سياسات اللجوء بين المسألة الإنسانية والحاجة الانتخابية

2020.09.15 | 00:04 دمشق

qb-ahtraq-mkhym-mwrya.-alywnan-tnwy-bna-mrkz-astqbal-daym-llmhajryn.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعادت مأساة مخيم موريا للاجئين، الذي احترق عن بكرة أبيه يوم 9 أيلول الماضي في جزيرة لبسوس اليونانية إلى الواجهة لفترة وجيزة، قضية إنسانية تخلت عنها الإنسانية.

وبعد خمس سنوات من وصول مئات آلاف اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي هاربين من بلدان حرمتهم الأمن والأمان، كما حرمتهم الحرية والسلام، كسوريا أولاً، وأفغانستان والعراق لاحقاً، لم تتعلم أوروبا الدرس رغم الثمن "الباهظ" الذي تكبدته وزعزع استقرار بعض حكوماتها ورفع من نصيب يمينها المتطرف في الانتخابات التي تلت هذه الموجة.

وصار اليوم آلاف من اللاجئين في تلك الجزيرة دون مأوى وهم الذين أمضوا أشهرا وسنوات محجوزين فيها لمنع وصولهم إلى "الداخل" الأوروبي. كما ساهمت تركيا في رفع عددهم بإطلاق حملات لأهداف سياسية من خلال فتح الحدود الانتقائي تناسباً مع التوترات التي كانت تعتري علاقاتها البينية مع دول الاتحاد.

مخيم موريا، وحسب شهادات جُلّ المنظمات الإنسانية اليونانية والدولية، هو مكان غير قابل للعيش بالنسبة لبني البشر. وقد ألحق به هذا التوصيف منذ أن تحول من مخيم جرى إعداده بسرعة ليستوعب بشكل مؤقت عدداً لا يتجاوز الثلاثة آلاف إنسان إلى مكان عشوائي التنظيم ومنعدم الخدمات الأساسية ويحتوي على عشرات الآلاف من البشر، منهم المسنون والمعاقون والأطفال. وقد وصفت هذه المنظمات كما الصحف الأوروبية مراراً وتكرارا هذا المخيم بأنه "مخيم العار" الأوروبي، دون أن تتحرك الحكومات الأوروبية ولا مؤسسات الاتحاد الأوروبي لإيجاد الحلول الإنسانية الملائمة.

واستغرقت هذه الدول السنوات الأخيرة في تعزيز حمايتها لشواطئها وصرفت المليارات لتعزيز التقنيات الأمنية كما توقيع الاتفاقيات الثنائية مع بعض دول العبور لكي تتصرف كما ترتأي لصد هذا "الخطر" البشري الداهم.

وقد تعرض هذا المخيم، بفعل عوامل طبيعية غالباً، أو بفعل قيام بعض ساكنيه بالاحتجاج أحياناً، إلى حرائق متعددة سابقاً، كانت جرس إنذار واضح لم تستوعبه حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي فضلت أن تصم آذانها حتى عن مطالبات اليونان بمساعدتها في إيجاد حل لهذا المخيم / المعتقل.

إثر هذه الفاجعة، اقترحت فرنسا وألمانيا استقبال 400 من اللاجئين القصّر والأطفال غير المصحوبين بأهاليهم. وعلى الرغم من إيجابية هذه الخطوة نسبياً، إلا أنها لا تحل الأزمة الإنسانية المركّبة. فما دامت دول الاتحاد الأوروبي غير قادرة على الاتفاق فيما بينها لتعديل اتفاقية دبلن التي تنص على أن دولة الدخول الأولى هي التي يُناط بها إدارة ملف كل لاجئ، فستبقى دول "المواجهة" المتوسطية، كما اليونان وإيطاليا واسبانيا، في موقف صعب يجعلها غير قادرة على إدارة الملف في ظل استقالة بقية الدول الأعضاء عن مسؤولياتها الأخلاقية والتي لم تنص عليها نصوص قانونية واضحة.

وعلى الرغم من استعداد فرنسا وألمانيا لدراسة تعديل الاتفاقية وتسهيل إجراءات اللجوء أو التسريع في البت فيها على الأقل، إلا أن التردد يسيطر حالياً على سياسات هاتين الدولتين القياديتين في الاتحاد نتيجة اقتراب مواعيد الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا والتي ستجرى بعد سنة من الآن كما اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا التي ستجرى بعد سنتين. وحيث تشكل أحزاب اليمين المتطرف المعادية للأجانب خطراً وجودياً بالسبة للبلدين، فهذا يدفع السياسيين القائمين على الحكم لمراعاة كل ما يمكنه أن يُثير العواطف المتطرفة ويدفعها أكثر فأكثر في أحضان الأحزاب المتطرفة، خصوصاً في ظل الوضع الصحي الصعب المرتبط بوباء الكوفيد19 والذي سبب كارثة اقتصادية عالمية.

من جهة أخرى، تقاوم دول أوروبا الوسطى والشرقية رفع أرقام آية ميزانيات مرتبطة بمعالجة إنسانية لمسألة اللاجئين. وعلى العكس، فهي توافق دون نقاش عل أي إضافة مالية تتعلق بأمن الحدود والسواحل وتعزيز قوة "فرونتكس" المنوط بها أوروبيا منع قوارب اللجوء من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية الجنوبية.

وشمالاً، وفي بحر المانش الذي يفصل بريطانيا الخارجة حديثاً من الاتحاد الأوروبي، عن بقية دول الاتحاد، تتكاثر أعداد القوارب التي تحمل اللاجئين الذين يفضلون الالتحاق بمن سبقهم في المملكة المتحدة على البقاء في أوروبا. ويبدو أن فراغاً قانونياً سيتكون مع دخول الفصل القانوني بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في نهاية العام الحالي حيّز التنفيذ.

على هامش هذا الوضع السلبي المهيمن على المعالجة الأوروبية لملف إنساني بامتياز، يبرز موقف ألماني استثنائي تعبّر عنه المستشارة أنجيلا ميركل. فقد كررت، وبمناسبة مرور خمس سنوات على فتحها الحدود أمام الموجة الكبرى، ورغم الصعود المقلق لليمين المتطرف، ورغم تمايز بعض أعضاء حزبها عن سياساتها، على أنها تفتخر بما قامت به وأنها "ستتخذ نفس القرارات إن واجهت نفس المأساة مرة أخرى (...) فعندما يتجمع الناس أمام الحدود، يجب معاملتهم بإنسانية". وهي تعتبر بأن رهانها قد أصاب وبأن اللاجئين الذين استقبلتهم ألمانيا قد اندمجوا بشكل عام، "ونحن نرى أن الشباب الذي وصلوا حينذاك، قد حصلوا اليوم على البكالوريا وبدؤوا بدروس جامعية. هذا مؤشر نجاح غير قابل للشك". وحسب الدراسات التي أجرتها مؤسسات علمية جادة، فأكثر من 43 في المئة من اللاجئين الذين وصلوا إلى ألمانيا سنة 2015 حصلوا على عمل أو هم يتبعون تدريباً عملياً.

إن على دول الاتحاد الأوروبي، وفي زمن انخفضت فيه أعداد طالبي اللجوء حسب الأرقام الرسمية، أن تستغل فرصة "الهدوء النسبي" لتعزيز سياساتها الإنسانية وإعادة النظر في القوانين الزجرية واعتماد رؤية اقتصادية / اجتماعية / سياسية تتناسب مع التغيرات البنيوية التي أصابت العالم لكي تلائم سياساتها والمبادئ التي ادّعت يوماً بأنها مبادئ تقوم عليها.