سوريا.. عندما تتقاطع الخنادق تتوحد البنادق!

2022.07.10 | 06:54 دمشق

دورية
+A
حجم الخط
-A

أشرفت الشركات العسكرية الفرنسية على حفر وتجهيز خنادق قسد ومسد ووحدات الحماية في شمال شرقي سوريا وقامت القوات الأميركية بعمليات التدريب والتجهيز القتالي. لكن متطلبات المرحلة تستدعي الاستجابة للتخطيط السياسي الروسي. وبذلك سيجمع القدر مجموعات قسد وقوات النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة لها في مواقع عسكرية واحدة لمواجهة القوات التركية وحليفها الجيش الوطني. مجموعات النصرة وغيرها في إدلب قد تختار الحياد لأن معركتها في مكان وزمان آخر ربما. المشكلة الوحيدة المتبقية هي غزارة الإعلام والشعارات التي سترفع في المعارك بعدما تقرر إرجاء أسباب الخلاف والتباعد في المواقف السياسية وتعارض المصالح وحلم كل طرف في بناء سوريا الجديدة.

"العملاء والخونة والجماعات الانفصالية" في صف واحد مع "النظام الفاسد والدكتاتوري والقمعي"، وهي تتوحد مع ضيوف لبنان والعراق الذين أرسلتهم إيران للدفاع عن سيادة ووحدة سوريا وحماية الأرض في مواجهة "الطامع والمحتل التركي"! طبخة بحص لن تستمر لأكثر من أيام كما حدث قبل 6 سنوات بعدما تحركت المسيرات وانفض الجمع عند حصول التفاهمات التركية الروسية والأميركية في العمليات العسكرية التركية السابقة.

قال صالح مسلم الرئيس المشارك لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" في سوريا  إن مطالب فرض حظر جوي في شمال شرقي سوريا لا تكفي، بل من الضروري وضع قوى من الأمم المتحدة كمراقبين على الحدود . وإلا فان خيار "قوات سوريا الديمقراطية" هو اتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية نفسها، من الهجوم التركي المحتمل في أي لحظة.

ما يقوله مسلم الماركسي لا ينفصل عن رفض قسد للمبادرة الأميركية الأخيرة التي نقلها السناتور ليندسي غراهام باتجاه الانسحاب من تل رفعت وجوارها لثني أنقرة عن شن هجوم جديد في الشمال السوري. قوات الفصل والسلام الأممي لم تحضر وعليه أن يكتفي بالوافدين من دمشق وبيروت وبغداد من أنصار إيران .

خيبة أمل قيادات قسد سببها تصريحات غراهام حول إنه "من الضروري أن نعترف بمخاوف الأمن القومي المشروعة لتركيا، وأن ننشئ مناطق عازلة بين العناصر التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية، وبين الذين ساعدونا في تدمير الخلافة الإرهابية". الرشوة المالية الاقتصادية التي يعرضها السناتور الأميركي هي استثمار النفط في شمال شرقي سوريا وتصديره عبر تركيا حيث "سيعود بالفائدة على كل من سوق النفط العالمية، واقتصاديات شمال شرقي سوريا وتركيا ويعد أفضل طريقة لحل المشكلة سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي". هذا هو ما أغضب وحدات الحماية كما يبدو ودفعها لتبني مشروع موسكو وطهران فهل تبقى على موقفها أم هي مناورة قصيرة المدى ستعود عنها ما إن يدب الخلاف بين حلفاء الخندق الواحد بقرار روسي أميركي أيضا؟

يعلن آلدار خليل عضو هيئة الرئاسة المشتركة لـ"الاتحاد الديمقراطي"، أنه "إذا قامت تركيا بشن عدوان على المنطقة، فستندم كثيراً. لن نكتفي بصد العدوان، بل سنشنّ حملة عسكرية لتحرير المناطق السورية التي احتلتها تركيا في الفترة الماضية". هناك من يؤكد في قسد أن هذه التوافقات "تجري بالتنسيق مع القوات الروسية الضامنة لخفض التصعيد ومراقبة وقف إطلاق النار". اختلط الحابل بالنابل. من الذي سيعطي قسد ما تريده القوات الروسية أم الإيرانية أم الأميركية؟ مصطلح "الفترة الماضية" مطاط بعض الشيء. إلى أين ستصل الأمور مع آلدار مجهول طبعا. عقود إلى الوراء أم قرون مثلا؟ هذا لن يكون مرتبطا بقدرة العناصر التي يمثلها بل بمن يعول عليه لمحاربة الجيش التركي.

حلم اليقظة. تقدم قسد تنازلات ميدانية لصالح النظام الذي سيتقدم للدخول إلى العديد من المناطق التي تقع تحت إشرافها، وتبدي استعدادها لدمج القوات والسلاح الأميركي الذي تملكه وتضعه تحت تصرف دمشق وطهران. ثم يعود كل طرف إلى مواقعه السابقة ويتمسك بمواقفه ومشاريعه بعد صد الهجوم التركي!

احتمال أن تلويح تركيا بعمليتها العسكرية كان يهدف منذ البداية إلى تسهيل دخول قوات النظام إلى مناطق قسد لإسقاط مشروعها في سوريا بين السيناريوهات الواجب مناقشتها أيضا

تحاول واشنطن تجنيب حليفها المحلي الهزيمة وخروجه من المشهد الذي سيدمر مشروعه في شرق الفرات ويفقده الهيمنة الاقتصادية والجغرافية على مساحات واسعة تجمع أهم ثروات سوريا المائية والنفطية، ويعلن هو التخلي عن مشروعه الانفصالي عبر تسليم الأمور للنظام والقرار الروسي الإيراني. فلماذا تصعد أنقرة وتعرقل ما سيقدم لها على طبق من فضة وتعترض على خطوة انتحارية تفجر العلاقة بين قسد وحزب العمال في سوريا؟

احتمال أن تلويح تركيا بعمليتها العسكرية كان يهدف منذ البداية إلى تسهيل دخول قوات النظام إلى مناطق قسد لإسقاط مشروعها في سوريا بين السيناريوهات الواجب مناقشتها أيضا.

ما سمي مؤخرا بمبادرة أميركية نقلها السيناتور غراهام قد يكون ما اتفق عليه جو بايدن ورجب طيب أردوغان في لقائهما الأخير على هامش قمة الأطلسي وسط خيارين أحلاهما مر لمجموعات قسد: استسلام للنظام من أجل تجنب الهزيمة أو إعطاء أنقرة ما تريده عبر إخلاء المناطق الحدودية التي تسلمتها من الروس والأميركيين والانسحاب إلى ما وراء مسافة 30 كلم حسب تفاهمات تشرين الأول 2019 التركية الأميركية والتركية الروسية.

تجارب سابقة وحالات مماثلة تتعلق بمواقف واشنطن وموسكو وطهران في التعامل مع 4 عمليات عسكرية نفذتها القوات التركية في الأعوام الأخيرة تقول لنا إن الأطراف الأربعة تجنبت الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة رغم كل الإصرار من قبل النظام وقسد وداعش والجهود التي بذلتها من أجل ذلك. فهل تتغير المعادلات هذه المرة؟

يردد البعض أن قيادات قسد رفضت المبادرة الأميركية الداعية لسحب مجموعاتها من تل رفعت مقابل تراجع تركي عن العملية العسكرية المرتقبة. هل بمقدور هذه المجموعات الإقدام على خيار انتحاري من هذا النوع؟ ممكن طبعا إذا ما قررت تغيير سياستها السورية بأكملها والجلوس تماما في حضن موسكو وطهران وإهداء سلاحها الأميركي الثقيل إلى النظام في دمشق ومعانقة الميليشيات الإيرانية في شرق الفرات وشمال العراق. قرار قسد بيدها للتوجه نحو حافة الوادي للانتحار ولكن غير ذلك فهو يعود للاعبين الإقليميين المؤثرين في المشهد السوري.

تحذيرات الهنود الحمر في مثلهم الشعبي "سر ببطء وحذر شديدين عند قدوم الربيع فالأرض الأم في آخر أيام حملها" تتراجع لصالح المثل الشعبي الإثيوبي حول قدوم الصيف "لا يصلح العطر ما أفسده الحر لا بد من الاستحمام يا حبيبي".