سوريا عن التهجير الأكاديمي الثالث والفساد

2018.10.12 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ما زال الوضع في سوريا شهيّاً للكتابة ويزداد يوما بعد يوم خصوصا بوجود النظام، كل الشؤون الإدارية والمالية والسياسية والاقتصادية في البلد تحملنا للكتابة غصبًا عنّا، وبإرادتنا، البلد تتشكل من جديد شئنا أم أبينا، ويمر الوقت وها هي ثمان سنوات طويت وأصبح هناك وراءنا ما لن نقدر في قادم الأيام على تغييره، تحديدا فيما خصّ العامل البشري الموجود بصفة موظفين كبر حجمهم أم صغر في الحكومة السورية والذي يقترب من مليوني إنسان.

هنا يحملني المقام على نقاش الوضع الأكاديمي والوسط نفسه من بعد اندلاع ثورة الحرية والكرامة في سوريا آذار 2011، وقد شاب هذا الوسط وحل به ما حل بأي مفصل من مفاصل البنى الأساسية لمجتمعنا، من تعب وفساد مركز وخطط إفسادٍ تناسب الوضع العام للبلد، وطموحات لسيطرة كتل عاتية على التغيير دعاها بشار الأسد عقب توليه للرئاسة صيف العام 2000 بالحرس القديم.

وما حلَّ بالوسط الأكاديمي في بلدنا يختلف قليلا عما حلَّ بغيره ولا سيّما أنه يجري للمرة الثالثة

مشاهير كتيبة التقارير في اتحادي الطلبة، تمت مكافأتهم بالإيفاد لمتابعة الدراسات العليا على نفقة الدولة-الحزب-

إذا صح التعبير وهو كذلك، حسب تقييم أكاديميين مشهود لهم اليوم هم في العقد الثامن من العمر، فيقول أكاديميٌ مشهود له بالعلم والتأليف ونظافة اليد، كنّا مبتعثين للاتحاد السوفييتي أواخر العام 1967، وكنّا في ذلك الوقت نخبة أوائل الجامعات السورية، فما إنّ تسلّم البعث السلطة رسميا بعد ذلك بعام، حتى فوجئنا بطائرة مبتعثين خرجنا لاستقبالهم، وإذا أسوأ الطلاب تحصيلًا ومعدلات تخرّج، ومن مشاهير كتيبة التقارير في اتحادي الطلبة، تمت مكافأتهم بالإيفاد لمتابعة الدراسات العليا على نفقة الدولة-الحزب- الذين كانوا يناضلون لحياة مبادئه وصون وجوده فهو انبثاقٌ من الضرورة في الأمة السورية، وبخضم هذا النضال ضاع وقتهم الثمين ولم يتمكنوا من تحقيق معدلات عالية فتمّت مكافأتهم بالإيفاد لتعويض ما فاتهم من تحصيلٍ علمي في سوريا.

إن كان هذا الاختصار يفسر شيئا على عجالة فهو يقول صراحة الاستيلاء الأول على الوسط الأكاديمي في سوريا من بعد تركيب سوريا الحديثة كما عرفت فيما بعد، نأتي لمرحلة الثمانينيات وتذكرون جمعيا حوادث عديدة تمّ فيها إلحاق أسماء معينة في بعثات و دورات خارج القطر ومنحت شهادات ومناصب لمجرد ولائها، ما أدعوه المرحلة الثالثة من ضرب الوسط الأكاديمي السوري، ابتدأ مع انتفاضة الشعب السوري 2011، حيث سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية سرّع من عملية اتخاذ القرار عند أساتذة جامعيين كثر بقرار مغادرة البلد، إمّا للعمل حيث تسنح الفرصة، أو للبلد التي تخرّجوا منها بمساعدة مشرفيهم هناك في البلد التي نالوا منها الدرجة، خلال ثمان سنوات تمت الإساءة وخصوصا بداية الأحداث في سوريا لكثير من الأكاديميين أثناء عملهم في الحرم الجامعي على امتداد القطر، ومنهم كثر معتقلون

قرار من مجلس التعليم العالي وقّعه الوزير، بحجب جائزة البحوث المحكمة التي من المفترض أن يتنافس عليها أساتذة الجامعات سنويا لكسب الترقيات والدرجات، فما من بحثٍ استحق هذه الجائزة هذا العام على مستوى جامعات القطر كلها

لأنهم رفضوا أن يكونوا شبيحة على طلابهم بداية المظاهرات، ويحكي لي أكاديميٌ صديق بداية الثورة، أنّه استدعي للتحقيق من لجنة حزبية في جامعة دمشق لمجرّد أن أحد زملائه المخبرين قرأ في صفحته على الفيس بوك أنه لا يترحم على قتلى الجيش والأمن الذين قتلوا في الأشهر الأولى من انتفاضة الشعب السوري، وهذا مثل كثر ترك البلد ليكرم بالتدريس بجامعة أوربية عرفت قدره، ويعيش فيها أياما تليق به.

الاستبدال هذا قادنا اليوم لنقرأ منذ أيّام قرار لمعهد التراث العلمي العربي بجامعة بإيقاف منح شهادتي الماجستير والدكتوراه في المعهد الذي يعتبر المعهد الأكاديمي الوحيد الذي يدرسُ تاريخ العلوم عند العرب في الوطن العربي، والقرار المفاجئ اليوم، قرار من مجلس التعليم العالي وقّعه الوزير، بحجب جائزة البحوث المحكمة التي من المفترض أن يتنافس عليها أساتذة الجامعات سنويا لكسب الترقيات والدرجات، فما من بحثٍ استحق هذه الجائزة هذا العام على مستوى جامعات القطر كلها، ما يحملنا للتساؤل والتفكّر بمستوى الأكاديميين الموجودين في سوريا حاليا، بعد موجات الاستبدال الثلاث الآنفة الذكر، ونقول في هذا المقام إذا الفقر وسوء الأحوال الاقتصادية اتعب البعض منهم وقصّر عن أداء بحث محكم يستحق جائزة، فما فعل الولاء للحزب والقائد بكومة كتيبة التقارير التي تنعم بمكاتبها في الجامعات تلك، وتستلذ بتهديد طلابها كما كان يستلذُّ دكتور فاوستوس برائعة غوته المسرحية بأكل الفريز، بأنّ الولاء مقدمٌ على الكفاءة وتتمتعُ بموقعها بأنها ذنب للفساد المستأصل في بلدنا الحبيبة سوريا.

كلمات مفتاحية