سوريا ولبنان.. وحدة المسار والمصير

2021.11.04 | 06:02 دمشق

0111.jpg
+A
حجم الخط
-A

على وقع تسارع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، بدأت نتائج التنسيق الروسي الإسرائيلي تظهر إلى العلن. تنسيق ستكون له انعكاسات على دول المنطقة ككل وليس على سوريا فقط أو على المنطقة الجنوبية فيها. الأيام الماضية شهدت تطوراً عسكرياً غير مسبوق في سوريا من خلال تنفيذ غارات إسرائيلية ضد قافلة أسلحة إيرانية في وضح النهار. سابقاً كان يتم تنفيذ الغارات ليلاً. وهذا بحدّ ذاته تطور لم يكن بالإمكان تحققه من دون غطاء روسي واضح المعالم. لا يمكن فصل تطورات الساحة السورية عن الساحة اللبنانية ولا عن الصراع في اليمن. جميع هذه الملفات ترتبط في سلة مفاوضات واحدة، طابقها الأول هو التفاوض الإيراني الأميركي، وطابقها الثاني هو التفاوض السعودي الإيراني وانعكاسهما على الوقائع في المنطقة.

لا يمكن فصل تطورات الساحة السورية عن الساحة اللبنانية ولا عن الصراع في اليمن. جميع هذه الملفات ترتبط في سلة مفاوضات واحدة

لن تكون روسيا غائبة عن كل هذه المعادلات، ستكون حاضرة وبموافقة وتسليم أميركي في أي مسار تفاوضي جديد. التنسيق قائم بين موسكو وواشنطن، وموسكو وطهران، موسكو وتل أبيب، وموسكو ودول الخليج العربي. تلعب روسيا دوراً أساسياً في الجنوب السوري، على وقع إحياء إيران وحزب الله والنظام السوري لمبدأ تلازم المسارات بين لبنان وسوريا، أي العودة إلى قاعدة وحدة المسار والمصير، وخصوصاً بما يتعلق بترسيم الحدود الجنوبية البحرية والبرية في لبنان، بظل إعادة تموضع القوى العسكرية في الجنوب السوري بما يتلاءم مع توفير أمن إسرائيل. تتقدم موسكو الصفوف في هذه المساعي مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية التي تتمسك بإنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية في لبنان سريعاً.

لن تكون روسيا غائبة عن كل هذه المعادلات، ستكون حاضرة وبموافقة وتسليم أميركي في أي مسار تفاوضي جديد

على وقع التطورات السورية، دخل لبنان في مدار سياسي جديد له أبعاده الأمنية والاستراتيجية. في ظل تجديد مفاوضات ترسيم الحدود، برزت الأزمة الدبلوماسية بين لبنان ودول الخليج، وقبلها كان التوتر الأمني على الأرض بين حزب الله والقوات اللبناني والذي أدى إلى اشتباكات أوقعت ضحايا، على خلفية التحقيق بتفجير مرفأ بيروت. هنا برز موقف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبر أن شحنة المتفجرات التي انفجرت في بيروت تعود إلى عصابات ومافيات هدفها الكسب المادي. أراد بوتين التغطية على امتلاك النظام السوري لهذه الشحنة، وأشار إلى استعداد موسكو لتزويد بيروت بصور الأقمار الصناعية، موقف أراد من خلاله بوتين سحب فتيل التوتر من بوابة التحقيق في تفجير المرفأ، تمهيداً لدور أوسع قد تلعبه موسكو مستقبلاً في لبنان، وفق ملفين أساسيين، ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية مع سوريا، والمساعدة لإيجاد مخرج لأزمة مزارع شبعا. 

 لا ينفصل ذلك عن التنسيق الروسي الإسرائيلي في سبيل ترتيب المنطقة الجنوبي في سوريا. وهذا يؤشر إلى تحولات عديدة ستشهدها الساحة السورية، وهي تبقى بانتظار الاتفاق الأوسع مع الأميركيين، ولا شك أن واشنطن تبدي اهتماماً استثنائياً بالوضع في الجنوب السوري لما يتعلق بخطوط الغاز وشبكة الكهرباء. ستتزايد الضغوط الإسرائيلية لوضع مجموعة نقاط جديدة ترتبط بسوريا ولبنان معاً، وفق مشهد يشير إلى بداية تغييرات في المعادلة السياسية الإقليمية والدولية في سوريا. لا تبدو إيران مرتاحة لهذا المسار، لأن كل الاتفاقات ستكون وفق قاعدة سوريّة، إسرائيلية، روسية، أميركية. وفي هذا الإطار يأتي الانتشار الروسي في مناطق الجنوب السوري وتحديداً في محافظة درعا من خلال رفع الأعلام الروسية فوق مواقع كانت تسيطر عليها قوات إيرانية وقوات الفرقة الرابعة التي قامت بعمليات إعادة تموضع. كل ما يجري يندرج في سياق زيادة الضغط على إيران.

ستتزايد الضغوط الإسرائيلية لوضع مجموعة نقاط جديدة ترتبط بسوريا ولبنان معاً، وفق مشهد يشير إلى بداية تغييرات في المعادلة السياسية الإقليمية والدولية في سوريا

 ضغوط تستثمر دولياً على أبواب إعادة تجديد المفاوضات الإيرانية الأميركية، فيما تؤدي الضغوط إلى سحب مزيد من الأوراق من يد طهران وإجبارها على تقديم تنازلات، لا سيما في ظل تلاعبها على حافة الهاوية في مفاوضات الاتفاق النووي، والمواقف التصعيدية بأنها لن ترضى بالعودة إلى المفاوضات إلا إلى النقطة التي انسحبت منها واشنطن من الاتفاق، ذلك غير متوافر أميركياً ولا مجال لإدارة بايدن القبول به. ثمة قناعة بأن طهران ستعود لاحقاً إلى المفاوضات بسقف منخفض، وهذه المرة لا مجال لتحييد الملف النووي عن النفوذ في المنطقة، جميعها ستكون حاضرة على الطاولة، وهنا لا بد من التذكر دوماً بالانسحاب الخليجي من لبنان مع ما سيكون له من وقائع تفرض نفسها، فتصبح الدول الخاضعة لسيطرة إيران دولاً فاشلة بحال استمر النفوذ الإيراني فيها، ويتفاقم الانهيار ويرتفع منسوب الأزمات، أما الطريق إلى الالتفاف على هذه النتائج يكمن في استعادة التوازن السياسي الذي سيجنب جعل سوريا ولبنان دولاً فاشلة لفترة طويلة.