سوريا.. الليل الطويل

2021.10.03 | 07:16 دمشق

189772aa-214f-4660-a79f-eb317f794e18.jpeg
+A
حجم الخط
-A

"ما بالكم تشتهون أن تكونوا كالفطائر في منتصف الليل، وتترقبون بابتهاج انبلاج الصباح، فلقاء تخاذلكم يا سادتي الضعفاء، أخذت شمس الضحى تتباطأ، أما أنا فرجلٌ مظلوم أكثر من كونه ظالمًا، عقلي بدأ يُصيبه الخبل"، بهذه العبارات المقتبسة من مسرحية "العاصفة" لوليام شكسبير يسدل المخرج الراحل حاتم علي الستار عن المشهد الأخير في فيلمه المنتج عام 2009، عبارات تمتم بها السجين السياسي حسن "أبو علي" في مشهد مسرحي بديع وهو يتطلع إلى أعلى، يترقب شيئا ما، ينتظر معجزة، ولادة شمس ونور يكسر تلك العتمة في داخل المعتقلات وخارجها، معجزة لم تتأخر كثيراً لتتحقق مع اندلاع الثورة السورية بعد إنتاج الفيلم بعامين.

فيلم "الليل الطويل" الذي كتبه هيثم حقي وقام ببطولته وشخصيته الرئيسة الراحل خالد تاجا، يحكي قصة أربعة سجناء سياسيين قضوا في سجون الأسد عشرين عاماً على الأقل، يأتي الأمر بالإفراج عن ثلاثة منهم، بينما يتم التحفظ على الرابع، ويصور العمل هنا آلية المساومة التي يتبعها النظام قبل الإفراج عن المعتقل السياسي، إذ يتطلب الإفراج عنه توقيع المعتقل على ورقة يتعهد من خلالها بالعمل مخبرًا للسلطة، وهذا ما رفضه أبو نضال "خالد تاجا"، ليطلق سراحه لاحقا بدون أي تنازلات.

وتدور أحداث العمل ذي التسعين دقيقة في ليلة واحدة فقط، لكنها ليلة طويلة، تتسلل كاميرا حاتم علي خلف أسوار السجن وقضبانه، لا تصور ما يدور هناك لكنها تصور كل شيء عبر إشارات وحوارات متعمدة، تلتقط حياة السجناء وأحاديثهم الصباحية، تغوص أكثر في أنفاسهم أعينهم ارتباكهم، هم في السجن وهم خارجه خلال عودتهم إلى منازلهم، وبالتوازي مع ذلك ترصد ردود أفعال عائلاتهم الذين وصلهم خبر إطلاق سراح أقاربهم، منهم من دخل في لعبة مساومات من السلطة، ومنهم من فضل حياة الإقصاء والعزلة وأن يبقى على الهامش، وهذا ما يتم رصده تحديدا مع عائلة أبي نضال، حيث تُقام محاكمة لسلوكيات وتصرفات سلكها الأبناء على مدار العقدين التي قضاها الأب خلف الأبواب الموصدة، فكفاح الابن الأصغر لأبي نضال الذي لعب دوره الممثل باسل خياط، تراه متمسكًا بأفكار ومبادئ والده في وجه زواج أخته عروبة "أمل عرفة"، من ابن مسؤول رفيع المستوى وصديق سابق لأبي نضال ويخالفه في الأفكار السياسية رفيق سبيعي، وهذا زواج باركه الأخ الأكبر نضال" زهير عبد الكريم"، كزواج مصلحة استفاد منه لاحقا، وستشهد الجلسة سجالا بين الإخوة الثلاثة حول الماضي في صراعٍ فكري حادٍ، وهنا لا بد من الإشارة أن اختيار الكاتب لأسماء الشخصيات لم تكن اعتباطية، نضال وعروبة وكفاح، معانٍ يؤمن بها الأب وقيم يدافع عنها دفعته في نهاية المطاف إلى السجون، وبالتوازي مع ذلك مفردات يتغنى بها النظام، لكنه في الوقت ذاته أسهم في محاربتها بالاستبداد والظلم حتى دمرها وقسمها، هذا ما حصل مع عائلة واحدة، وهذا ما يمكن توسيعه ليشمل سوريا والسوريين.

قصة العائلة انتهت بوفاة أبي نضال على باب منزله تحت شجرة ممددا ساقيه بين أوراق الخريف، والسوريون اليوم في خريف طويل منذ سنوات، يحيون هذه الأيام الذكرى السادسة للتدخل الروسي في بلادهم، الذي قلب ربيعهم الذي كاد يزهر آنذاك إلى خريف موحش، قتل واعتقال وتهجير وابتزاز مالي وملاحقات في كل مكان، إنهم كبطل الفيلم المسرحي الذي يحلم من داخل قوقعته وينظر إلى أعلى، يتمتم ويترقب انبلاج الصباح وشمس الضحى التي تنهي ليل سوريا الطويل.