يوم في رأب الصدع في بلاد تجلس على صخرة شاهقة قبالة شاطئ المتوسط.