سبعون شمعة حارقة في عيده السبعين

2022.10.18 | 07:12 دمشق

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
+A
حجم الخط
-A

في عيد ميلاد بوتين السبعين، قالت مجلة "نيوزويك" إنه بدلاً من أن يضيء سبعين شمعة فرح، هناك سبعون مصيبة تجعل هذه المناسبة تعيسة على القيصر الصغير. والحقيقة أن أفعال هذا الرجل كفيلة بأن تضمن له سبعمئة مصيبة بالانتظار، إذا لم يسارع إلى ظبط عُقَدِه والتوقف عن نزعته الانتقامية الإجرامية.

في المصائب التي صنعتها يداه في الأشهر الماضية، تورط بوضع العالم على رؤوس أصابعه، ولكنها وضعته في حجمه الطبيعي، وفضحت الدولة التي يتوهمها قوة عظمى. ذكرت المجلة فعلياً سبعين نقطة تجعل هذه المناسبة غاية في التعاسة عليه.

ففي خسائر روسيا  العتادية والبشرية، تدرج "نيوزويك" نقلاً عن مصادر موثوقة:

- مقتل أكثر من 60  ألف جندي بينهم قادة كبار كـ(رومان كوتوزوف، والفريق ياكوف ريزنتسيف، و اليكسي ناجين، قائد في عصابة فاغنر) -  وتدمير 2449 دبابة - وإغراق 15 سفينة - وإسقاط 266 طائرة - واغتنام أوكرانيا 1200 مركبة عسكرية ووحدة أسلحة من انسحاب روسيا - ومعنويات جنده محطمة مع استمرار الحرب، ونقص في التدريب والمعدات والغذاء - ولجوؤه إلى التهديد المبطن بالنووي ودعوته للتعبئة دلائل تُفْصِح عن هزيمة  - وتَمَنُّع شباب روسيا عن الالتحاق، ومغادرة روسيا، وكسر أذرعهم أو أطرافهم كذرائع تمثِّل إشارات على الفضائح - واحتجاجات وانتقادات، حتى من أكثر الجهات التصاقاً ببوتين كـ("قاديروف"، عميله في الشيشان، "بريغوزين" الذي أسس لبوتين عصابات فاغنر)  - وهجرة الأدمغة - والشقوق التي بدأت تظهر في كل مكان في جبهته الداخلية الخلبية - ونمو حلف الناتو بشكل أكبر مع انضمام فنلندا والسويد، ما يعاكس أحد أهداف حربه الأساس - وأسلحة الناتو النووية على بعد    من موسكو -  كثيرون يقولون إن وزير الدفاع سيرجي شويغو قد يطلق النار على نفسه - ومسؤول روسي كبير يتوقّع  نهاية عهد بوتين.

في الاقتصاد، - شبه شلل بسبب العقوبات - وروسيا في عزلة عالمية - وسباق دولي على مقاطعة بضائعها وصادراتها - وأوروبا لم تضعف بسبب قيام روسيا بقطع الغاز، بل تماسكت وقويت بعكس ما أراد - و 1000 شركة عالمية غادرت موسكو - وتخفيض إنتاج أوبك+ لن ينفعه.

في المتفرقات، - يتم إلغاء ومقاطعة مشاركة روسيا في الفعاليات الرياضية العالمية - وتعرض بوتين للإذلال العلني من قبل قادة آسيا الوسطى والرئيس التركي رجب طيب أردوغان - وتستمر الشائعات حول صحته بالانتشار حيث أفاد موقع إلكتروني معارض أن مختصا بالسرطان قد زاره 35 مرة على الأقل في الفترة الماضية. -و اعتقال الرجل أو اغتياله قد يحدث في أي لحظة؛ وهذا على ذمة "نيوزويك"، ومن اقتبست منهم.

أما في المصائب الإضافية، والتي لم تأت المجلة على ذكرها، فيكفي بوتين أنه حَمَى مجرمين قتلوا شعبهم كما يفعل هو. حماهم من أي عقوبة في مجلس الأمن؛ وساهم بتدمير بلد وشعبه لمجرد مطالبته بالحرية والعيش الكريم؛ ووضع نفسه في موقع الذليل أمام إيران، كي تقف معه في المصائب التي يرتكبها في أوكرانيا؛ والآن يخدمها في تنفيذ مخططها في الشمال السوري عبر قصف المدنيين؛ وباع هيبة روسيا لإسرائيل وقدّم أوراق اعتماده لها؛ وجعل من نفسه رهينة بيد المصالح التركية، التي تفتح أو تغلق له باب التفاوض في أوكرانيا، التي ترفضه حتى يخرج قوات احتلاله؛ وخسر أي إمكانية أو احتمال للاندماج بالعالم المتقدم حضاريا واقتصادياً، معيداً الهمجية التي أُلصِقَت بشعبه تاريخياً؛ حيث ثبّت ما قالته أمريكا ان روسيا دولة إقليمية قوية وليست قوة عظمى.

يكفي بوتين أنه حَمَى مجرمين قتلوا شعبهم كما يفعل هو. حماهم من أي عقوبة في مجلس الأمن؛ وساهم بتدمير بلد وشعبه لمجرد مطالبته بالحرية والعيش الكريم

ومؤخراً، تفجير جسر "كيرتش" الواصل روسيا بجزيرة "القرم"، الذي هزَّ كيانه حتى الجذور لمعانيه الكثيرة بالنسبة إليه؛ ومن هنا كانت ردة فعله باستهداف المدنيين وارتكاب المزيد من جرائم الحرب، ليصبح كالقط الذي يلعق المبرد. وهذا جرّه إلى التوقف عن استخدام مصطلح "عملية عسكرية في أوكرانيا"، واستخدام مصطلح "الحرب في أوكرانيا"… العبارة التي تحاشى استخدامها حتى الآن، خشية من التبعات.

بناءً على كل ما سبق، يتبيّن أن مَن بدأ عهده بحرق غروزني، وإنشاء مافيات اقتصادية على حطام الاتحاد السوفييتي، وفتح حربا مع جيرانه عندما لم يخضعوا لدكتاتوريته؛ ثم لاحقاً بغزو سوريا وهو يجرّب أكثر من 300 صنف سلاح ليقول للعالم ان أسلحته لم تعد خردة؛ وهي بالحقيقة غبية كبراميل نظام الاستبداد؛ ها هو الآن يذل ذلك العسكري الروسي الذي انتصر على النازية في الحرب العالمية الثانية؛ ها هو يزرع عداوة بين الروس والأوكران لقرون قادمة. وهنا يسأل كل معنيٍّ بالشؤون الدولية والروسية تحديداً: ماذا أبقى منجم الدكتاتورية والعُقَد هذا من روسيا ديستوفسكي وغوغول وبوشكين وتولستووي؟ هل كان فعلاً هاجسه الخوف من انضمام أوكرانيا وغيرها لحلف الناتو؟! والحقيقة، ليس هذا هو السبب. إنه خشية الدكتاتورية من الحرية والديمقراطية التي تهز عروش الفساد والإجرام، ومن جانب آخر، هل كانت  مشكلة بوتين مع نازية ويمين متطرف؟! أليس هو الذي يصرف الملايين في دعم تلك البؤر والخلايا اليمينية المتطرفة أينما وُجِدَت عالمياً. هل هو القلق من يهودية زيلينسكي، وهو الذي يحرص على نيل الرضا اليهودي، بتقديم أوراق اعتماده لإسرائيل كلما وجد لذلك سبيلا؟!

ويبقى السؤال الأكبر لإيجاد مخرج من هكذا كارثة تحوم فوق كوكبنا، وتحبس أنفاسه: هل يمكن لجنرالات بوتين القيام بشيء لوقف احتباس الأنفاس هذا؟! وهل هذا بالظبط ما يخيف بوتين ويجعله مرتبكاً، يتصرف بهذه الدرجة من الحماقة؟! وهل هناك أمل في صحوة من نوع ما؟! العرف السائد يقول إنه يصعب على دكتاتور أن يعترف بأخطائه؛ فمن شِيم هؤلاء المكابرة والتهوّر والانفصام عن الواقع؛ إلا أنهم  يتّصفون بالجُبن؛ والبقاء يكون لديهم فوق كل اعتبار؛ إلا إذا تغلّب عنصر الانتحار؛ والأمثلة لا تُعد ولا تحصى.

خلاصة قول العاقلين هو أن ما ينجي بوتين هو الاعتراف بالأخطاء، ولو مواربة، وخاصة ما تم في سوريا، وهي الأقل كلفة لأسباب يصعب حصرها ها هنا. وأول ما عليه فعله هو المساعدة في إزاحة منظومة الاستبداد الأسدية، حيث كثيرون لن يتأسفوا على زوالها؛ وفي الوقت ذاته تزيح عن كاهل بوتين محاسبة تنتظره على جرائم ارتكبها أو اشترك فيها، من جانب، وتشبع لديه جشعاً مادياً ستولّده إعادة الإعمار والأموال خلفها، إضافة إلى تعطيل مشروع الملالي، وكسب ود الخليج الذي يريد تعطيل المشروع إياه، وفي الوقت ذاته يبزّ أمريكا التي تخنقه، ويسعى للمضاربة عليها في المكان نفسه. هكذا ينجو وينجّي روسيا؛ ولا زال طريق الصفح مفتوحاً. فهل يفعلها، ويخيّب الأماني والتوقعات؟! لديّ شكوك.