شرق الفرات.. بركان عشائري على حافة الانفجار

2021.02.06 | 00:01 دمشق

mzahrat-fy-qryt-alhwayj.jpg
+A
حجم الخط
-A

أليس من الخطأ أن نصدق، أو نروي، أو نتناقل حتى الدعاية الأميركية بأنّ "قسد" هي الجهة الأفضل والشريك الأمثل، في محاربة تنظيم "الدولة"؟ الإرهاب هو الإرهاب، إذا جاء من الشر أو حضر من الشمال الشرقي، إن نشأ على خلفية إيديولوجية أو بني على أساس قومي.

هل أحتاج للتذكير بأن الواقع الأمني لم يتغيّر شرق الفرات بعد مرحلة تنظيم "الدولة"؟ لا فرق بين الذبح والاغتيال إن كانا يحققان ذات النتيجة، ولا اختلاف بين الاختطاف والاعتقال إن كان المصير في كلتا الحالتين مجهول، ولا تباين بين التغيير الديموغرافي لغاية دينية أو لمبتغى قومي، كلها جرائم حرب، المآل واحد على اعتباري أتحدث عن تنظيمين راديكاليين سعيا للسيطرة على المجتمع العربي العشائري وتغيير بنيته بذات الطريقة، بالترهيب.

في المجتمعات العشائرية لاتصل الخلافات على حد البينية إذا واجهت خطرا خارجيا يستهدف وجود العشيرة أو موروثها الاجتماعي، سيما إن كان الخطر من عدو ذو قومية أو إثنية مختلفة.

العشائرية كانت المحرك الأساسي للانتفاضة بوجه كل انتهاك ترتكبه "قسد" بحق أي شخص أو مجموعة في دير الزور

لاريب في أن البنية الداخلية للعشيرة تصدعت بفعل تعاقب القوى التي سيطرت على مناطقهم، إلا أن روح العشيرة ما زالت تلعب دورا مهما في توجيه الفرد، فالعشائرية مازالت موجودة.

تلك العشائرية كانت المحرك الأساسي للانتفاضة بوجه كل انتهاك ترتكبه "قسد" بحق أي شخص أو مجموعة في دير الزور، أو رداً على غبن في حصتها من التنمية أو نصيبها من الموارد اليسيرة التي توزع، على اعتبارها المناطق النفطية التي تنتج أكثر من 50 ألف برميل نفطي من أصل 80 ألفا تنتجها كامل مناطق الإدارة الذاتية الكردية، ناهيك عن قائمة اغتيالات أو محاولات اغتيال لا تستهدف سوى الشخصيات العربية الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسهم "مطشر الهفل" أحد مشايخ قبيلة العكيدات والدكتور "غسان اليوسف" رئيس المجلس المدني الذي يمت بقرابة لصيقة لعشيرة البقارة.

قسد تدرك أن الانتفاضة العربية قادمة وأن العشائر قادرة على تأمين كامل الدعم العسكري بما فيه السلاح والقوة البشرية

إن ما سبق يخلص إلى نتيجة واحدة لا شك فيها، أن انتفاضة العشائر العربية آتية لامحالة، وهذا ما تدركه الولايات المتحدة الأميركية ويحاولان منعه من خلال التعامل بمرونة مع الوفود العشائرية التي اعتزمت التواصل من الرعاة لقسد بالمباشر، بعد وعود بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والأمنية لم يتحقق أي منها، وهذا ما دفع قسد لتصفية كثير من القادة العسكريين من أبناء العشائر الذين شاركوا، بل قادوا معارك التحرير ضد تنظيم "الدولة"، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر ياسر الدحلة وأبو بكر قادسية وأحمد العلوان.

المشهد إذاً على الشكل التالي، قسد تدرك أن الانتفاضة العربية قادمة وأن العشائر قادرة على تأمين كامل الدعم العسكري بما فيه السلاح والقوة البشرية لذلك توفر خزانها البشري لأجل تلك المعركة، والأميركان يدركون ذلك أيضا ولا يريدون تكرار تجربتهم في العراق إبان الحرب العراقية وبعدها ويتعاملون مع الموقف بحذر مع احتواء كامل للعشائر في المنطقة، أما نظام الأسد فينتظر الشرارة الأولى ليتدخل عن طريق شيوخ العشائر من الصف الأول الذين احتواهم وبذلك يحقق دخوله إلى شرق الفرات كمخلّص للعشائر العربي من جور حليفه التاريخي والأب الروحي لقسد تنظيم PKK ولا داعي للتذكير بوجود شيخ عشيرة البقارة "نواف البشير" في كنف الأسد، تبقى هنا فصائل المعارضة التي تحاول بدعم تركي لشق طريقها إلى أطراف المحافظة أملا بالعودة إلى مجدها السابق، الأرض والنفط.

كل ذلك يجري وسط جولات سياسية ودستورية ماراثونية تتعثر حينا وتفشل أحيانا ولا تحقق أي نتيجة دائما، جولات يحاول النظام كسب الوقت فيها وتدرك المعارضة ذلك فيقرر الائتلاف الوطني في اجتماع هيئته السياسية أن يتعامل معه بطريقة "النفس الطويل" ليمنحه –عن قصد أو غير قصد- الوقت الذي يريد.

تبقى الحقيقة الوحيدة الثابتة أن الاغتيالات في مناطق شرق الفرات مستمرة مادامت الرغبة في وجود قسد قائمة، وإن كان هذا التنظيم يتحمل المسؤولية الجنائية الدولية على كل تلك الانتهاكات على مرأى ومسمع من مشغليهم الأميركان، فإنّ الولايات المتحدة عليها تحمل عواقب ما سينشأ عن هذا الصمت المطبق، فالعشائر بدأت تعقد العزم على تغيير واقع المنطقة ولو بالقوة، وليذهب الاستقرار إن وجد أصلا –من وجهة نظرهم- كما ذهب حمار أم عمرو.