سرت.. عقدة الملف الليبي ومحور الصراع الدولي

2020.06.24 | 00:00 دمشق

992c8b33-a8eb-48a1-9929-fc79f853881a.jpeg
+A
حجم الخط
-A

أثار اقتراب حكومة الوفاق الوطني الليبية المدعومة تركياً من مدينة سرت المتوسطة للطريق الدولي الساحلي، موجة من ردود الأفعال الدولية والإقليمية ذات النبرة المرتفعة والمختلفة إلى حد كبير عن السابق.

أولى ردود الأفعال الدولية تمثلت في محاولة فرنسا اعتراض سفينة تركية في طريقها إلى الساحل الليبي، وذلك في السابع عشر من حزيران الجاري، ونتج عن ذلك احتكاكاً بين فرقاطات تركية وسفينة حربية فرنسية، لتصعد باريس لهجتها عبر بيان للخارجية اتهم تركيا بأنها تشكل عائقاً أمام إحلال السلام في ليبيا بسبب خرق تصدير السلاح.

وفي العشرين من حزيران أطل رئيس النظام المصري "عبد الفتاح السيسي" من على الحدود المصرية الغربية مع ليبيا، ليعلن أن سرت والجفرة خط أحمر بالنسبة لمصر، ويلوح بخيار تدريب أبناء العشائر في شرق ليبيا.

تعتبر مدينة سرت عقدة وصل بين شريط الساحل الغربي والشريط الشرقي الليبي، إذ تتوسط المسافة بين طرابلس وبنغازي، بالتالي هي عقدة ربط مهمة بين غرب ليبيا وشرقها المتنازعين.

وإلى شرق المدينة توجد قاعدة القرضابية الجوية، وجنوبها على بعد 300 كيلومتر تتموضع قاعدة "الجفرة"، حيث تتيح هاتان القاعدتان السيطرة الجوية على جنوب وشرق ووسط البلاد.

الموقع الجغرافي الهام لمدينة سرت يجعل منها بوابة التقدم إلى شرق ليبيا، وبالتالي انتقال حكومة الوفاق الوطني والدول الداعمة لها من حالة الدفاع عن طرابلس والغرب الليبي إلى حالة الهجوم باتجاه معاقل قوات "حفتر" والقبائل المساندة له.

ويحتوي حوض سرت الذي يضم منطقة الهلال النفطي، 16 حقلاً للنفط والغاز تنتج قرابة 80% من إجمالي النفط والغاز الليبي، ويسود الاعتقاد أن هناك حقولاً إضافية في هذا الحوض لم يتم اكتشافها بعد، مما أزكى الصراع الدولي عليها خاصة بين شركة "توتال" الفرنسية وشركة "إيني" الإيطالية، بالإضافة إلى المؤسسة التركية للبترول التي تعتزم البدء بأعمال التنقيب بموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية، والتي لن تكون فائدتها كبيرة بالنسبة لأنقرة دون أن تمتد سيطرة "الوفاق" إلى حوض سرت.

وصول تركيا إلى حوض سرت وحصولها على استثمارات من أجل التنقيب عن الغاز والنفط، يشكل تهديداً للطموح المصري بالتحول إلى منصة لتصدير الغاز المسال إلى دول أوروبا بدلاً من تركيا، حيث شاركت القاهرة في تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط في مطلع عام 2019 إلى جانب إيطاليا واليونان وقبرص وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية دون تركيا ولبنان، بالمقابل فإن أنقرة تدرك بأنها لن تتمكن من فك الطوق الذي تسعى دول حوض شرق المتوسط وعلى رأسها مصر واليونان فرضه عليها دون أن تستكمل عملياتها وتدخل سرت ومنطقة الهلال النفطي.

ولا تبدو روسيا أيضاً بعيداً كثيراً عن الصراع على سرت وحوضها، إذا تنتشر مجموعات من ميليشيا "فاغنر" بالقرب من قاعدة القرضابية، وتساندها طائرات حربية روسية متمركزة في قاعدة الجفرة، حيث أنشأت "فاغنر" حقول ألغام في محاور غرب سرت من أجل إعاقة تقدم قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا.

ويأتي اهتمام موسكو في هذه البقعة الجغرافية من استراتيجيتها القائمة على التحكم بتدفق الطاقة إلى دول أوروبا بهدف التأثير في قرارها السياسي.

ويبدو أن تركيا تركز حالياً على كسب المعركة السياسية تمهيداً للحسم الميداني، وذلك من خلال تعزيز الانقسام داخل الموقف الأوروبي، حيث استقبل وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" نظيره الإيطالي "لويجي دي مايو" في التاسع عشر من الشهر الجاري، واتفق البلدان على مواصلة العمل المشترك في ليبيا، ليزور بعدها وفد أمني إيطالي طرابلس لبحث سبل التعاون المشترك مع حكومة الوفاق الوطني.

وتعمل أنقرة أيضاً على الاستفادة من مخاوف حلف شمال الأطلسي وعلى رأسه البنتاغون الأميركي من تعاظم النفوذ الروسي في ليبيا، وذلك من أجل حشد تأييد الحلف وواشنطن ودعمهم في التقدم إلى سرت.

وتبقى مسألة نشوب نزاع عسكري مباشر بين مصر وتركيا من أجل سرت مستبعدة، إذ لا يزال خيار الجانبين دعم فاعلين محليين ومساندتهم استخباراتياً ولوجستياً من أجل تحصيل المكاسب الميدانية.