سلاح لا إنساني

2023.01.06 | 06:11 دمشق

سلاح لا إنساني
+A
حجم الخط
-A

رغم التأكيد المستمر لأعضاء مجلس الأمن، والدول المجاورة لسوريا، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن، والأمين العام للمنظمة الأممية، على ضرورة تجديد إطار العمل في مجلس الأمن وضمان الوصول غير المُقيّد للمساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى السوريين المحتاجين في جميع أنحاء البلاد، وبكافة السبل، ومطالبتهم بأن يكون هذا الأمر إلزامياً على مستوى كل الأطراف المتدخلة في سوريا، إلا أن روسيا وحدها تُفكر بشكل مخالف وشاذ، وتُصرّ على أن تمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري هو سلاح يجب أن تستخدمه على الرغم من لا إنسانيته.

إيصال المساعدات عبر الحدود عمل إنساني يؤثر على ملايين السوريين، وتعطيله سيتسبب بتداعيات خطيرة، بل وربما بمآس إنسانية ملموسة على كافة الأصعدة، ستطول المواطنين العاديين، كبيراً وصغيراً.

كل هذا لا يؤثر بصُنّاع القرار الروس، الذين يرون أن المزيد من المآسي السورية ستزيد من أوراق الضغط التي بين أيديهم على المستوى الدولي.

في كل مرة يقترب فيها موعد التصويت في مجلس الأمن الدولي على تمديد الآلية الخاصة بتمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود، يبدأ الروس بالسعي لعرقلة قرار التمديد

آلية إيصال المساعدات عبر الحدود أُقِرّت عام 2014 بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2165)، تمكنت بموجبه الأمم المتحدة من تقديم المساعدات الإنسانية من أربعة معابر حدودية خارج سيطرة النظام السوري، وعرقلت روسيا المشروع لاحقاً عام 2019، وتم إغلاق معبر اليعربية بناء على اشتراطها، وفي عام 2020 وافقت على تمرير القرار في مجلس الأمن لكن عبر معبر وحيد فقط (باب الهوى)، وأغلق الفيتو الروسي ثلاثة معابر، كانت تُعتبر شرايين حياة لسوريين في الداخل.

في كل مرة يقترب فيها موعد التصويت في مجلس الأمن الدولي على تمديد الآلية الخاصة بتمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود، يبدأ الروس بالسعي لعرقلة قرار التمديد، مهددين حياة ملايين من السوريين في الشمال الغربي، بل ويُصعّدون عسكرياً، وهذا أسوأ ما في الأمر.

معظم دبلوماسيي بعثات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وألمانيا وكندا والاتحاد الأوروبي حذّروا من مخاطر سيدفع ثمنها ملايين السوريين فيما لو استخدمت روسيا أو الصين الفيتو ضد قرار تمديد إدخال المساعدات، لكن الروس لا يريدونها أن تمر عبر معابر خارجة عن سيطرة النظام لعدة أسباب، أهمها رغبتهم بأن يُقايضوا هذا الملف بملفات أخرى، أو ليكسبوا أمراً سياسياً في الشرق الأوسط أو أوكرانيا مثلاً، فضلاً عن رغبتهم بدعم النظام مالياً وإنعاش اقتصاده المتهالك.

دائماً من المستبعد تحقيق تقدم على صعيد ملف إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود دون الضغط على روسيا، ويبقى الموقف الأميركي هو الفيصل في عملية الضغط في هذه القضية.

الآن، تُعطي الولايات المتحدة أولوية للملف الإنساني في سوريا - وربما لا تُعطي لأي ملف آخر أية أولوية - ومن المتوقع دائماً أن تُمارس ضغطاً كل مرة، ضغطاً مباشراً أو غير مباشر، لكن مع تعقيدات الحرب الروسية – الأوكرانية، من غير الواضح مدى جدوى وتأثير الضغط الأميركي هذه المرة.

فيما لو نجح الروس في مسعاهم اللا إنساني، سيكون هناك تأثيرات لعدم تجديد قرار تمرير المساعدات عبر الحدود، أهمها أن تظهر روسيا كقوة ضاربة ومُقرِّرة في سوريا، مقابل ضعف بقية القوى الدولية، وهنا بيت القصيد بالنسبة لروسيا.

كذلك فإن تحويل المساعدات لتمر عبر النظام السوري، سيحرم شمال غربي سوريا خصوصاً من أهم شرايين الحياة، وهذا سيؤثر على ملايين النازحين والمهجرين، وسينتج عنه تداعيات كارثية سلبية وخطيرة على المنطقة، كما ستُفتح أبوب جديدة للفساد، حيث سيتلاعب النظام السوري بحجم المساعدات وطريقة إدخالها ونسب توزيعها، ولن يصل لمن يستحقها سوى جزء بسيط منها، والأمر الأخير الذي تُشير إليه بعض الجهات السياسية، هو احتمال أن يؤدي فتح المعابر بين مناطق النظام والمعارضة إلى اختراق هذه المناطق أمنياً وعسكرياً.

إن لم يتم التمديد لقرار تمرير المساعدات عبر الحدود، قد تلجأ الأمم المتحدة إلى تمرير مساعداتهم عبر المنظمات الأممية، ومنها عبر المنظمات المحلية، كالهلال الأحمر أو منظمات سورية تابعة للنظام السوري وتأتمر بأمره، وهذا سيكون له نفس أخطار تمرير المساعدات عبر النظام، لأن هذه المنظمات ليست حيادية.

تُظهر التهديدات الروسية المستمرة لهذا الملف ضعف الأمم المتحدة، والخطأ في نظام استخدام قرار النقض (الفيتو)

أو، إن ذهبت الأمم المتحدة إلى أبعد من ذلك، فإنها قد تُفكّر بتحويل التمويل من المانحين إلى المنظمات الدولية التي تنشط في سوريا، أميركية وأوروبية وتركية، وهذه المنظمات لا تحتاج إلى تفويض أممي، لكن هذا الخيار تعوقه صعوبات أهمها عدم امتلاك هذه المنظمات القدرة اللوجستية والقانونية والتشغيلية لإيصال المساعدات.

بالعموم، تُظهر التهديدات الروسية المستمرة لهذا الملف ضعف الأمم المتحدة، والخطأ في نظام استخدام قرار النقض (الفيتو)، ولهذا، يبقى الحل الجذري والمستقر هو المضي قدماً في المسار التفاوضي السياسي، وتشجيع الأطراف المتدخلة والمعنية بالقضية السورية، على دفع الملف ليحظى بأولوية واهتمام دولي واسع، ليجد السوريون حلاً جذرياً لكل مآسيهم، حلٌ يستند إلى القرارات الأممية وعلى رأسها القرار 2254، والمضي به عملياً سيعني حتماً فصل الملف الإنساني عن المسار السياسي، عندها ستستمر المساعدات لكل من يحتاجها فعلاً، وسيمضي السوريون في رسم دولتهم المأمولة، دون خوف من عنجهية روسية تُهدد مصير ملايين السوريين.