سوريون في بلدان اللجوء.. اندماج أم انصهار؟

2022.11.02 | 06:51 دمشق

سوريون في بلدان اللجوء.. اندماج أم انصهار؟
+A
حجم الخط
-A

وسط حديث عن تسهيل إجراءات التجنيس في ألمانيا، أبدت الحكومة عزمها على منح الجنسية لكثير من المهاجرين المقيمين في أراضيها وفي مقدمتهم السوريون، الأمر الذي أوضحته الأرقام بالفعل ذلك أن أعداد السوريين الحاصلين على الجنسية تجاوزت غيرها من الجنسيات الأخرى.

قد يكون ذلك محط تساؤل.. إذ إنه وعلى الرغم من حداثة عهد السوريين في اللجوء والسفر إلى بلدان أوروبا إلا أنهم استطاعوا حجز مكانة جيدة بين الأوساط الاجتماعية، فشرعوا في الاستقرار وقرر معظمهم الانخراط في الحياة بشكل عملي سواء بالدراسة أو العمل أو الاستثمار وفضلوا عدم الاعتماد على المعونة الاجتماعية المقدمة من مؤسسات الدولة، وهذا ينبع من مسؤولية عالية تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه المرء وهي بادرة يقدمها ليثبت للدولة امتنانه لها وجاهزيته للانخراط في العجلة الاقتصادية وحرصه على الانتماء للمحيط.

في خضم ذلك يأخذ حديث الاندماج حيزاً كبيراً اليوم في الدول المضيفة للسوريين، ويصبح حجر عثرة أمام تقبل تلك المجتمعات المهاجرين بشكل عام، على اعتبار أنهم قادمون من ثقافة وبيئة مختلفتين وبسبب عدم وجود قواسم مشتركة بين شعوب المشرق والمغرب.

الحديث بخصوص الاندماج لا يقتصر على رفض المجتمعات المضيفة للاجئين فحسب، فالعنصرية التي واجهها اللاجئون جعلتهم يسيرون وفق نهج مماثل أيضاً يرفضون فيه المجتمعات المضيفة بشكل واضح للغاية، وباتوا يفضلون التقوقع على أنفسهم والعيش في كنتونات سكنية تؤمن خدماتهم، تحاشياً للاصطدام والطرد أو خوفاً من الذوبان ضمن مجتمعات ترفض وجودهم في المطلق وتستكثر عليهم أبسط مقومات الحياة.

تشكل ألمانيا اليوم نموذجاً متفرداً في التعامل مع ملف اللاجئين وذلك منذ فتح أبوابها لهم واحتضانهم وحتى منحهم الجنسية وفقاً لمعايير معينة، كما يبدي السوريون الموجودون هناك سعادتهم ويعبرون عن رضاهم بوجودهم في مجتمع متقبل بنسبة كبيرة وحكومة تطبق الإجراءات والقوانين بشكل عادل وحازم على المواطنين والوافدين على حد سواء.

ليس من المنطق أن تتلون التجمعات الإنسانية بلون واحد أو أن تتطبع بطباع بعضها البعض أو يصبح لها عادات وتقاليد موحدة

عرفت المجتمعات العربية بشكل عام أو المجتمع السوري على وجه الخصوص تعدد القوميات والانتماءات، إذ لطالما ضمت بلادنا عدداً من القوميات حافظوا على خصوصيتهم وفرادتهم من دون أن يشكل ذلك أدنى مشكلة اجتماعية ــــــ إذا لم نتطرق إلى المشكلات السياسية التي كان الجميع يعاني منها بالدرجة نفسها ــ.

ليس من المنطق أن تتلون التجمعات الإنسانية بلون واحد أو أن تتطبع بطباع بعضها البعض أو يصبح لها عادات وتقاليد موحدة وتحتفل بأعياد موحدة أو حتى تتكلم لغة واحدة؟؟ لأنه في حال حصول ذلك بشكل قسري فإنه لا يمكن إلا أن يشكل حالة إلغاء ثقافي لكيان الطرف الآخر ومحاولة لمحو وجوده وإرثه الثقافي وتراثه الحضاري وخصوصيته، فالاندماج المنشود يسعى لأن يكون تذويباً للآخر وتغيير ملامح هوية اللاجئ أكثر مما يعني التعايش وتقبل الآخر، الأمر الذي يجب أن يشكل مسؤوليات مشتركة على أطراف الدائرة الاجتماعية جميعهم.

تبدو ملامح الإلغاء الثقافي الذي يستهدف الهوية واضحاً مع اتساع رقعة السلوكيات العنصرية التي يتعامل فيها أفراد المجتمعات المستضيفة مع المهاجرين، واعتبارهم أقل شأناً وأدنى مرتبة مع غياب تطبيق القواعد القانونية بشكل عادل وصارم على الطرفين بنفس الطريقة والاكتفاء بترهيب المهاجرين من نتائج اللا اندماج. 

قد يبدو ذلك عذراً مقبولاً إذن لكل مجتمع مهاجر يرفض الذوبان في المجتمع المضيف لأنه لم يضع في حسبانه عوامل الحت والتعرية التي ستنال من هويته، ولم يتخيل أن يضطر لإذابة كيانه ومحو وجوده ليصبح مجرد رقم في الإحصاء السكاني للمجتمع المستضيف، كما يظهر سوء الإجراءات في فرض قواعد الاندماج، فلو أن تلك المجتمعات تعاملت مع الأمر بطريقة الاحتواء لا الاحتلال الثقافي لربما تكون النتيجة أفضل بتقبل وتعايش اللاجئين أو المهاجرين مع ثقافة وحضارة المجتمعات المستضيفة.

من وجهة نظر قانونية لا يمكن أن يفرَّق اللاجئ عن المواطن إلا بالحقوق السياسية، وبالتالي لا يكون له حق التصويت أو الانتخاب أو ما شابه، أما فيما يخص الحقوق الإنسانية فهي واحدة سواء لكل من يتمتع بصفة إنسانية ولا يجوز التعامل معهم على أنهم درجة ثانية كونهم فارين من جحيم بلدانهم، والفيصل في تطبيق ذلك هو القانون فقط بحزم وشدة على كل من يخالف قوانين البلاد مواطناً كان أو مهاجراً، ولو وجد المهاجرون تلك العدالة ربما لما شعروا بأنهم عديمو القيمة ويحتاجون إلى كل ذلك الكم من التحفظ لحماية هويتهم إذ لا يولّد التطرف إلا التطرف والعنف هو الابن الشرعي للعنصرية أيضاً، وليس في ذلك محاولة تبرير لكن النفس البشرية قد يخرج منها ما لا تتوقع وجوده حين تتعرض لعوامل ضغط مستمرة.

الاندماج بين المجتمعات أمر ضروري وحتمي ربما لكنه قد لا يحقق التماسك المطلوب في حال جعلت السلطات اللاجئ يشعر بأنه مضطر إليه حفاظاً على أمنه

يبدو من قراءة تاريخ اللجوء أن فعل الاندماج هو فعل مقدّم من طرف واحد لتحصيل قبول من الطرف الآخر المهيمن صاحب السلطة والفضل وصاحب القرار الأخير في قبول هذا العرض أو رفضه، بينما تحتم الحياة الاجتماعية على الإنسان أن يكون كائناً انفعالياً لا منفعلاً فحسب ضمن ثنائية الأخذ والعطاء، أما إذا كانت العلاقة بين المجتمع المضيف والمستضاف قائمة على المنح من طرف واحد فنحن نقوّض بذلك أهم دعامة لتكوين مجتمع سليم متماسك لا أفضلية فيه بين المواطن والوافد إلا بالحقوق السياسية.

خلاصة القول إن الاندماج بين المجتمعات أمر ضروري وحتمي ربما لكنه قد لا يحقق التماسك المطلوب في حال جعلت السلطات اللاجئ يشعر بأنه مضطر إليه حفاظاً على أمنه، من دون أن تطلب من المضيفين تقديم واجب مقابل، أو من دون إشعار اللاجئ أنه مرحب به ضمن مجتمعه الجديد، وإلا فسيؤدي ذلك إلى خلق مجتمع مهاجر داخل المجتمع الكبير لكنه متحفظ ومنغلق على نفسه يتلقى إشارات سلبية من شركائه في المجتمع تقف عائقاً بينه وبين الشعور بالانتماء وسيؤدي ذلك مع الوقت إلى نتائج لا تحمد عقباها.