سليماني القتيل.. وتمثال بحجم "وطن"

2020.02.21 | 23:00 دمشق

uqiafqeyt87d3zpb.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الحقبة الأسدية الأولى من عمر سوريا كان حافظ الأسد ينشر تماثيله ملء البلد الممتد من تحت عباءته شرقا إلى أحضانه جنوبا، تماثيل الأسد الكثيرة كانت في كل مكان من سوريا وكأن الوطن أصبح مختصرا بتمثاله وتمثاله يختصر الوطن، تراه هنا يرفع يده على مداخل المدن مرحباً ويطلقها هناك على المخارج مودعا، تراه يحمل قرطاسا في ساحات الجامعات ويلبس رداء القضاة على أبواب المحاكم، تماثيل بالزي الفراتي وأخرى بالبزة العسكرية.. كان تمثال حافظ الأسد بحجم الوطن.

الحقبة الأسدية الثانية لم تشهد هذا الانتشار الكثيف لبشار الحجري أو البرونزي أمام عيوننا وكأنه كان يدرك أن الحقبة اللاحقة ستشهد تكسير التماثيل والبول عليها ورجمها بالأحذية فمرت المرحلة الأولى من حقبته سريعة أنهتها الثورة السورية فأصبح له شركاء في حكم الوطن والسيطرة عليه وبذلك لم يعد تمثاله يكفي ولا حجمه يغطي الوطن لترى في الشوارع حتى صوره أصبحت رفقة حسن نصرالله والرئيس الإيراني والرئيس الروسي وأحيانا رفقة شبيح من مقام رفيع (النمر مثلا) ولأن هذا الحضور المحدود أصبح أساسيا في بروتوكلات سيطرته على الوطن اضطر مؤخرا لمخاطبة الأهالي في إحدى محافظاته (حلب) من خلال خطاب متلفز يبارك لهم عودته لحكم المدينة كاملة التي أصبحت "آمنة" تحت عباءته، يسوق لهم الوعود والأمنيات بعد أن دمر هو وشركاؤه حاضرهم وماضيهم ومستقبلهم.

شركاء الأسد وعلى رأسهم الإيرانيون الذين تحكموا بالمنطقة من منطلقات عدة أسسوا لهم وجودا مديدا من خلال بشار وأمثاله ومن خلال الوجود المباشر ولنقل الوجود الفيزيائي فهاهو القتيل قاسم سليماني ينتصب تمثالا خشبيا رديء الجودة في لبنان وتحديدا في الجنوب ويطل على فلسطين المحتلة وكأنه الفارس المغوار الذي قتل على تخومها، دون حياء أزاح حزب الله الستار عن هذا التمثال ونشر صوره زاعما أن القتيل كان دؤوبا في سعيه لتحرير فلسطين بينما كانت الرسالة موجهة إلى "جيرانه" في لبنان ذاته فحواها أن الجغرافيا التي يسيطر عليها هي قطعة هاربة من إيران.

وهكذا تتسرب تقاليد الحكم الإيراني – الأسدي إلى لبنان وتطبق عليه تماما ليصبح لبنان الذي تخلص من حكم الأسد بدماء رفيق الحريري أسير حكم إيراني

 لم يحتاج الحزب إلا خمسين يوما لرفع هذا النصب بينما أي شيء في لبنان يحتاج ليتحرك شهورا وربما سنوات، بيروت البائسة المنتفضة بشبابها على الحكم والغارقة في أزمات اقتصادية ومعيشية كانت تحتاج هذا الجهد لإعادة الحياة لشرايينها لكن كان حزب الله وأمينه العام مشغولين ببناء التمثال الضخم ليعيدوا ذكرى الحقبة الأسدية الأولى في مناطق نفوذهم فيصبح التمثال بحجم الوطن ويصبح الوطن في التمثال... أما وطن منتفض ثائر فيكفيه تشكيل حكومة بحجم حسان دياب تدير نفسها ذاتيا في فلك "التيار والمقاومة".

وهكذا تتسرب تقاليد الحكم الإيراني – الأسدي إلى لبنان وتطبق عليه تماما ليصبح لبنان الذي تخلص من حكم الأسد بدماء رفيق الحريري أسير حكم إيراني مطبق وفج بدماء قاسم سليماني وإن حظي الحريري بتمثال وسط بيروت فها هو "لبنان حزب الله" يمنح سليماني تمثالا أكبر، وبينما كان الحريري عرضة لكثير من تجاوزات الحزب حيا وميتا - بل وهم المتهمون الوحيدون بقتله - يراد للتمثال الجديد أن يكون رمزا للبنان.

 أما الشعب اللبناني الذي تفاجئ بالتمثال عبَّر في معظمه عن استيائه وسخطه لكن هذا الشعب متعب وفاقد الرغبة حتى بالتصدي لتصرفات الحزب يجد بلده يسلب بكل شيء أمامه، ومن يساهم في عملية السطو المسلح هذه شركاءه المفترضين بالوطن الذين اختاروا إيران ورموزها وتركوا ما تبقى من لبنان لتحكمه حكومة من صنعهم  وليهرب البلد من بين أصابع أهله وهذا الوطن يغدو مجددا بحجم تمثال.