سوريا بين طريق الحرير وطريق القدس

2022.06.15 | 06:57 دمشق

2763049fd851886fd2365dea68d3883d.jpg
+A
حجم الخط
-A

استقبل السوريون في اللاذقية منذ أيام الاسم المعروف محليا وإقليمياً "نوح زعيتر"، وكانت المناسبة مؤاتية للموجودين لمشاركة الصور على وسائل التواصل الاجتماعي والتغني بالأخير وتشبيهه بشخصية مسلسل الهيبة الرئيسية التي أصبحت حديث العالم.

ليست المرة الأولى التي يتجول فيها المدعو زعيتر المعروف بأنه من أكبر تجار المخدرات في المنطقة في سوريا بكل حرية وكأنه قادم من تحرير القدس، فمرة يشارك صوره من أمام ساحة الأمويين ومرة مع أقارب رأس النظام السوري، وقد كان من الممكن أن يكون استقباله بحفاوة بين السورين مثار استغراب لو كان الشرط العام مختلفاً عن الواقع الحالي، ولكن ذلك لم يعد مستغرباً في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية في سوريا.

لقد تداول المستخدمون صوره عبر سنوات الثورة السورية في أكثر من مرة وظهر في أكثر من موقع معبراً عن فرحته بانهزام (الدواعش) وصرح بتأييده لحزب الله وأمينه العام، وهدد السوريين الخارجين عن ملة النظام بالويل والشدائد، على الرغم من أنه على قائمة المطلوبين محلياً ودولياً وقد صدر في حقه أكثر من مذكرة توقيف ولا يعد نشاطه سراً.

تشير التقارير الإخبارية إلى أن صناعة المخدرات لاقت ازدهاراً واسعاً منذ عام 2016 فقد أصبحت أهم تجارة وصناعة في سوريا وبخاصة حبوب الكبتاغون

تزامنت زيارته تلك مع تصريح وزير الخارجية الروسي ببدء الانسحاب من سوريا بعد غرق الروس في الجبهة الأوكرانية، وإنهاء العمليات العسكرية في سوريا وبدء الانسحاب من الجنوب السوري في السويداء ودرعا، في مقابل إعادة انتشار وتعزيز للقوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في المواقع التي انسحبوا منها، التي تشكل استكمالاً لطريق تجارة وزراعة المخدرات، الأمر الذي أثار قلق الدول الحدودية بعد الفراغ العسكري الذي ستعيشه الحدود وإطلاق يد التشكيلات الإيرانية مما قد يؤدي إلى حرب مخدرات لأن ضباط الحدود يتعاونون مع مهربين ينتقلون براحة بين الدول.

تشير التقارير الإخبارية إلى أن صناعة المخدرات لاقت ازدهاراً واسعاً منذ عام 2016 فقد أصبحت أهم تجارة وصناعة في سوريا وبخاصة حبوب الكبتاغون، حتى إن انتشارها أصبح واسعاً بين صفوف الشباب السوري على الرغم من أن نسبة التعاطي  تكاد تكون قليلة للغاية وشبه معدومة قبل ذلك، غير أن ذلك أصبح طيّ النسيان بعد تسلم الأسد الابن السلطة وتحويله البلاد إلى مزرعة مخدرات من أكبر المزراع في المنطقة، وتسهيل حصول السوريين عليها والعمل على ابتكار طرق مختلفة لتهريبها عبر الأقاليم والدول.

وعلى الرغم من الاختناق الاقتصادي المتزايد في سوريا وشحّ الإنتاج المحلي وتصديره وتوزيعه، فإن صناعة المخدرات والكبتاغون بشكل رئيس كانت الشريان الأهم الذي زود النظام بالتمويل اللازم للعمليات العسكرية المزعومة، وكانت التجارة الأساسية التي عمل بها ودعمها حزب الله خلال سنوات تدخله في الثورة.

يعد الكبتاغون أحد الأسماء التجارية العديدة لمركب عقار فينيثايلين هيدروكلوريد، وهو مُنبِّه له خصائص إدمانية، ويستخدم على مستوى الشرق الأوسط ويطلق عليه أحياناً "كوكايين الفقراء"، وتستخدمه أيضاً الجماعات المسلحة والقوات النظامية في حالات القتال، حيث ترى أنه يزيد الشجاعة ويقلل من الشعور بالخوف، ولهذا كان من الضروري أن يعمل النظام السوري على نشره بين الشبان السوريين لضمان استمرارهم بالانضمام والانخراط في العمل العسكري والحفاظ على ارتباطهم المستمر بالمؤسسة بدافع تأمين الحاجة من المخدرات والنقود.

إن طريق القدس الذي ادعى حزب الله أنه يمر من القصير لم يكن سوى طريق الحرير الجديد الذي يؤمن خط التصدير والاستيراد لمنتجات الحزب غير المشروعة

لقد أصبحت سوريا في السنوات الأخيرة ماركة عالمية في تصنيع وتهريب المخدرات، حتى إنها متهمة بإغراق دول المنطقة والإقليم بالمنتجات المصنوعة في سوريا في مزارع يشرف عليها ويهتم بها مناصرو حزب الله، وقد ابتدع المصنعون طرقاً مختلفة ومتنوعة لتأمين وصول الشحنات إلى الزبائن المحتملين، إذ أصبحت الحدود بين سوريا ولبنان مسيطر عليها بشكل تام من جماعة من المسؤولين الفاسدين من الجانبين، ذوي الولاء المطلق للمال حيث يعمل المهربون بتواطؤ المسؤولين من الجانبين، وينقل المهربون المواد الأساسية والمنتجات النهائية، الحشيش والكبتاغون، على طريق يمتد على طول سهل البقاع اللبناني، ومدينة القصير الحدودية السورية حتى الوصول إلى مينائي اللاذقية وطرطوس من أجل الشحنات الخارجية.

إن طريق القدس الذي ادعى حزب الله أنه يمر من القصير لم يكن سوى طريق الحرير الجديد الذي يؤمن خط التصدير والاستيراد لمنتجات الحزب غير المشروعة، وبهذا فقد تحولت سوريا مع الوقت إلى الدولة الأكثر نشاطاً في إنتاج المخدرات وتصديرها وتعاطيها إذ زادت نسبة الإقبال عليها بين السوريين بسبب تدهور الأوضاع، والحاجة لمحفزات طبية تمنح الشعور بالراحة وتوفر الشعور بالسعادة الوهمية.

لقد أصبحت سوريا وبشكل رسمي وعالمي من أكبر الدول العاملة في تصنيع وترويج المخدرات، وإذا كان يمكن أن ينسب الفضل لأحد في ذلك فلا بد أن ينسب للنظام السوري الذي حول البلاد إلى مزرعة خاصة، وأطلق يد حزب الله وأعوانه لاستخدام الأراضي السورية لأعمالهم المشبوهة في مقابل ضمان وحماية بقائه على كرسي السلطة حتى وإن كان الثمن أن تتحول البلاد إلى مطفأة سجائر العالم ومخدرات جيرانها.