سوريا ومنظمات المجتمع المدني (1)

2020.07.09 | 00:05 دمشق

asma_alasd.jpg
+A
حجم الخط
-A

الجزء الأول: المجتمع المدني في ظل الأسد

يحمل المجتمع المدني في سوريا تاريخاً طويلاً من العطاء والفتور، من الإنجاز أو التراجع، الحرية أو القيد، فالفكرة العامة أنه وُجد من آلام الشعب وهمومه، ليخفف منها، ويساهم في الحلول الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والنفسية والتنموية، هذا المجتمع تشكل عبر التاريخ، فصنع جزءاً لا يتجزأ منه على طريق وحدة سوريا واستقلالها، وهو الذي عاصر حكاماً مختلفين، وعايش عهوداَ مختلفة، تنوعت فيها وسائل الحكام في التعامل مع الشعب، فأثّر وتأثّر، ولكنه بات في حدود عطائه الأدنى تحت حكم الأسد الأب والابن،  وهو الذي أرغم على أساليبه السلطوية في الحكم، واستنزاف الشعب، وتحويل المساعدات إلى إنجازات تمجد الحاكم وتدعو باسمه وتروج له، فيما كان الشعب مغيباً كل التغييب عن دوره في التعامل معه، كما كان مفتقراً إلى تمييز دوره ووظيفته وكيف بالإمكان أن يسهم من خلاله في تقديم خدمة للمجتمع، وكيف بإمكانه أيضاً أن يدفعه ليقدم ما يحتاجه فعلاً لا ما يُملى عليه.

عاش المجتمع المدني جمعيات ومؤسسات قبل حكم الأسد عصور فاعلية وازدهار، تمكن الناس من خلاله من خدمة مجتمعهم، وتلبية جزء كبير من احتياجاته، بجهود شعبية حرة، فكان جزءاً لا يتجزأ من جهودها منصباً على مقاومة الاحتلال الفرنسي، وترسيخ الهوية، وتعميق الأصر والروابط المجتمعية ونشر الثقافة وتوعية الناس سياسياً واجتماعياً، وقد قامت فرنسا بإغلاق كثير من الجمعيات حينها لهذا السبب، الأمر ذاته الذي فعله عبد الناصر، فكان الإغلاق وسحب التراخيص لجمعيات وصحف ومجلات أحد كوارث المجتمع المدني، بهدف إخضاعه لسياسات الدولة، وأما الانتكاسة الأكبر التي عانى منها المجتمع المدني فهو بعد الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد، والذي تولى بعده حكم سوريا ليطبعها بطابع الحزب الواحد، والفكر الواحد، وليحولها لأداة فقط تعمل بفكره، وتروّج له، وقلما كان بإمكانها الانفكاك عن سطوته والاستقلال في الفكرة والتطبيق لأن ذلك سيُعتبر انتهاكاً لسيادة الدولة، يوجب العقوبة والإغلاق.

لقد كانت التشديدات الأمنية في حكم الأسد على جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني كبيرة، فالحصار هنا على دور الإنسان في المشاركة الحرة الكريمة لبناء مجتمعه

لقد كانت التشديدات الأمنية في حكم الأسد على جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني كبيرة، فالحصار هنا على دور الإنسان في المشاركة الحرة الكريمة لبناء مجتمعه، والقيد مفروض على الإنسانية العميقة التي تحفز الناس على التحسين من أوضاع مجتمعاتهم وتطويرها للأفضل، وهو انتهاك حقيقي للحرية والكرامة ورغبة الإنسان الفطرية بعمل الخير ومساعدة الآخرين، أضف إلى ذلك نشوء جمعيات ومنظمات تحت تصنيف "المجتمع المدني" أو "المنظمات الأهلية" مهمتها الأولى تلميع صورة النظام وتصدير الصورة البراقة للإعلام الخارجي، وهي التي برزت بشكل أكبر في عهد بشار الأسد، وزوجته أسماء الأخرس التي انضمت للأمانة السورية للتنمية، وعملت على السيطرة على مشاريع التنمية والمرأة والإغاثة ظناً منها أنها ستكسب التأييد الشعبي والعالمي، غير أن بريق العمل الخيري الذي كانت تعتمد عليه قبل الثورة بدا بوجهه الحقيقي بعد الثورة، فقد كشفت ما كان خافياً من فساد واحتيال، وصراعات للمسؤولين على أعلى مستوى لاحتكار كل موارد البلاد، واستنزاف ما تبقى من المال والشباب والأفكار لمصالحهم الشخصية.

لقد استطاع النظام بحزبه الواحد الحاكم، وفساده المتفشي والمتذرع بأدوات البطش والتخويف والملاحقات الأمنية أن يسلب منظمات المجتمع المدني روحها الفاعلة، فبات معظم العمل الخيري محدوداً لجهات وأشخاص تابعين له، ولم تسلم من ذلك المنظمات الأهلية والوقفية، والتي بدلاً من أن تُحفظ لها استقلاليتها الشعبية والمادية، فتكون مساهمة بشكل حقيقي في سد جزء من احتياجات المجتمع، وبدلاً من الاستفادة من استقلاليتها لتشكيل مجتمع حر واعٍ، تحولت إلى وزارة تابعة للحكومة تضع يدها على كل شيء لتستنزفه، وتنسبه إلى عائلة الأسد، حتى المساجد ومعاهد القرآن الكريم والمشافي الخيرية نُسبت لآل الأسد ليُفقد الأمل بقدرة العمل المجتمعي على التحرك خطوة واحدة إلى الأمام، أضف إلى ذلك كل ما تشكل من نقابات وجمعيات واتحادات كان من المفترض أن تكون تابعة للمجتمع المدني، تحولت بشكل سافر لتحمل شعار حزب البعث وسياساته وأفكاره، الأمر الذي جعل المواطن السوري العادي غير قادر على التمييز بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، فكلها تابعة للبعث ونظامه، وكلها أدوات لتحقيق مطامعه ورغباته.

لقد نجح النظام في صناعة القيد، وتطويق كل سبل التفاعل والمشاركة المجتمعية جاعلاً إياها تحت قبضته، كما نجح في التقاط الصور للناس وهم يهتفون له ولحياة الرئيس مؤيدين، ليصدرها للخارج صورة مشرقة، غير أن أوان الإقناع قد فات، وبات العالم كله يدرك أنها مجرد محاولات للتستر على جرائمه بحق الشعب، وهو في ذلك كله خسر ما يدعيه من حب الشعب، فحتى المحسوبون عليه باتوا يصبون اللعنات والنقمة والغضب، وينتظرون يوم سقوطه وزواله، وهذا أهم وأكبر خسارة يمكن أن تلحق بحاكم ونظامه.

وللحديث بقية.

كلمات مفتاحية