زيارة الأسد إلى الإمارات تفصيل ثانوي في الصورة

2022.03.22 | 05:29 دمشق

zyart_bshar_amaratt.jpg
+A
حجم الخط
-A

استهجان كبير لزيارة بشار الأسد للإمارات العربية في الثامن عشر من آذار الجاري، مصادفة الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية، بعد إحدى عشرة سنة لم يزر فيها أي دولة خليجية، ولكن لن نستغرب إذا ما تتبعنا ما سبق هذه الزيارة من تقديمات بعد انحسار عمق العلاقة الأميركية الإماراتية، والأميركية السعودية كذلك، منذ فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية، لتظهر الخلافات للعلن في نهاية عام 2021 حين ألغت الإمارات صفقة شراء خمسين طائرة إف-35 و18 طائرة مسيرة بقيمة تصل لـ 23 مليار دولار أميركي.

كانت الإمارات قد طمحت لإتمام هذه الصفقة منذ عهد الرئيس دونالد ترامب بعد أن طبعت علاقاتها مع إسرائيل، ولكن ضمان تفوق إسرائيل التقني والجوي دفع الإدارة الأميركية إلى المماطلة وفرض قيود تعطيلية. أما بالنسبة للسعودية فمن المعلوم أن الرئيس بايدن رفض التعاطي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على خلفية حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بالإضافة للسياسة الأميركية في اليمن التي لم تتخذ مواقف جدية من أجل حسم الحرب مما فضح (عاصفة الحزم) وضعف دول الخليج من ورائها مما أدى إلى انشطار الحلف وتخاصم الإخوة، حتى صارت كل من السعودية والإمارات العربية عرضة للصواريخ الباليستية بالإضافة لهجمات الطائرات المسيرة التي كانت موجعة بشكل واضح، وفي النهاية يأتي الاتفاق النووي الإيراني كمهدد أكبر للدول الخليجية التي تقف على خط الاشتباك القادم مع إيران، خصوصاً بعد الذي يُتداوَل حول  إخراج الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب.

التخبط السعودي الإماراتي بدا واضحاً في عدة محطات، منها عدم القدرة على الحسم في اليمن، وبعدها العجز في ليبيا، وتحدد دورهما في سوريا بعد رفض التدخل العسكري في الجنوب ومن ثم فشل مؤتمر المستقلين أواخر سنة 2019 الذي طمحت من خلاله للسيطرة على هيئة التفاوض السورية بعيداً عن تركيا، وبعد ذلك لم يكن مجال المناورة كبيراً في ظرف الجبهة اليمنية المفتوحة، وما اعترى الموقف المصري من تحول، ولو جزئيا، بانتهاج سياسة خاصة ابتدأت بتحسين العلاقات مع تركيا التي ظاهرتها السعودية والإمارات العداء حينئذ، وفي خطوات بطيئة ناورت الإمارات خصوصاً، والسعودية بشكل أقل، بين روسيا وإيران وتركيا، في نية واضحة في تغير قواعد لعبهما، وقد أسفر ذلك عن اتفاقيات هامة، لم تكن جميعها في صالح الثورة السورية، ومنها إعادة علاقاتها تدريجيا مع النظام السوري، ما بين خطوات علنية ولقاءات سرية، وتلا ذلك سقوط ثمار في يد النظام، منها تعيينه في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، ومشاركة وزير السياحة في اجتماع دولي في السعودية، ومشاركة وفد ممثل عن وزارة الداخلية في اجتماع الإنتربول في إسطنبول، وكادت أن تنجح عودته إلى جامعة الدول العربية.

في 17 آذار 2022 زار وزير الخارجية الإماراتي روسيا والتقى بنظيره الروسي، وكانت نقاط النقاش واضحة ويمكن لأي أحد أن يتكهن بها

ولم يكن لشيء أن يتغير بسرعة لولا الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث كانت حزمة العقوبات الغربية على روسيا كبيرة، وسعت أميركا جاهدة لمقاطعة النفط والغاز الروسيين، وبذلك احتاجت للبديل الذي كانت قطر على رأسه كثاني بلد مصدر للغاز إلا أنها لا تستطيع تلبية حاجات أوروبا بسبب عقودها الطويلة الأمد مع الصين، بينما كانت السعودية والإمارات العربية على رأس قائمة الدول المصدرة للنفط، وطمحت أميركا لزيادة معدل الإنتاج اليومي بما يؤمن حاجيات الغرب ويخفض أسعار النفط العالية، إلا أن كلاً من ولي العهد السعودي ونظيره الإماراتي رفضا الرد على الاتصال الهاتفي من بايدن منذ قرابة أسبوعين، فلجأ الأخير إلى الرئيس الفنزويلي الذي عملت أميركا منذ زمن على الإطاحة به وفرضت عليه عقوبات لمدة عشرين عاماً، لكنه رفض أيضاَ أن يزودهم بالنفط بسبب علاقاته القوية بروسية، وبذلك ضمن بوتين احتياجات حربه على أوكرانيا من عائدات النفط الروسي الذي لا يستطيع الغرب التخلي عنه إلى الآن، وتجرأت الإمارات العربية كذلك على عدم التصويت لصالح مشروع قرار أميركي لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا!

في 17 آذار 2022 زار وزير الخارجية الإماراتي روسيا والتقى بنظيره الروسي، وكانت نقاط النقاش واضحة ويمكن لأي أحد أن يتكهن بها، فالإمارات عبرت عن استعدادها للوساطة والخدمة الإنسانية في أوكرانيا، لكنها من ناحية أخرى تتفق مع روسيا على ضرورة استقرار سوق الطاقة! وكذلك ترى بضرورة العمل على حل الملف السوري وإعادة الإعمار والعمل على عودة النظام لجامعة الدول العربية، أما روسيا فهي تتعهد بالعمل من أجل العمل معاً في ليبيا وفي اليمن، وتدين الهجمات التي تشن من اليمن على كل من السعودية والإمارات، وكانت التصريحات الروسية تدعم منذ بداية عام 2022 رعاية السعودية لمشاورات يمنية - يمنية ستكون بين كل الأطراف اليمنية في الرياض.

كان وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان قد زار دمشق والتقى بشار الأسد في تشرين الثاني 2021، وبعد أربعة أشهر يزور روسيا لتعقبها بفارق يوم واحد زيارة بشار الأسد إلى الإمارات، فتصبح كل أجزاء الصورة واضحة، ولكن أسوأ ما في هذه الزيارة هو توقيتها إذ يتصادف مع ذكرى انطلاق الثورة السورية، التي راح ضحيتها ملايين السوريين ودمرت مناطق بأكملها، وإذ أودى اصطفاف الدول العربية القديم إلى جانب أميركا بمناطق سيطرة المعارضة عبر اتفاقيات خفض التصعيد التي تمت باتفاق أميركي روسي عام  2017- 2018، فلا أحد يعلم إلى أين سيودي اصطفافها الجديد إلى جانب روسيا، لأنه إذا كان تحولاً حقيقياً في الأحلاف فهذا يعني مرحلة من اشتباك المصالح وانفكاكها بدرجة حساسية لا تقل عن الحساسية التي دفعت روسيا لغزو أوكرانيا.