سوريا المظلمة.. وأنوار طريق كباش الأقصر

2021.11.27 | 05:57 دمشق

thumbnail_260833235_4896526493740935_9196358809307811247_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

أنا السوري فقط من حقي أن أصاب بالدهشة ولوثة الضوء، وأن أشعر بالحسد كلما شاهدت بشراً على طبيعتهم، وبلداناً تفعل ما يجب لإصلاح أحوال العباد أو حتى ترمم مسجداً أو تمثالاً فما بالي أنا الذي يعيش اليوم في مدينة قريبة من القلب تشبه تلك الـ (دمشق) التي هجرتها، وأرى احتفالاتها التي تؤسس لصناعة سياحية باهرة، وهنا في مصر بالأمس تم افتتاح طريق الكباش في مدينة الأقصر التاريخية بسحر مصري خالص فيما تعيش الشام عتمتها الكبرى.

ماذا لو كانت هذه الاحتفالية في تدمر، وماذا لو كانت هذه الأنوار الباهرة تنير أعمدة التاريخ العظيم في صحرائها؟.. هكذا يوسوس لي الأمل والرجاء فيما عقلي يقهقه من شدة الصدمة لما آلت إليه أحوال أرواحنا نحن الذين نحنّ بضراوة إلى ما لا نحب من قهر لكنها لحظات ما فوق القهر على دمار بلاد كانت تنتظر مصيرها بصبر حائكة صوف عتيقة.

تأتي الأخبار من سوريا بلونيها المنسجم والمعارض حيث كلهم سواء في العتمة والفقر والصراع على رغيف الخبز، ويرى الأول مصيبته في الثاني وبالعكس، وأما الحالمون فينظرون إلى بلاد جديدة يموتون فيها سعداء أو في الطريق إليها غرقاً، وربما في انتظار رأفة مهربي البشر التي قد تسمح لهم بالعبور من حدود بيلاروسيا إلى الحلم الأوروبي.

لا كهرباء في سوريا إلا للقادرين على دفع مئات الملايين هذا وفق ما كتبته صحفية في دمشق تعقيباً على خبر تم نقله عن مؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء

حدثني قريب عن عائلة عالقة على الحدود تتوسل لجمع مبلغ 20 ألف دولار طلبها أحد المهربين كي يتم نقلهم عبر الغابات والقرى الصغيرة إلى بولندا ولمسافة لا تتجاوز عشرة كيلومترات لكنها توصلهم إلى الطرق التي تقودهم إلى خلاص مؤقت، ويسألني بدهشة من هو القادر على تأمين هذه المبالغ الخرافية سوى التجار الذين يهرّبون أبناءهم من دمشق وحلب حتى لا يقادوا إلى الخدمة الالزامية أو لتأمين حياة كريمة لمن هم قادرون بعد على الحياة؟.

لا كهرباء في سوريا إلا للقادرين على دفع مئات الملايين هذا وفق ما كتبته صحفية في دمشق تعقيباً على خبر تم نقله عن مؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء: (تكلفة الاشتراك بالخط المعفى من التقنين هي 300 مليون ليرة سورية لكل 1 كم، تتضمن كلفة الكبل والخلية ومركز التحويل، وهذه الخطوط متاحة لجميع المواطنين، لكن كلفتها كبيرة جداً).. أما الفقراء فقادرون فقط على دفع كلفة العتمة من أرواحهم وأعمارهم التي تتناقص.

في شمال البلاد (المحرر) تُضرب امرأة بحذاء مقاتل، ويتم تداول صور الشهادة الثانوية لأحد أبرز القادة، وأما الحدث الطازج فهو تلك الأخطاء الكبيرة في كتاب السيرة الذي تم حرق نسخه والصادر عن مركز الاستشراف والدراسات والأبحاث، وحملات إدانة تواجهها بيانات اعتذار، وأما أحوال الناس فهي البحث عن خبز رخيص وبعض الدفء وهما في ندرة وغلاء يومي.

بين أنوار الأقصر بالأمس وعتمة الشام المؤلمة يقع الفارق الكبير بين السياسة وحماقة العصابة

لو انحنى النظام قليلاً لإرادة السوريين الحالمين، ولو أنه رأى ما فيهم من إبداع وتألق كما يراه المصري والألماني والتركي أكانت البلاد كما هي عليه الآن من خراب واحتلالات؟.. ولكنه طوال خمسين عاماً من حكم البلاد وفق المنطلقات النظرية لحزب البعث ولصوصه وفاسديه ومجرميه أراد لها هذا المصير البائس.

كل شيء في سوريا مباح للخراب في سبيل الكرسي الحاكم، وكل السوريين مجرد أدوات لحمايته وعبادته، وأما تاريخها الذي لا يقل جمالاً وأصالة عن سواها -إن لم نقل أعرقها- فهو فقط مدخرات تصرف لجيوب المهربين الكبار، وهدايا باذخة لإسكات الضمائر، ومدفونات معدة للسرقة والبيع.

بين أنوار الأقصر بالأمس وعتمة الشام المؤلمة يقع الفارق الكبير بين السياسة وحماقة العصابة، وأما البشر فثمة حكايات أخرى تروى عن السوريين في المنافي وحتى أولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة إلى الآن.