سوريا وترسيخ الفشل.. لاحاجة لقانون قيصر!

2020.06.10 | 00:00 دمشق

doc-p-650070-637107835218456962.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ توليه السلطة عمد بشار الأسد للتحرك بما يتناسب مع عقلية وسلوك شاب درس في الغرب -كما كنّا نسمع ولم نر شيئًا من ذلك- ومضى للاستعانة بترسيخ ذلك على استعراض ودمج البلد في مشروع إصلاحي كبير يستمد معاييره مما هو متداول في برامج التنمية حول العالم، ذلك وفق السلم الذي إذا ما أرادت دولة ما أن تصعد بنفسها وشعبها حول العالم أن تصعد درجاته.

فمما جاء بجعبة بشار الأسد منذ وصوله للسلطة صيف عام 2000 مصطلحات فضفاضة جدًا ولا تتناسب بنيويًا مع تفاصيل وأسس قامت عليها الدولة السورية منذ نيسان 1962 وما تلاه، فكان طرحه لحملة " الحرب على الفساد"، ومن بعدها الإصلاح الإداري والإصلاح القضائي والشراكة مع الاتحاد الأوروبي إلخ، وهنا سنقف قليلا عند مطالب الشراكة هذه التي كانت من جملتها مستوى الديمقراطية والأداء الحكومي والمشاركة السياسية والتعددية، والتي لم يتوافر حينها في سوريا من هذه المعايير شيء، فما كان نصيبنا سوى أننا سمعنا شفهيًا صوت تلك المصطلحات ولم يكن لنا نصيب من ذلك كله ولو حسب الدارج في المثل السوري "من هالدبس مصة إصبع".

دخلت البلد بعد ذلك مرحلة ركود يدعوها كثر "أمن وأمان"، فلم تفلح لأسباب كثيرة منذ 2007 وما تلاها مساعي أردوغان وساركوزي بإنعاش عملية السلام التي كان يُؤمل منها إنعاش سوريا اقتصاديًا وإدخالها في عصر نهوض يناسب إمكانياتها، لنصل أو بالأحرى لتصل البلد إلى ما ليس بحسبانها وإلى ما لم يتوافر لها لاستقباله والتفاعل معه، ألا وهي الثورة، التي لم تكن بحسبان أهم مراكز البحث التي كان النظام يعتمد عليها لاستشراف أثر سياساته المرعية الإجراء مع شعبه ولإدارة البلد وفقها، مناسبة الحديث عن هذه المؤشرات والمعايير اليوم هو اطلاعي على تقرير هو من الأكاديمية والحرفية والعلمية والدقة والعالمية بمكان، التقرير السنوي الذي تصدره صحيفة الإيكونوميست العالمية الغنية عن التعريف المعنون (مؤشر الديمقراطية، Democracy Index)، وتعتمد في تقريرها هذا على تطبيق خمسة معايير رئيسة لاستشراف حال الديمقراطية في دول العالم المستقلة التي بلغت هذا العام 167 دولة ومقاطعتين.

يأتي على رأس هذه المعايير العملية الانتخابية والتعددية السياسية، يليها الأداء الحكومي والمشاركة السياسية والثقافة السياسية والحرّيات المدنية مبوبًا كل تلك البلدان المصنفة تحت نوع النظام السياسي الحاكم والتي اعتمد التقرير فيها تصنيفًا من أربعة مستويات يعلوها دول الديمقراطيات الراسخة، وبعدها الديمقراطيات المعيبة المشوبة أو التي تحتاج إصلاح، والنظم الديمقراطية الهجينة، وآخرها النظم الاستبدادية والتي تقع سوريا في آخرها بجدارة حسب المؤشر.

يعطي المؤشر درجات على سلم من واحد إلى عشرة، يبدأ التقييم من الأعلى بدرجة عشرة ويستمر نزولًا، ولنا بمقارنة حال سوريا مثلا بين عامي 2007 و 2018 أن نقرأ الكثير ولكن بشرط أن نضع عنوانًا لهذه القراءة وهو "الفشل الراسخ"، ففي 2007 أيام الاستقرار السياسي المفترض والتطور الذي تعتزم البلد نهجه والانفتاح إليه احتلت سوريا المرتبة 153/167 بمعدل عام 2.36/10 مع درجة الصفر في معيار العملية الانتخابية والتعددية السياسية، لتسجل أعلى درجة في معيار الثقافة السياسية، متزعمة ذيل القائمة بتفوقها على دول من مثل إريتريا وغينيا وميانمار وتشاد وكوريا الشمالية، وبالقفز للمؤشر الصادر مؤخرًا ليقول تفاصيل فاجعة ولكن ليس بالكثير عن تلك عام 2007، وتحتل سوريا المرتبة 166/167 هذا العام متزعمة بجدارة ذيل التقرير مرتين تسبقها بالفشل فقط كوريا الشمالية، مرة بحلولها في المرتبة قبل الأخيرة على المستوى الإقليمي للتصنيف بين دول الشرق الأوسط والأخرى لحلولها في المركز ما قبل الأخير في التصنيف العالمي، بواقع ثلاثة أصفار في معايير العملية الانتخابية والتعددية السياسية، والأداء الحكومي والحرّيات المدنية.

وللختام تدعونا المفارقة والحصافة لاختبار حرفية التقرير ومصداقيته والتزامه بالمعايير العالمية لهذا النوع من التقارير، فنأخذ مثالا تصنيف الجارة إسرائيل في باب النظم السياسية المعيبة أو التي يحتاج تطبيقها للديمقراطية إلى الإصلاح، كما ولا يغيب عنّا ارتقاء الجارة من المرتبة 47 عام 2007 إلى المرتبة 30 هذا العام بتقدم 17 مركزا، محرزة التقدم الأبرز في مؤشر العملية الانتخابية والتعددية السياسية ومؤشر المشاركة السياسية، ولم تتقدم بشكل ملحوظ مثلا في مؤشر الحرّيات المدنية، هذه الجارة التي كنا نعدها يومًا وهمًا وليس لها وزن واعتبار في لحظة مشرئبة من الزمن العربي الحديث.

يقول التقرير أشياء كثيرة، كلها تدعو للحزن والمرارة على حال بلدنا سوريا، التي زارها مرة مهاتير محمد في خمسينيات القرن الماضي وقال : "أتمنى أن تكون يومًا كوالامبور مثل دمشق اليوم". هذا البلد الذي لم تؤخره الحرب كثيرًا عن السباق نحو المزيد من الفشل، والواضح أن الحرب والمؤامرة الكونية على السيد الرئيس لم تكن ذات أثر، فالفشل قبل ذلك يدقُ أطنابه في بلدنا ولا حاجة لنا بحرب لنفشل أكثر، ولن يكون قانون قيصر الذي يسوق موظفو النظام في واشنطن أنه سيهلك الشعب من الفقر والحاجة وكأنّهم لم يقرؤوا نتائج مؤشر World By Map العالمي، الذي صنّف سوريا الأفقر عالميًا بنسبة %82.5 حيث سبقت دولة الممانعة- التي أعلنت إحدى سيّداتها أمس نهج الصمود في مواجهة عقوبات قانون قيصر- مدغشقر وزيمبابوي!! تلك الدول التي ليس بينها وبين سوريا أي مشترك حضاري في التاريخ الحديث.  وأن العقوبات ستقضي على اقتصاد سوريا التي فقدت ليرتها 90% من قيمتها منذ 2015 ،  ولو استخدمنا طريقة حساب سعر الليرة بالنسبة للدولار بشكل صحيح، لظهر أنه ذو أثرٍ بتخلف البلد وفقرها وفشلها الراسخ، أكثر مما فعل النظام عبر تاريخه في حكم البلد.

وفي كل مرة أشرع فيها بمقايسة ومقاربة تقرير عالمي لتصنيف أسأل نفسي بدمعٍ لا يتأخر، ما ردده يومًا شاعر العربية الكبير عمر أبو ريشة:

                       أمَّتـي هلْ َلكِ بـيـنَ الأُمَمِ    مِـنــبـرٌ للسيـفِ أو لـلـقـلَـمِ؟