سوريا في قلب التدافع التركي الروسي في قره باغ

2020.10.30 | 00:34 دمشق

thumbs_b_c_0e68aec5f20ab0b1f8a61fd9feba6475.jpg
+A
حجم الخط
-A

صحيح أن تركيا وروسيا استطاعتا بفضل سياسة الفصل في الملفات والتي تجاوزت فصل الاقتصادي عن السياسي إلى حد فصل الملفات السياسية بعضها عن بعض وهذا مجال تعتبر تركيا من أنجح الدول من حيث فصل ملفات الخلاف، إلا أن العلاقات التركية الروسية بقيت معرضة للتراجع ودائما كان ملف الخلاف الذي يتم تسكينه عرضة للتفجر بسبب احتدام الخلاف في أحد الملفات الأخرى. ودائما ما سعى كل طرف لاستخدام قدرته على تخريب الهدوء في أحد الملفات للتأثير لمصلحة موقفه في الملف الجاري التباحث حوله.

ومن المعلوم أن هناك اختلافات كبيرة في وجهات النظر بين تركيا وروسيا في ملفات عديدة منها سوريا وليبيا والقرم في أوكرانيا وانضمت مجددا إلى قائمة الملفات الساخنة الحرب الدائرة في إقليم قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا حيث تدعم روسيا وتركيا أحد الأطراف المتحاربة.

ومع تسكين جبهة ليبيا والذي لم يرق لأنقرة بعض تفاصيله وهو موضوع يمكن الحديث عنه لاحقا، فقد كان لافتا إقدام موسكو على تسخين الجبهة السورية من خلال تجدد عمليات قصفها في إدلب وجرابلس في ظل عدم تمكنها من تحقيق اتفاق وقف إطلاق نار صامد في قره باغ. كما أن أنقرة فيما يبدو حاولت امتصاص غضب موسكو من خلال الانسحاب من نقطة مراقبة في مورك كان متفقا على الانسحاب منها من قبل وأخرت أنقرة ذلك إلى ما أرجعته تحقق الشروط التي طلبتها.

هناك اختلافات كبيرة في وجهات النظر بين تركيا وروسيا في ملفات عديدة منها سوريا وليبيا والقرم في أوكرانيا وانضمت مجددا إلى قائمة الملفات الساخنة الحرب الدائرة في إقليم قره باغ

قصفت روسيا قبل أيام قليلة مجموعات سورية تابعة لفيلق الشام وهي مجموعة معارضة للنظام في قرية الدويلة غرب إدلب تعرف بقربها من تركيا وقد جرى القصف على معسكر للمجموعة مما أدى إلى مقتل 78 شخصا وإصابة أكثر من 90 آخرين.

وقد اعتبر هذا القصف الجوي انتهاكا لوقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في مارس 2020 والذي كان امتدادا لاتفاق على إقامة منطقة خفض تصعيد في إدلب في محادثات أستانا.

كما قامت السفن الروسية قبالة سواحل اللاذقية (هناك اختلاف حول مصدر الإطلاق من طرطوس أو من حميميم) بإطلاق صاروخين باليستيين على سوق للمحروقات بمدينة جرابلس التي تعتبر ضمن مناطق عمليات درع الفرات مما أدى إلى  مقتل 7 مدنيين وإصابة 20 آخرين.

وبما أن الضربة الثانية وجهت لفصيل قريب من تركيا وليس لداعش أو القاعدة فيما وجهت الضربة الروسية الثانية إلى مدنيين في منطقة درع الفرات التي أشرفت عليها تركيا فإن تركيا أدركت أن الرسالة الروسية موجهة إليها.

وكما ذكرنا أعلاه يبدو أن الرسالة الروسية في سوريا تقول لأنقرة أن موسكو منزعجة جدا من الدعم التركي لباكو في إقليم قره باغ. ولهذا فإن هذه محاولة ضغط روسية على أنقرة للتخفيف من صلابة الموقف التركي وراء الرئيس إلهام علييف في قره باغ. خاصة بعد فشل أكثر من محاولة لتحقيق وقف إطلاق النار.

وكما يقول الصحفي التركي سيدات إيرغين "وبما أن ليبيا هادئة نسبيا وفي طريق للحل توجد فيه أطراف أخرى فإن الضغط الروسي على تركيا لتحقيق نتائج في المباحثات حول قره باغ جاء في سوريا".

نجحت تركيا وروسيا في السابق في إدارة ملفات الخلاف فيما بينهما عن طريق الفصل وعن طريق دبلوماسية الزعيم الأول، وبينما تبدو هذه المرة أكثر صعوبة لأن موسكو تعتقد أن أنقرة تلعب في حديقتها الخلفية.

ولهذا ركز بوتين على موضوع المقاتلين الأجانب القادمين من الشرق الأوسط إلى القوقاز في اتصاله مع أردوغان مما حدا بالأخير أن يشير إلى أعداد المقاتلين التابعين لحزب العمال الكردستاني الذين نقلوا من سوريا والعراق إلى أرمينيا.

ومع محاولات موسكو للتركيز على مجموعة مينسك وضرورة بقاء تركيا خارج هذه العملية إلا أن الاتصال الأخير بين أردوغان وبوتين أشار إلى أن روسيا قد تكون قد قبلت عمليا باعتبار أنقرة راعية لباكو وموسكو راعية ليريفان حيث قال أردوغان أن الاتفاق بينه وبين بوتين ينص على أن يقوم بوتين بمباحثات مع رئيس الوزراء الأرميني باشينيان  فيما يقوم أردوغان بمباحثات مع الرئيس الأذري إلهام علييف لما سماه "اتخاذ خطوة صادقة في هذا الصراع".

كانت تركيا تريد الانخراط في إطار بديل لمينسك فلو تحقق لها ذلك بالإضافة إلى نجاح اتصال بوتين وأردوغان في تهدئة المواقف وتكييفها لصالح التنسيق والتفاهم فإن تركيا وروسيا ستتجاوزان هذه الأزمة ولكن من المهم الانتظار إلى حين تحديد هوية الرئيس الأميركي القادم والذي ستحدد سياسته تجاه كل من موسكو وأنقرة كثيرا من نقاط التأثير على التفاهمات الهشة بين موسكو وأنقرة. وبالتأكيد ستكون سوريا حاضرة في قلب المعادلة التركية الروسية.