سلامة كيلة القريب من الثورة والشعب

2021.10.03 | 07:15 دمشق

_115835_salag.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما الذي يمكن قوله عن "حادثة" وفاة المفكر السوري الفلسطيني سلامة كيلة (2 تشرين الأول أكتوبر 2018) سوى أنها تمت نتيجة أغلاط ارتكبها على التوالي كل من نظام الأسد والسلطات الفرنسية التي رفضت السماح له القدوم إلى أراضيها لتلقي العلاج، إضافة لبعض النافذين في المعارضة..؟

نعم إن وفاة سلامة كيلة حادث يرقى إلى أن يكون فعلا جرميا غير مباشر، لو أمكن اعتبار الإهمال فعلا، أو لو اعتبرنا الموت المتأتي عنه، جريمة !

في الواقعة المشار إليها يتوفر عنصر غير إنساني، وهو إهمال إنسان مصاب بالسرطان بحاجة للرعاية الطبية، بغضّ النظر عن هوية هذا الإنسان وعن عمله ودوره ومكانته، فكيف إذا كان كاتبا مفكرا ومثقفا وسياسيا نذر نفسه بالكامل لخدمة الشعب والثورة السورية والشعوب العربية المنتفضة كما لخدمة فلسطين وشعبها؟

لا تتحمل السلطات الفرنسية وحدها المسؤولية، بل إن هذه المسؤولية تتحملها الدوائر النافذة في مؤسسات المعارضة السورية التي لم تفعل ما يلزم لإنقاذ حياة إنسان نذر نفسه للشعب والثورة

إنه مريض مصاب بسرطان قديم رفضت دولة أوروبية دخوله أراضيها، لتلقي العلاج، وهي كانت قد سمحت له سابقا بتلقي هذا العلاج دوريا بمعدل مرة واحدة كل سنة، لمدة سبع سنوات أو أكثر، فلماذا ترفض سلطات هذه الدولة أن يراجع المشفى طوال سنتين تقريبا إلا إذا كانت غير مبالية بتطور حالته، وهذه السلطات تعرف يقينا أن حالة سلامة كيلة الصحية إلى مزيد من التدهور؟

لا تتحمل السلطات الفرنسية وحدها المسؤولية، بل إن هذه المسؤولية تتحملها الدوائر النافذة في مؤسسات المعارضة السورية التي لم تفعل ما يلزم لإنقاذ حياة إنسان نذر نفسه للشعب والثورة وكتب عنها أربعة كتب، وهو ما لم يفعله أي كاتب سوري آخر، لكن سبب تقصير تلك الجهات في المعارضة تعود لأسباب شخصية، فسلامة كيلة كان ينتقد تلك الجهات ولم يكن ليتغاضى أو ليصمت عن أخطائها بحق الثورة ..

خسارة كاتب من وزن سلامة كيلة بسبب لامبالاة هؤلاء تدفعنا للقول إننا كسوريين رافضين للاستبداد والظلم والكراهية والعنصرية الخ، لا بد أن نفسح مساحة لاختلاف وجهات النظر داخل صفوفنا.

وإننا لو كنا في الجهة الرافضة لكل الموبقات الإنسانية الوطنية لا ينبغي أن ننتهي إلى تهميش أو كراهية أو إهمال أو إلغاء بعضنا البعض، لأننا لو فعلنا ذلك لانتفى المبرر والمعنى من رفضنا ظلم وكراهية نظام الأسد.

في العودة إلى سيرة سلامة التي تشبه سيرة الرهبان من حيث إخلاصه وتفرغه للعمل والإنجاز الفكريين، لن تراه إلا محاطا بالأوراق والكتب، فقد كانت هذه عادته الأثيرة إلى قلبه منذ نشأته الأولى في "بير زيت" بفلسطين، حيث تقول أخته عن تلك المرحلة إن سلامة كان له ركن خاص في البيت يضع فيه طاولة وكرسيا، وهي لم تره إلا وهو يقرأ أو يكتب. بقيت هذه سيرته بعد أربعين عاما، في بيته في القاهرة.. في إحدى الأمسيات أخبرني سلامة أنه سينجز فصلا من كتاب يعمل عليه، ذلك المساء، تخيلت هذا الرجل النحيل، لكأنه نهر كلمات وحروف على شكل رجل، ما إن يمسك بالقلم أو يضع أصابعه على الكيبورد حتى يتدفق ..

الكتابة بالقرب من الشعب والثورة

أجمل ما في سلامة كيلة ككاتب ومفكر دؤوب ليس فقط أنه بقي مخلصا لمبادئ الثورة السورية وللشعب السوري حتى مماته، إنما أسلوبه السهل الواضح، فهو يكتب كما يتكلم الشعب وكما يفكر ويكتب، سلامة كيلة إنسان ومفكر وكاتب يكاد يذوب في ثورته وشعبه موضوعا وذاتا مضمونا وشكلا. إنه ابن الثورة والشعب ولم يكن يوما ابن النخبة المثقفة المتعالية كما بعض الكتّاب الذين يكتبون كما لو أنهم يترجمون نصوصا من لغات أجنبية فيتقصدون تعقيد أسلوبهم فلا يحصدون سوى ابتعاد جمهور القراء عنهم ويخسرون وظيفتهم كأداة تنوير وتوجيه ثقافي للشعب والثورة، ليزدادوا (هؤلاء الكتّاب) تقوقعا ويزداد التفاف تلاميذهم وأتباعهم حولهم كلما ازدادوا ضبابية في الأفكار، وكلما تعقدت نصوصهم وتقعّر أسلوب كتابتهم ..

حاول سلامة كيلة خرق هذه القاعدة فهو كاتب ماركسي لكن هذا لا يمنعه من أن يكون قريبا من الشعب

في خضم الثورة ظهر شرخ ما بين منتجي الفكر السياسي والجمهور العريض للثورة، لأسباب متعددة، مثلا المشكلة في كتابات سلامة ومن كان مثله أنها لم تكن معروفة على نطاق واسع من جمهور الثورة لأنهم صنفوا من الجمهور كماركسيين، أو أن هذا الجمهور كان يتعامل مع صاحب الكتابات هذه على أنه فلسطيني غير معني بالثورة السورية، ومن ناحية مقابلة فإن كتابات الكتاب النخبويين "العاجيّين" -إذا صحّ التعبير- لا تصل بطبيعة الحال إلى عامة شعب الثورة بسبب صعوبة وتكلّف ونخبوية نصوصهم واعتمادهم على الصحف العربية أو المواقع السورية محدودة الانتشار.. فلم تبق جهة يستورد منها جمهور الثورة أفكاره إلا جهة الإسلاميين بإعلامهم القوي وموقع يوتيوب الذي أبدعوا في استغلاله أيما استغلال لإيصال أفكارهم السياسية.. وبطبيعة الحال فانتشار اليوتيوب أوسع بكثير من انتشار الصحافة المقروءة أو من انتشار الكتب..

حاول سلامة كيلة خرق هذه القاعدة فهو كاتب ماركسي لكن هذا لا يمنعه من أن يكون قريبا من الشعب فلا يترك شباب الثورة لدعاية الإسلاميين وأبواقهم، لذلك بذل جهدا مضاعفا ليبقى قريبا منهم ليس بالمعنى الفيزيائي فحسب بل أيضا بأسلوب كتابته السهل الواضح جدا الذي تخاله أحيانا أسلوب الشارع والناس البسطاء.

سلامة كيلة الإنسان نقي القلب، المحب للناس، المؤازر لهم، القلق لأجلهم، الرجل المخلص لفلسطين الأرض المقدسة والمقاتل المدافع عنها كما المخلص لسوريا ومصر وتونس وللبلاد العربية

سامحنا يا سلامة..