زيارة لافتة لعباس كامل وأحمد حسني إلى رام الله

2021.01.24 | 00:05 دمشق

51d4c557-3c7c-4b7d-b230-26007c0401fd.jpg
+A
حجم الخط
-A

زار رئيسا جهازي المخابرات المصرية والأردنية عباس كامل وأحمد حسني رام الله الأحد الماضي على نحو مفاجئ وغير معلن مسبقاً، حيث التقيا الرئيس محمود عباس بحضور نظيرهم ماجد فرج مسؤول المخابرات العامة الفلسطينية.

وسائل إعلام فلسطينية وعربية رسمية ومدجنة تحدثت عن الزيارة بصفتها دعما للسلطة الفلسطينية وقرارها بإجراء الحزمة الانتخايية الكاملة بالتتابع وليس بالتزامن، ولكن ضمن سقف زمني محدد بسبعة شهور.

واضح طبعاً أن هذا كلام دعائي عام ومنمق لأن الرئيس عباس كان التقى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني منذ فترة وجيزة، كما التقى وزير خارجية السلطة رياض المالكي نظيريه المصري والأردني سامح شكري وأيمن الصفدي في القاهرة منذ فترة قريبة أيضاً، ولم يكن إعلان دعم قرار إجراء الانتخابات الفلسطينية يستلزم إرسال رئيسي جهازي المخابرات علماً أنهما يديران في العادة ملفات سياسية مهمة وحساسة، كما هو الحال في أنظمة الاستبداد في العالم الثالث.

بشكل عام يندرج دعم مصر والأردن للسلطة والقضية الفلسطينية ضمن تحقيق مصالح فئوية للجهتين تحديداً فيما يتعلق بالانفتاح على إدارة جو بايدن الأميركية الجديدة، والاستعداد للانخراط في توجهاتها الإقليمية المغايرة وتشجيعها على الانخراط في عملية التسوية والملف الفلسطيني من جديد، وإزاحة صفقة القرن رؤية الرئيس السابق دونالد ترامب عن جدول الأعمال، علماً أنها مثلت كابوسا لعمان لتداعياتها السلبية الهائلة عليه. وفي السياق نفسه تسعى القاهرة لتقديم نفسها كلاعب إقليمي مركزي مستعد للعب ضمن قواعد الإدارة الأميركية الجديدة - بعدما كانت لاعباً مطيعاً أيضاً لدى ترامب وإدارته - وذلك سعياً لتخفيف الضغوط المحتملة ضدها فيما يتعلق بسجلها الكارثي تجاه حقوق الإنسان والتنكيل بالمعارضين على اختلاف انتماءاتهم وخلفياتهم السياسية.

أبو ظبي تريد مزاحمة القاهرة وعمان على الدور الإقليمي، وتقديم نفسها أيضاً لإدارة جو بايدن كلاعب مهم ومؤثر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل

المفارقة أن صحيفة إماراتية كانت استخدمت لغة مماثلة لجهة سعي الأردن ومصر لاستخدام القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب خاصة بهما، غير أن هذا الكلام الإماراتي يأتي على قاعدة الحق الذي يراد به باطل كون أبو ظبي تريد مزاحمة القاهرة وعمان على الدور الإقليمي، وتقديم نفسها أيضاً لإدارة جو بايدن كلاعب مهم ومؤثر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل.

وبالعودة إلى الزيارة الأمنية السياسية المفاجئة لرام الله، فلم نكن بحاجة حتى إلى الإعلام الإسرائيلي الذي تحدث على عادته بلغة مختلفة كي نفهم الأسباب الحقيقية لزيارة المسؤولين الأمنيين الملحة والعاجلة بعد ساعات فقط من إصدار المرسوم الرئاسي الفلسطيني بإجراء الانتخابات، والتي يمكن اختصارها بالاطمئنان إلى إجراء انتخابات معلّبة محدودة المخاطر ومسيطر عليها، كما هي العادة في أنظمة وسلطات الاستبداد. أما السبب الثاني فمرتبط مباشرة بما سبق ويتمثل بالسعي المصري الأردني مرة جديدة لإجراء مصالحة بين الرئيس محمود عباس والقيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان المقيم في عاصمة الثورة العربية المضادة أبو ظبي والمدعوم من القاهرة وعمان على حد سواء لأنه ينتمي إلى نادي الفلول مع حميمية في علاقته بالجنرال السيسي كونهما ينتميان إلى فئة الفلول الجدد على اعتبار أن محمود عباس كما الملك الأردني ينتميان إلى فئة الفلول القدامى التي قضت فترات طويلة في السلطة ونجحت بالتشبث بها رغم الأجواء العاتية للثورات العربية الأصيلة.

بتفصيل أكثر واضح أن القاهرة وعمان فوجئتا بسرعة إصدار المرسوم الرئاسي الفلسطيني القاضي بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية للمجلس الوطنى بالتتابع لا التزامن، ولكن ضمن سقف زمني محدّد بسبعة شهور، وأرادتا الاطمئنان إلى أن الانتخابات لن تؤدي إلى فوز المعارضة ممثلة بحركة حماس، ونشوء واقع فلسطيني يشبه ما جرى عربياً قبل عشر سنوات إثر اندلاع الثورات العربية الأصيلة. ببساطة أراد عباس كامل وزميله أحمد حسني ضمان أن الانتخابات ستكون معلّبة ومدجنة ومحدودة المخاطر بحيث لا تشبه تلك التي جرت زمن صعود الثورات العربية، وإنما كالانتخابات "النيابية" التي أجريت في البلدين بالشهور الأخيرة، ولأنهم يفهمون أن المشهد الفلسطيني مختلف ومن الصعوبة بمكان فرض قبضة استبدادية حديدية عليه كما هو الحال في القاهرة وعمان أرادوا التأكد من اتخاذ عباس الاحتياطات والاستعدادات المناسبة لتجاوز الانتخابات بأقل الخسائر، بحيث لا تؤدي إلى تغيير جدي في المنظومة السياسية الفلسطينية الفاسدة والمستبدة الحاكمة حالياً والمتماهية مع منظومات الاستبداد العربية المماثلة.

أما السبب الثاني للزيارة فمرتبط مباشرة بالأول ويتمثل بتقديم كامل وحسني مرافعة طويلة عن ضرورة ترتيب الصفوف داخل حركة فتح وتشكيل قائمة موحدة لضمان الفوز في الانتخابات، والمعنى هنا واضح وصريح ويتمثل بضرورة إجراء مصالحة فتحاوية داخلية مع محمد دحلان وتياره. وإذا كان من الصعب ترشيح هذا الأخير نفسه تشريعياً ورئاسياً فلا بأس من دمج رجاله وأنصاره في قائمة موحدة لحركة فتح لضمان الفوز وعدم تشتت الأصوات في حال مشاركتهم بقائمة منفصلة منافسة للحركة الأم.

يمكن توقع سماع كامل وحسني ما يطمئنهم أقله فيما يخص السبب الأول للزيارة، ولا شك أن عباس أخبرهم أنه يجري الانتخابات مضطراً نتيجة دعوات وضغوط أوروبية وأميركية وأوروبية، خاصة مع زيارة وفد من فريق الرئيس بايدن إلى رام الله نهاية الشهر الماضي ومطالبته بتجديد الشرعية القيادية ولا بد أن عباس شرح لهم أيضاً أهمية الانتخابات لاستعادة الدعم السياسي والاقتصادي الأميركي والغربي وخلق ظروف تسمح بتشجيع واشنطن على الانخراط مجدداً في ملف عملية التسوية بما ينعكس إيجاباً على القاهرة وعمان أيضاً.

أعتقد أن عباس أشار كذلك إلى أن موافقة حركة حماس على شروطه لإجراء الانتخابات، فاقمت الضغوط عليه بحيث لا يستطيع رفضها أو المماطلة فيها خاصة أنها تجري على ملعبه وفق القواعد التي رسمها فيما يخص إجراءها ضمن الواقع الحالي بإشراف الحكومة الفتحاوية الحالية وحصار غزة والأوضاع الكارثية فيها، وأنه سيقوم بتحسين أوضاع الموظفين فيها وتقديم منح وتسهيلات حياتية لتحسين فرصه وفرص فتح بالفوز، ولا بد أنه لفت أيضاً إلى وضع يده تماماً على السلطة القضائية مع القبضة الإدارية والأمنية للسلطة مع مساعدة إسرائيلية حتى إن يطلبها مباشرة ورسمياً للتضييق على حماس ومرشحيها تصبح مخاطرة الانتخابات محسوبة وفرص الفوز معقولة جداً وجدية وبالإمكان حتى التنصل من النتائج إذا لم تأتِ على هواه من خلال السلطة القضائية الموضوعة بالكامل تحت تصرفه.

أكدت أجندة زيارة عباس كامل وأحمد حسني إلى رام الله ما كنا نعرفه عن تكاتف وتحالف أنظمة الاستبداد لمنع أي تغيير ديموقراطي حقيقي في العالم العربي

أما فيما يخص الملف الثاني على أجندة الضيفين المصري والأردني فربما قدم عباس إجابة عامة وفضفاضة عن أنه سيدرس الطلب وسيأخذه بعين الاعتبار، غير أن موقفه واضح وقاطع أيضاً لجهة عدم التصالح مع دحلان ولكنه سيعمد في المقابل إلى ضم قيادات فتحاوية معارضة وتوسيع القائمة قدر الإمكان لتضم تيارات فتحاوية مختلفة لكن دون التعاطي مع دحلان الذي يتصرف معه عباس على طريقة الحكام المستبدين باعتباره منافسا جديا وخطيرا على السلطة، ولا يمكن التعايش معه أو إعطاؤه مساحة للتحرك والعمل، وفي ظروف مناسبة كان ليذكر زواره بطريقة تعاطيهم مع منافسيهم وتحديداً ما فعله رأس النظام المصري مع  اللواءين أحمد شفيق وسامي عنان عندما أرادوا الترشح ومنافسته جدياً في الانتخابات الرئاسية.

في كل الأحوال أكدت أجندة زيارة عباس كامل وأحمد حسني إلى رام الله ما كنا نعرفه عن تكاتف وتحالف أنظمة الاستبداد لمنع أي تغيير ديموقراطي حقيقي في العالم العربي، كما أكدت طبيعة الانتخابات التي يريدها محمود عباس لتجديد شرعيته وإعادة إنتاج سلطته وإدامة الواقع الراهن بأقل قدر ممكن من الخسائر.