سليمان فرنجيّة الرئيس الإيرانيّ الأسديّ المنتظر

2023.02.02 | 07:16 دمشق

سليمان فرنجيّة الرئيس الإيرانيّ الأسديّ المنتظر
+A
حجم الخط
-A

في معرض ترويجه لترشيحه الرئاسي قال سليمان فرنجيّة رئيس تيار المردة المرتبط بالنظام السوري، إنّه قادر على أن ينتزع من سوريا ما لا يستطيع أحد انتزاعه، موحياً أنّه يمثّل صيغة ضبط تستطيع الوصل بين العرب وإيران، وما يستتبع ذلك من ترتيب تسويات عامة.

وبعد أن شهدت العلاقات العربيّة السوريّة اندفاعاً ملحوظاً للتطبيع مع الأسد وشرعنة الإتيان برئيس أسديّ في لبنان، جاءت الإشارات الواردة من السعوديّة لتعلن عن تحفظ شديد على اسم سليمان فرنجيّة.

الأسباب الموجبة لهذا المواقف تعود إلى أن الأسد نفسه بات مشروعاً إيرانيّاً روسيّاً بالكامل، وكان التطبيع معه أحد عناوين الصراع مع إيران.

اختلفت الأمور في هذه المرحلة حيث تسبّب انهماك الروس في الحرب الأوكرانيّة بتقوية موقع إيران في الداخل السوريّ وتحوّل النظام إلى ما يشبه الفصيل الإيراني.

تسهيل انتخاب رئيس أسدي للبنان ليس سوى تمكين وضع إيران في المنطقة، بعد أن كانت الظروف تدفع في اتجاه فصل المسارات بين الأسد وطهران. لم يعد هناك مسار أسديّ مستقل، بل باتت المسألة الأسديّة ملحقةً بالكامل بالنفوذ الإيراني.

ترشيح فرنجيّة يهدف إلى انتزاع اعتراف بأنّ المقتلة السورية وحرب الإبادة التي شنّها الأسد طوال سنوات لم يحدثا على الإطلاق، أو أنّ مقارعة الإرهاب والتكفير باتت عنواناً حقيقيّاً وشرعيّاً.

لطالما كان عنوان محاربة التكفيريّين مخرجاً أساسيّاً لتفريج الأزمات الداخليّة في سوريا وفي لبنان وإيران كذلك

ليس من قبيل الصدفة إعادة نشر الأخبار التي تنفرد بها جريدة الأخبار الناطقة باسم حزب الله، عن إحباط قوى الأمن اللبنانيّة لعمليات تحمل توقيعاً داعشيّاً، بالتزامن مع جولات رئاسيّة يقوم بها فرنجيّة على القوى والمرجعيات السياسيّة والدينيّة قبل إعلان ترشيحه رسميّاً، في ظل جو يشي بسعي حزب الله بالتعاون مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى تركيب لعبة برلمانيّة تكرّسه رئيساً بغالبيّة الـ65 صوتاً.

لطالما كان عنوان محاربة التكفيريّين مخرجاً أساسيّاً لتفريج الأزمات الداخليّة في سوريا وفي لبنان وإيران كذلك.

من هنا يراد تحميل ترشيح فرنجيّة عنوان محاربة الإرهاب تحت ظلال حلف يشمل لبنان والنظام السوريّ، لكي يتم فرض تعريف للمجزرة الأسديّة الإيرانيّة يقول إنّها كانت حرباً وطنية عظمى ضد الإرهاب، وتالياً يستحق المشاركون فيها نيل السلطة الكاملة في البلدين كمكافأة على ما بذلوه من تضحيات.

السؤال لماذا تدفع إيران عبر حزبها في لبنان في اتجاه دعم انتخاب رئيس بملامح أسديّة على حساب جبران باسيل الذي يعلن عن استعداده لمقايضة موقع الرئاسة بالأيرنة الشاملة وفي الميادين كافة؟

المسألة مرتبطة بالساحة السورية. موضوع الرئاسة اللبنانيّة يتفرع منها ويرتبط بها، إذ إنّها لا تزال الساحة التي تحكم الصراعات، والتي تدار من خلالها الكباشات في المنطقة.

الإصرار على ترشيح فرنجية بما يستتبعه من خلاف بين حزب الله وحليفة المسيحي جبران باسيل يأتي ليترجم طبيعة الصراعات القادمة ويفسرها بشكل يؤكّد أنّ إيرانيّة فرنجية في صيغتها الأسدية القائمة حاليّاً تتفوق بما لا يقاس على إغواءات الأيرنة التي يبديها باسيل، لأنها تعني إمساكاً كاملاً بمفاصل القرار من دون حاجة إلى تنازلات ومساومات في الداخل اللبناني.

لا يحمل فرنجيّة شعار حقوق المسيحيّين بما يفترضه من إعادة توزيع للنفوذ والمناصب في تركيبة السلطة اللبنانيّة، ولا يقدّم نفسه بصفته منتجاً لشرعية الحليف عبر جماهيره، بل يقدّم نفسه كواجهة لمشروع أسديّ بات تحت الوصاية الإيرانيّة.

تجد إيران نفسها في مأزق مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات واتساع رقعتها لتشمل معظم مناطق البلاد، وكذلك مع عزم رئيس حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل بنيامين نتنياهو على شنّ حرب عليها باعتبارها تهديداً شاملاً.

وكان لافتاً أنّ إيران ردّت على استهداف إسرائيل لمواقع عسكريّة في الداخل بإرسال شاحنات محمّلة بالسلاح إلى سوريا.

تحاول إيران إبعاد كأس الضربات عن أراضيها عبر إشعال حرب مع إسرائيل، في حين تبدي حكومة نتنياهو استعداداً لفتح معركة على عدة جبهات انطلاقاً من سوريا التي ترى فيها الجبهة الأكثر تهديداً، لأنّها مفتاح كلّ الجبهات والمدخل الرئيسيّ لتهريب سلاح صاروخيّ يمكنه استهداف الداخل الإسرائيلي.

مشروع ترئيس فرنجية الذي لا يحظى حتى الساعة بترحيب خارجي يؤدي وظيفة توحيد الساحتين السوريّة واللبنانيّة في إطار مشروع تخفيف الضغط عن إيران.

بينما يزداد وضع ايران تأزماً في الداخل فإن موقعها في سوريا يتمتّن ما قد يساعدها على خلق ساحات متعددة لحروبها مع إسرائيل انطلاقاً من الداخل السوري

مساعدة إيران لروسيا في الحرب الأوكرانيّة مكّنت التحالف بينهما على حساب التعاون الروسيّ الإسرائيليّ بعد أن أجبرت إدارة الرئيس الأميركي بايدن الإسرائيليّين على تقديم مساعدات عسكريّة لأوكرانيا مقابل مشاركتها وتغطيتها لاستهداف منشآت عسكريّة في إيران.

هكذا بينما يزداد وضع ايران تأزماّ في الداخل فإن موقعها في سوريا يتمتّن ما قد يساعدها على خلق ساحات متعددة لحروبها مع إسرائيل انطلاقاً من الداخل السوري.

هكذا يمكن خلق جبهة ثلاثيّة تشمل لبنان ويمكن كذلك وصلها مع الداخل الفلسطينيّ عبر المنظّمات الموالية لها.

فرنجيّة في هذا المقام يلعب من داخل الاستراتيجيّة الإيرانيّة دور رئيس تجميع الساحات الذي يمكن أن يعطي لحربها السوريّة التي لم تسفر عن نتائج واضحة المعالم معنى الدفاع عن النظام الإيرانيّ وعن نظام سوري بات مركزاً لنفوذ إيران في المنطقة، حيث إنّ الارتباط به يعني تفعيل فكرة المحور المتعدّد الشبكات والموحد الولاء.

رئيس تيار المردة، الأسديّ الوجه والإيرانيّ الولاء، يعتقد أنّه قادر على الترويج لربط مشروعه الرئاسيّ بنهاية المجازر في سوريا والأزمات والفوضى في لبنان، في حين أنّه ليس سوى التتويج الأقصى لنتائجها والعنوان العريض لاستمرارها.