زيارة ماكرون إلى لبنان.. قد يكون القادم أعظم!

2020.08.08 | 00:00 دمشق

20200806_2_43782791_57263182.jpg
+A
حجم الخط
-A

حرص الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" على أن يكون أول رئيس أجنبي يصل إلى بيروت عقب الفاجعة التي ضربت العاصمة اللبنانية، المتمثلة في الانفجار الضخم الذي هز المرفأ وأحدث خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وتسبب بتحويل العاصمة إلى مدينة منكوبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

سلوك "ماكرون" وتصريحاته خلال الزيارة والأجواء التي رافقتها تركت أكثر من علامة استفهام حول الأهداف الحقيقية لها، وما إذا كانت تأتي فقط في سياق التضامن مع لبنان أم أنها مقدمة لتلعب فرنسا دوراً طليعياً في إعادة صياغة المشهد السياسي اللبناني؟

بعض وسائل الإعلام تحدثت عن تسليم لبنانيين إلى "ماكرون" عريضة وقع عليها قرابة 50 ألف لبناني، دعوا فيها إلى إعادة الانتداب الفرنسي على لبنان، وهذه الخطوة عادة ما تلجأ إليها الدول عندما تريد إضفاء نوع من الشرعية الشعبية على تحركاتها في منطقة ما.

اللافت أكثر هو تجول "ماكرون" في أحياء بيروت بمفرده وكأنه قائد سياسي لهذا البلد، ثم ظهوره في مؤتمر صحفي وحيداً دون حضور مسؤولين سياسيين لبنانيين، وحديثه عن وقوف فرنسا إلى جانب الشعب اللبناني، والتأكيد على أن المساعدات التي ستقدمها بلاده ستصل إلى جهات غير حكومية ولن يتم تسليمها إلى "الفاسدين"، وكأن الرئيس الفرنسي أراد نزع الشرعية بشكل كامل عن نظام الحكم اللبناني الحالي، وفتح الباب أمام التدخلات الدولية خاصة وأنه دعا إلى تحقيقات دولية في أسباب الانفجار المفجع الذي هز بيروت.

تاريخياً كانت لبنان وسوريا منطقة نفوذ فرنسية لوقت طويل، لكن العقود الأخيرة الماضية شهدت تراجع الدور الفرنسي في المنطقة لصالح دول أخرى كالولايات المتحدة وروسيا وإيران، ومؤخراً تركيا التي باتت تتحرك بخطى متسارعة في العديد من الدول العربية وفي شمال أفريقيا وفي حوض البحر المتوسط، ويبدو أن "ماكرون" يسعى لأن يكون القائد الفرنسي التاريخي الذي يعيد لباريس حضورها الدولي، وفي هذا السياق تأتي التحركات السياسية غير التقليدية التي تقوم بها إدارة "ماكرون" كالعمل المشترك مع روسيا في ليبيا، على حساب أمن ومصالح الدول الأوروبية حتى.

الصراع على الثروات الوفيرة لمنطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط يبدو أنه أحد المحركات الخفية وراء وصول "ماكرون" العاجل إلى لبنان لتسجيل المواقف، فامتداد النفوذ الفرنسي بشكل فعلي إلى لبنان سيدعم تحركات باريس ضد المنافسين الآخرين وعلى رأسهم تركيا في قضية استثمارات الطاقة في المنطقة التي توصف بأنها تعوم على بحر من الغاز والنفط، حيث إن الصراع بين باريس وأنقرة على أشده في ليبيا، ومن الواضح أنه في طريقه للانتقال إلى لبنان الذي يعاني من فراغ سياسي غير مسبوق ورفض شعبي للطبقة السياسية، ومن المؤشرات الواضحة على انتقال الصراع إلى لبنان هو وصول هيئة الإغاثة التركية خلال ساعات إلى بيروت ليتبعها "ماكرون" بعد ساعات قليلة فقط، في مشهد يوحي بأن المساعدات الإنسانية ستكون بوابة لتوسيع الأدوار في المشهد السياسي وربما العسكري.

كل المعطيات والمؤشرات الحالية تشير إلى أن ما فعله "ماكرون" في بيروت هو نقطة بداية فقط، قد تؤسس لنفوذ عسكري واقتصادي وسياسي حقيقي لاحقاً في بقعة جغرافية مهمة للغاية على صعيد الموقع والثروات والتأثير السياسي.

تأسيس هذا النفوذ في لبنان سيساعد فرنسا على المزيد من الهيمنة في منطقة شرق المتوسط، وسيتيح لها التأثير بشكل أكبر في مستقبل الحل السياسي في سوريا لما يتمتع به لبنان من أهمية بالنسبة لسوريا، ومن نافلة القول إن سواحل بيروت ستتيح لباريس العمل بشكل أفضل مع تل أبيب والتعاون على مختلف قضايا المنطقة.

بقي أن نقول بأن "ماكرون" قدم إلى بيروت متسلحاً بالتاريخ الذي جعل فرنسا تحظى بشعبية لدى مسيحي لبنان كونها لعبت دور المدافع عن حقوقهم في وجه الدولة العثمانية السنية، ومن هذا المنطلق يمكن أن نتوقع سعيا فرنسيا لتكريس الطائفية في لبنان لأنها ستساعدها أكثر على الاستثمار السياسي.