شاحنة قبيحة تدهس اللاجئين وترسلهم إلى رواندا

2022.06.09 | 07:30 دمشق

93368427eb2963958af8113c984c580aa16e9611.jpeg
+A
حجم الخط
-A

كانت الشاحنات المتجهة إلى نفق المانش، تواجه عند مخيم الغابة، في منطقة كاليه شمال فرنسا، كل يوم، عشرات من اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط وأفريقيا، الذين يحاولون التسلل إليها، من أجل استغلال مسارها، للوصول إلى محطة اللجوء الأخيرة؛ بريطانيا!

بعض السائقين كانوا يقومون بنقل البعض بطريقة سرية، مقابل الحصول على بعض المال، بينما كان البعض الآخر يرفضون ذلك، ويزيدون سرعة مركباتهم، كي لا يتمكن أحد من الإمساك بها! وقد أدى ذلك إلى موت بعض اللاجئين دهساً.

بينما كان بعض السائقين العنصريين، يحاولون تفريغ بعض أحقادهم، عبر تعمد السياقة بطريقة رعناء، الأمر الذي يعني إيذاء أي شخص، يصدف مروره في المكان!

سيدة سورية، شاء قدرها أن تعبر في ذلك الطريق المقيت، فصدمتها شاحنة ولم يتوقف سائقها لينقذها، بعد أن أطاحت بها سرعة الصدمة بعيداً! فبقيت تنزف، دون أن يتمكن اللاجئون، الذين شاهدوا ما حصل، من إنقاذها، حتى فارقت روحها جسدها!

لم يعرف أحد في البداية هوية المرأة، وما هي جنسيتها، كما أن السائق الذي دهسها مضى في حال سبيله، وربما قضى ليلته بين أطفاله ومع زوجته!

فالمرأة التي صدمها كانت مجرد لاجئة، تحاول وبشكل غير قانوني الوصول إلى مكان ما!

فككت فرنسا مخيم الغابة بعد سنة من تلك الحادثة، ومنعت تواجد أي لاجئ في المنطقة منذ 2016، لكن محاولات البشر الهاربين من مناطق النزاعات المزمنة، لمغادرتها صوب بريطانيا، حيث يعتقدون بأن شروط اللجوء أفضل، لم ولن تتوقف، طالما أن ثمة إمكانية أو احتمالاً لأن يصلوا إلى هناك!

أثمان عبور بحر المانش، في حقيقة الأمر تماثل تلك التي دُفعت في بحر إيجة، هنا، لجهة حوادث الغرق، حيث ستبدو كل الأموال أرخص من فقدان الأرواح

ولهذا، كان لا بد لهم من استعادة تجربة الوصول إلى الضفة الأخرى من خلال القوارب، أي الأسلوب الذي كان وما زال متبعاً للعبور من الضفة التركية الآسيوية إلى الجزر اليونانية الأوروبية، لقد نجح مئات آلاف اللاجئين، من خلاله، في الوصول إلى البلدان التي قصدوها، ويمكن أن يساعد لاجئي هذه الأيام!

لكن أثمان عبور بحر المانش، في حقيقة الأمر تماثل تلك التي دُفعت في بحر إيجة، هنا، لجهة حوادث الغرق، حيث ستبدو كل الأموال أرخص من فقدان الأرواح، لكن تجار اللجوء لا يهتمون بالبشر، بل بنقودهم حصراً.

ضمن هذا المسار، سيدعي المسؤولون الفرنسيون ونظرائهم البريطانيون، أنهم مصدومون من غرق عشرات من الشباب العراقيين، قبيل نهاية العام الماضي، وسيتبادل الطرفان الاتهامات، في محاولة للتخلص من أوزار المسؤولية!

وفي سياق هامشي، يمكن لموت البشر أن يكون مبعث قلق للحكومة البريطانية، ستجد وزيرة الداخلية في حكومة بوريس جونسون بريتي باتل الإلهام، لحل مشكلة قدوم طالبي اللجوء إلى بلدها، في خطة دانماركية تقوم على ترحيل هؤلاء بعيداً عن أوروبا، إلى إحدى الدول التي تقبل بهم، وسيكون من الملفت أن تقبل بهذه الخطة دولة أفريقية شهدت في تاريخها الحديث، وتحديداً في عام 1994، واحدة من أبشع مجازر التاريخ هي رواندا!

ألا يكون المرء معروفاً أمرٌ غير مقبول في حيوات البشر، لهذا يحتاج أي شخص إلى اسم، كي يتمكن الآخرون من مخاطبته والإشارة إليه به، وحين يتم إحلال الصفة الآنية بدلاً من الأسماء الدائمة، في حيثيات قصة كبيرة تتعلق بالمصائر، يدرك القارئ أن التعاطي مع اللاجئين على أنهم مجرد ملفات، إنما هو فعل يهدف إلى تبسيط القصة، من أجل أن تصبح حلولها مقبولة ومستساغة!

لكن حين تروى حكاية شخصٍ معرّف باسمه، وبجنسيته، وتستطرد في شرح مأساته، والأسباب التي جعلته يغادر وطنه، ومنها الحروب والاضطهاد، لا بد سيكون تأثير ذلك أكبر على المتلقي، وبما يجعله يفكر بتبعات أي قرار يتخذه حيال القضية!

الوزيرة باتل القادمة من أصول هندية، ومن عائلة لجأت إلى بريطانيا، لا ترى في اللاجئين سوى أنهم مشكلة لبريطانية، وهي بالإضافة إلى تحويلهم إلى أرقام، ترى أن سحق آمالهم بالحصول على اللجوء، سيتكفل بمنع الآخرين ليس من القدوم فقط، بل مجرد التفكير بالأمر.

سنصادف في فرجار الرؤية تفاصيل عن رغبة عارمة لدى مسؤول يحمل في تكوينه صفات الضحايا لأن يصبح جلاداً لهم، وأن يتطرف في مسيرته المبنية على الاندماج مع النظام القائم

ورغم معرفتها بحجم الاعتراضات على ما تنوي فعله بعد أيام، حيث ستقوم وزارتها بترحيل أول مجموعة من طالبي اللجوء، فقد مررت قرار الموافقة على ذلك من خلال "توجيه وزاري" نادر لم يتخذ مثله منذ ثلاثين سنة، ما يعني أنها تتحمل المسؤولية عن كل ما يجري.

إذا نظرنا للمسألة من زاوية أوسع من مجرد عدم وجود حلول بديلة، ودققنا في مجمل سياسة الوزيرة، لربما سنصادف في فرجار الرؤية تفاصيل عن رغبة عارمة لدى مسؤول يحمل في تكوينه صفات الضحايا لأن يصبح جلاداً لهم، وأن يتطرف في مسيرته المبنية على الاندماج مع النظام القائم.

قد لا تكون علاقة باتل مع الإسرائيليين مسألة مهمة في سياق تحرينا لشخصيتها ودوافعها، لكن وقوفها مع الأجهزة الأمنية العربية ضد الناشطين المقيمين في بلادها فهي وبحسب مدير المناصرة في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، سيد أحمد الوداعي تعتبر الناشطين تهديداً أمنياً يكشف عن جانب خطير ومؤذٍ للآخرين، حتى مواطنيها الذين رفضوا خطتها ورفعوا أصواتهم ضدها.

إنها أشبه بشاحنة تسير بسرعة هائلة لا يهتم سائقها بمن يدهسه، وهي في المحصلة لن تكون سوى وجه قبيح، سيحاول النظام الذي تنتمي إليه، التخلص منه في أقرب الأوقات!