سوريا إذ غابت عن قمة العراق

2021.09.07 | 06:34 دمشق

192222.jpg
+A
حجم الخط
-A

أبرق الرئيس الأميركي، جو بايدن، مهنئاً الحكومة العراقية بانعقاد "قمة بغداد للتعاون والشراكة" التي استضافت العديد من دول الجوار العربية وغير العربية، إضافة إلى حضور أوروبي ممثلاً بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وأشار بايدن في البيان الذي صدر عن البيت الأبيض في اليوم التالي لأعمال القمة إلى أهمية التحرّك الدبلوماسي النوعي الذي تعتمده بغداد في سياساتها مع دول الجوار والذي من شأنه تخفيف حدّة التوتر بين بعض دول المنطقة، وتوسيع دائرة التعاون والشراكة بين دول الشرق الأوسط بريادة دولة العراق.

وأفاد بايدن في متن بيانه بالقول: "عندما اجتمعت مؤخراً ورئيس الوزراء الكاظمي بالمكتب البيضاوي، ناقشنا معاً دور العراق المهم في المنطقة والجهود الكبيرة التي تقودها حكومة العراق، بما في ذلك حكومة إقليم كردستان، لتحسين وتعزيز العلاقات بين العراق وجيرانه".

جاء هذا اللقاء ليعزّز الشراكة بين واشنطن وبغداد بموجب الاتفاقية الإطارية الاستراتيجية بين البلدين، وضمن صيغة دعم حكومة الولايات المتحدة المتواصل للعراق في سياساته الخارجية التي تعتمد بشكل متزايد على الدبلوماسية كأداة رئيسة لتحقيق الاستقرار في عموم الشرق الأوسط.

غياب أي تمثيل للنظام السوري في أعمال القمة جاء تصرّفاً رشيداً للحكومة العراقية لإنجاح أعمالها

سوريا - بصفتها دولة جارة للعراق - كانت الحاضر الغائب في هذه القمة. فهي لم تدعَ رسمياً إلى حضورها رغم أن قائد هيئة الحشد الشعبي، فالح فياض، تصرّف منفرداً قبيل القمة بأيام وتوجّه إلى دمشق ليطلع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن برنامج القمة، وليدعوه بشكل شخصي لحضورها، ما استدعى من وزير الخارجية العراقي إصدار بيان رسمي أشار فيه إلى بطلان صحة هذه الدعوة، ونفى ما تناقلته وسائل الإعلام عن هذا الأمر. وجاء في نص البيان أن "الحكومة العراقية تؤكد أنها غير معنية بهذه الدعوة، وأن الدعوات الرسمية ترسل برسالة رسمية وباسم دولة رئيس مجلس الوزراء العراقي، ولا يحق لأي طرف آخر أن يقدم الدعوة باسم الحكومة العراقية لذا اقتضى التوضيح".

غياب أي تمثيل للنظام السوري في أعمال القمة جاء تصرّفاً رشيداً للحكومة العراقية لإنجاح أعمالها؛ فمعظم المدعويين كانوا سيرفضون حضور النظام السوري الذي يمتنع عن الامتثال لما أقرّوه من مخارج عادلة للقضية السورية كأشقاء عرب معنيين بأمن واستقرار سوريا، وذلك ضمن مساعيهم الأممية ومؤتمراتهم التي ناهزت العشرات لوضع نهاية للأزمة التي طالت على الشعب السوري المكلوم، وهدفوا من خلالها إلى تحريض الأسد على الامتثال للقرارت الدولية والدخول في عملية انتقال سياسي متكاملة أقرتها الأمم المتحدة بإجماع أعضاء مجلس الأمن، بما فيها حليفه الروسي، وللأسف لم يمتثل حتى اللحظة.

أما إيران، فكان بإمكانها - نظراً لطبيعة وصايتها على النظام في دمشق ونفوذها في بغداد - أن تضغط في الاتجاهين من أجل حضور تمثيل ولو رمزياً للنظام السوري في أعمال القمة، إلا أنها لم تفعل. فالنظام السوري بدأ يتحوّل إلى عبء ثقيل حتى على أقرب حلفائه بعد أن استنفدوا إمكاناته، وحققوا من خلاله جلّ مآربهم التي أرادوها على الأرض السورية، سواء بالسيطرة الميدانية الطاغية بجيوش نظامية كما حال الوجود الروسي، وإما عن طريق الميليشيات الطائفية العابرة للحدود التي تنفث في الجسد السوري سماً زعافاً من التفرقة وإشاعة روح النزاعات والاقتتال الأهلي كما يفعل الاحتلال الإيراني.

أرادت إيران أنت تكون ورقة "الجوكر" في القمة! فبمعزل عن وقوف وزير خارجيتها في الصور التذكارية الرسمية للزعماء المشاركين في أمكنة غير مخصصة بروتوكولياً لوقوفه – وهذا الأمر يبقى شكلياً -، إلا أنه توجّه فور انتهاء أعمال القمة إلى دمشق ليلتقي الأسد أمام كاميرات الإعلام، ولينصّب نفسه (واسطة خير) بين دمشق والعواصم العربية!

استثمرت طهران حضورها القمة لتُظهر للرأي العام العربي والعالمي أنها في طور العودة إلى جادة الصواب في سياساتها الإقليمية من خلال نهج جديد يقتضي التعاون التشاركي والدبلوماسي مع جاراتها بعيداً عن أسلوب البطش والتنكيل والتطييف السياسي الذي هو نهج استراتيجي معتمد لحكوماتها المتعاقبة مهما تغايرت شخصية وميول من يرأسها.

تحضر إيران في بغداد وعيونها على فيينا حيث المفاوضات النووية هناك شبه معطلّة ولم تشهد أي تقدّم يذكر منذ الانتخابات الأخيرة في إيران ووصول إبراهيم رئيسي إلى رأس الحكم. فإيران التي ينوء كاهلها بالعقوبات الأميركية المتصاعدة، تريد تحقيق انفراجة سلسلة في المفاوضات تحفظ لها ماء الوجه أمام شعبها من طرف، وترضي المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية من طرف آخر من أجل رفع العقوبات عن كاهلها وتيسير عودتها إلى منظومة المجتمع الدولي الذي قبعت خارجه لعقود.

قد يكون غياب النظام السوري جزءاً أساساً من مناورة طهران لتبرز كأنها القاسم المشترك الأعظم في منطقة مضطرمة بالأحداث المتسارعة

فإيران تدرك تماماً أن الولايات المتحدة لن تبحث فقط مشروعها النووي التسلحي على طاولة مفاوضات فيينا، بل تريد واشنطن أن ترى تراجعاً في سلوك طهران العدواني تجاه دول الجوار، وتريد منها سحب ميليشياتها العابرة للحدود والتعامل مع محيطها والعالم كدولة تحترم سيادة واستقلال جيرانها، وأن تنبذ العنف والسياسات التحريضية التي تتنافى مع لغة العصر.

قد يكون غياب النظام السوري جزءاً أساساً من مناورة طهران لتبرز كأنها القاسم المشترك الأعظم في منطقة مضطرمة بالأحداث المتسارعة، وقد غدت دولها في أمس الحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقها وتحالفاتها بصيغ جديدة تساير مشروع "الشام الجديد"؛ وليست قمة بغداد إلا منصة انطلاق اقتصادية لهذا المشروع، وقد نأت ببرنامجها عن القضايا السياسية الشائكة والمعلّقة بين من حضره من جهة، وبين النظام السوري من جهة أخرى.