سوريا لا خبز ولا حرية

2021.03.15 | 05:39 دمشق

syria-2020.jpg
+A
حجم الخط
-A

في عام 2003 كتب الصحفي البريطاني آلان جورج كتابه "سوريا: لا خبز ولا حرية" يوثق في تجربة ربيع دمشق التي بدأت مع وصول بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، خلاصة الكتاب أن نظام الأسد يريد إسكات السوريين لأن لديه مشروعا إصلاحيا يتعلق بإطعام السوريين وتحسين وضعهم الاقتصادي، لكن مع انتشار قصص فساد رامي مخلوف تبين واضحا أن الأسد في الحقيقة لا يمنح السوريين الخبز بعد أن سلبهم الحرية.

لا تنطبق هذه المقولة على الأسد كما تنطبق اليوم، حيث يستمر تدهور الاقتصاد السوري بشدة وسط الحرب المستمرة التي بدأت في عام 2011، وتراجع بأكثر من 80٪ من 2010 إلى 2021.

لا تقدم الحكومة السورية أي أرقام للأزمة الاقتصادية فهي تعتبر أن هذه الأرقام هي جزء من الأمن القومي

يلقي النظام السوري دائما باللوم على العقوبات الدولية في السقوط الحر لليرة السورية والافتقار إلى الخدمات الأساسية، لكن يتعمد أن يتناسى التدمير الممنهج الواسع النطاق للبنية التحتية عبر البراميل المتفجرة على مدى السنوات العشر الماضية، لقد تراجع الاستهلاك والإنتاج الداخليان، وانخفض الدعم عن السلع الأساسية، وارتفع التضخم، وتبخرت ​​احتياطيات النقد الأجنبي، وانخفضت قيمة الليرة السورية بشكل كارثي، وانخفضت القوة الشرائية للأسر ليست المتوسطة فحسب وإنما تلك الغنية.

لا تقدم الحكومة السورية أي أرقام للأزمة الاقتصادية فهي تعتبر أن هذه الأرقام هي جزء من الأمن القومي، وتعتقل كل من يتحدث عن غلاء الأسعار أو ينتقد طريقة إدارة الحرب مما قاد البلد إلى ماهي عليه اليوم، يعتبر البنك المركزي السوري (CBS) ثاني أقدم بنك في المنطقة بعد البنك المركزي المصري الذي تأسس عام 1863. أسس رئيس الوزراء السوري الأسبق خالد العظم البنك عام 1953 وبدأ عملياته عام 1956.

صدر التشريع الأساسي لإنشاء البنك المركزي والسيطرة على النظام المصرفي في عام 1953، لكن البنك المركزي لم يبدأ عملياته حتى عام 1956، وشملت وظائفه إصدار الأوراق النقدية، والسيطرة على المعروض النقدي، والعمل كوكيل مالي للحكومة، والرقابة على البنوك الائتمانية والتجارية.

كانت فكرة إنشاء البنك هي إبعاد النظام المالي السوري عن الفرنك الفرنسي (كانت فرنسا القوة الاستعمارية في سوريا حتى الاستقلال عام 1946). ثم كان دور البنك منذ البداية هو اتباع سياسة الاستقلال النقدي. وحتى يومنا هذا في عام 2020، لا تزال سياسة البنك كما هو مذكور في الموقع الإلكتروني للبنك هي الحفاظ على "الاستقرار النقدي والمالي، وبالتالي المساهمة في تحقيق أهداف سياسة الاقتصاد الكلي" وأيضا تركيز البنك على بناء سياسة نقدية فعالة للحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة السورية وانخفاض معدل التضخم وثباته".

لم يذكر البنك المركزي السوري قط النمو الاقتصادي أو معدل البطالة، على الرغم من أن هذه المهمة تعتبر واحدة من المهام الرئيسية لأي بنك مركزي في جميع أنحاء العالم. ببساطة فشل المصرف المركزي السوري فشلاً ذريعاً في تحقيق هدفه في ضمان استقرار الاقتصاد السوري واستقرار الليرة السورية.

أدى السقوط الحر لليرة السورية إلى انخفاض حاد في القوة الشرائية للمواطنين السوريين، مما زاد من معاناة من يفتقرون إلى خدمات الدولة الأساسية مثل مياه الشرب والكهرباء والغاز والطاقة في هذا الشتاء القاسي.

لقد تبنى البنك المركزي سعرا مرنا قريبا من سعر الدولار في السوق السوداء لجذب العملات الأجنبية القادمة إلى البلاد من المغتربين السوريين (أكثر من 8 ملايين مغترب)، وسياسة البنك المركزي كانت تقوم على الاحتفاظ بالعملة الأجنبية للحفاظ على رصيد الليرة السورية وقد فشل في تحقيق ذلك.

وانهار الاحتياطي من 16 إلى 8 مليار دولار في 2011 إلى مستوى دفع الحكومة للتوقف عن دعم سعر الليرة. وعلى العكس من ذلك، أصدر النظام السوري مرسوما تشريعيا "يحظر استخدام أي شيء آخر غير الليرة السورية كوسيلة للدفع لأي نوع من المعاملات التجارية". وتعديل قانون العقوبات "ينص على تشديد عقوبة بث أو نشر حقائق ملفقة أو ادعاءات كاذبة تتسبب في انخفاض قيمة العملة الوطنية وعدم استقرارها".

انهار نظام الإيرادات الضريبية بالكامل ولم يكن قوياً من قبل. علاوة على ذلك، لم تعد عائدات النفط تحت سيطرة الحكومة السورية لأن الولايات المتحدة تسيطر على حقول النفط في شمال شرقي سوريا. وأصبحت الحكومة السورية مستورداً صافياً للنفط بعد أن فقدت السيطرة على حقول النفط مع بداية الحرب.

أفاد المكتب المركزي للإحصاء (CBS) أن معدل التضخم في سوريا في عام 2019 بلغ 826٪ إذا أخذنا في الاعتبار الانخفاض الأخير في سعر الليرة السورية. وفي نهاية الأسبوع الجاري، تم تداول 4000 ليرة للدولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 5000 ليرة للدولار في الأشهر القليلة المقبلة. هذا يمثل عمليا انهيارا كاملا للعملة. يشار إلى أنه في عام 2011، كان الدولار يعادل 47 ليرة سورية.

يمكننا أن نقول إن سوريا دخلت الآن ما أطلقنا عليه "التضخم المفرط" وهو تضخم مرتفع للغاية ومتسارع في العادة

ولدى المصرف المركزي السوري سعر صرف ثابت وهو 1225 ليرة للدولار، ولا تزال سوريا تعمل وفق سياسة أسعار الصرف المختلفة في تعاملاتها، لهذا يعتقد الكثيرون أن رقم التضخم الذي قدمه مكتب الإحصاء المركزي أعلاه غير دقيق، ومعدل التضخم يرتفع بشكل كبير، وهو ما يضع سوريا اليوم في نفس فئة زيمبابوي وفنزويلا، وكلاهما لديهما أعلى معدل تضخم في العالم حسب صندوق النقد الدولي.

يمكننا أن نقول إن سوريا دخلت الآن ما أطلقنا عليه "التضخم المفرط" وهو تضخم مرتفع للغاية ومتسارع في العادة. إنه يؤدي بسرعة إلى تآكل القيمة الحقيقية للعملة المحلية، حيث ترتفع أسعار جميع السلع. يؤدي هذا إلى تقليل احتفاظ الناس إلى أدنى حد من ممتلكاتهم من تلك العملة لأنهم عادةً ما يتحولون إلى عملات أجنبية أكثر استقرارا، وغالبا ما يرتبط التضخم المفرط بالحرب أو الصراع حيث يمكن أن يؤدي الانهيار في إجمالي العرض والانخفاض الحاد في الإيرادات الضريبية الحقيقية إلى جانب الحاجة القوية للحفاظ على الإنفاق الحكومي، جنبا إلى جنب مع عدم القدرة أو عدم الرغبة في الاقتراض، إلى حدوث تضخم مفرط.

السؤال الآن كيف ستتعامل الحكومة السورية مع التضخم المفرط، الأداة الوحيدة للنظام السوري هي قبول الانتقال السياسي والتفاوض على العقوبات لقيادة الطريق لإعادة الإعمار، لا أرى أي خيار آخر لتحفيز الاقتصاد، يمكن لجميع البلدان التي نجت من الحروب الأهلية أن تحقق نموا اقتصاديا هائلا، وأفضل مثال على ذلك رواندا بعد الإبادة الجماعية في عام 1994 عندما قتل أكثر من 800 ألف شخص على يد حكومة الهوتو ضد جماعة التوتسي العرقية، والانهيار التام للاقتصاد. حيث تم تدمير رواندا من خلال القتل الجماعي الذي لا يمكن تصوره لمدنييها. الآن وبعد 25 عاما تمكنت البلاد من تأسيس اقتصاد ناجح ومزدهر، حيث بلغ متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 7.76٪ بين عامي 2000 و2019، ومن المتوقع أن يستمر النمو بوتيرة مماثلة خلال السنوات القليلة القادمة. رواندا يمكن أن تكون النموذج الاقتصادي لسوريا اليوم.