سوريو الأسد يحلون مشكلاتهم بالقنابل

2021.10.04 | 06:01 دمشق

655453.jpg
+A
حجم الخط
-A

كان موظفو اليونيسيف حسني النية في أثناء جمعهم عدداً من الأطفال المجندين في الحرب الأهلية بسيراليون. ولم يتوقعوا مع أي نوع من التوحش يتعاملون.

ينقل إشمائيل (إسماعيل) بيه، أحد هؤلاء الأطفال وصاحب مذكرات «الطريق الطويل» التي تروي تجربتهم، وقائع اليوم الأول في مركز الرعاية. بعد أن انتزعته لجنة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة unicef، بشارتها الزرقاء، من موقعه على الجبهة، واقتادته إلى هذا المكان الممل، ذات يوم من أواخر كانون الثاني 1996، بعد قرابة خمس سنوات على بداية الحرب الأهلية، وأكثر من عامين على انخراطه فيها، منذ أن كان في الثالثة عشرة، مقاتلاً في صفوف «الجيش»!

يقول الكاتب الشاب: «أصبح بيتي هو القرى التي استولينا عليها... كانت فرقتي هي عائلتي، وبندقيتي هي مصدر غذائي وحمايتي، والقاعدة التي أومن بها أن أقتُل أو أُقتَل... أصبح القتل نشاطاً يومياً. لم أكن أشعر بالشفقة على أحد. انتهت طفولتي دون أن أدرك، وبدا كأن قلبي قد تجمد». ولهذا لم يعانِ اليافعون فقط من أعراض انسحاب المخدرات التي كانوا يتعاطونها، بعدما وصلوا إلى مركز الرعاية المسوّر، بل أيضاً من افتقاد السلاح الذي قاموا بتسليمه فجأة كما يقول: «كنت قد بدأت أشعر بالغضب والقلق. لم أكن قد افترقت عن بندقيتي منذ اليوم الذي أصبحت فيه جندياً».

لكنه كان قد غافل التفتيش، محتفظاً بقنبلة يدوية سيشهرها فور الوصول تقريباً، حين أوشكت المجموعة التي كان فيها على الاصطدام مع ثلة أخرى من اليافعين، قبل أن ينحسر التوتر بين الطرفين المنتسبين إلى الضفة نفسها من الحرب في ظل علم القوات الحكومية. وينشب نزاع، عقب ذلك فوراً، بعد التعرّف إلى مجموعة ثالثة فاخرت بانتمائها إلى معسكر المتمردين الذين تمثلهم الجبهة الثورية المتحدة RUF.

في المقر الجديد سيكون من الصعب على الفتيان، المراد إعادة دمجهم في الحياة الطبيعية، أن يتلقوا الأوامر من مدنيين لممارسة أيام خالية من الإثارة

أشهر يافعون آخرون حراباً كانوا قد أخفوها عن التفتيش كذلك، قبل أن يتدخل حارسان ممن لم يعرفوا الحرب فيخسرا بندقيتيهما اللامعتين الجديدتين بعد أن انتزع كل من طرفي الشجار إحداهما. وبعد عشرين دقيقة كان الأطفال/ الشبان قد قتلوا ستة منهم وأصابوا كثيرين. وجاءت عربات الإسعاف العسكرية لتنقل الجرحى والموتى، في حين حملت عربات نقل الجنود مجموعة اليافعين الذي كانوا تابعين للجيش إلى مركز تأهيل آخر، بعد التأكد من تفتيشهم بشكل دقيق. «كانت دماء ضحايانا وأعدائنا لا تزال طازجة على أذرعنا وملابسنا».

في المقر الجديد سيكون من الصعب على الفتيان، المراد إعادة دمجهم في الحياة الطبيعية، أن يتلقوا الأوامر من مدنيين لممارسة أيام خالية من الإثارة. فأثاروا الاضطرابات في كل مناسبة: «كنا تعساء لأننا نريد بنادقنا ومخدراتنا». وحين كان المشرفون يحدثونهم عن أهمية حضور الفحص الطبي المقرر، أو جلسات الاستشارة في مركز العلاج النفسي؛ كانت ردات فعل الوحوش الصغار عدوانية: «في الصباح كنا نضرب الناس من أهالي المنطقة [حتى] توقف الجيران عن السير بالقرب من المركز، بعد أن تسببنا في إرسال عدد منهم إلى المستشفى. وازداد تجنب أعضاء لجنة الإشراف لنا كل يوم. فبدأنا نتعارك مع بعضنا ليلاً ونهاراً. كنا نتعارك ساعات بين الوجبات، بدون أي سبب على الإطلاق».

لا ينطبق هذا حرفياً على العدد المتزايد من مفجري القنابل في الساحل السوري، وسواه، لـ«حل» مشكلات عائلية، مؤخراً. لكن النظر إلى هذه الحوادث بوصفها، جزئياً، من الأعراض الجانبية لتخامد الحرب أمر جدير بالتأمل. وإذا كان الكثير قد قيل حول فوضى السلاح بعد رفع منسوب عسكرة حاضنة النظام والمجتمع بأسره، فإن القليل لم يُقل عن انقلاب العدوانية إلى الذات حين يحول أمر بينها وبين هدفها الرئيسي، الخصم، أو الآخر تالياً.

وفي هذا ينفع التأمل في نوع السلاح المستخدم، أي القنبلة. وهي، في حالات الالتحام، سلاح كفيل بالقضاء على مستخدمه وعدوه معاً. وهو ما بدا في الحادثة الأشهر التي حصلت على باب «قصر العدل» في طرطوس قبل ثلاثة أسابيع، عندما أقدم صهر سابق على تفجير قنبلة بشقيق طليقته، وبنفسه، وبشقيقها الآخر، وبعدة متدخلين وعابرين. وهنا من المفيد أن نعرف أن القاتل عضو ميليشيا موالية رديفة. كما أن عدداً من «أبطال» القصص الأخرى عسكريون، وأحياناً ضباط.

لا يستطيع الأسد أن يرفع مستويات العدوانية والتسلح لاستخدامها في خدمة عرشه الخرب ثم يُبطل مفعولها بكبسة زر

كما تجدر الإشارة إلى أنه في الحالات القليلة التي لم تستعمل فيها القنبلة في حوادث الشهر الماضي، كان البديل هو البندقية للإطلاق على الخصوم ثم الانتحار، مما يؤدي وظيفة القنبلة في الحساب الأخير، حين تُقتل الذات الفردية بالتزامن مع قتل الخصم الذي كان، في معظم الحالات، ذاتاً جمعية شديدة الالتصاق، أخاً أو زوجة أو حبيبة سابقة.

باختصار، لا يستطيع الأسد أن يرفع مستويات العدوانية والتسلح لاستخدامها في خدمة عرشه الخرب ثم يُبطل مفعولها بكبسة زر. فمن أُفعم بثقافة «الدعس» ووهم القوة وتقديس البوط خلال عشر سنوات، إن لم نتحدث عن قبلها، قد توحش إلى الدرجة الكافية لاستعمال هذه الوسائل لمعالجة خلافاته مع المحيط بعد أن هدأت معركته مع الأعداء.

فإن أضيفت إلى ذلك ضغوط معيشية خانقة، بالتفاوت الضخم بين الدخل والمصروفات الضرورية، وبتردي سوية الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه والصحة والنقل؛ صارت «الأسود» قنابل متحركة لا حاملي قنابل فقط. والضواري المضطربة أبعد ما تكون عن تشكيل مجتمع متجانس، أو أي مجتمع!

كلمات مفتاحية