زيارة الأسد.. أحشفاً وسوءَ كِيلة!

2022.03.25 | 06:59 دمشق

2022-03-24t110121z_1776995107_rc2w4t92sier_rtrmadp_3_britain-dubai.jpg
+A
حجم الخط
-A

في توقيت غير بريء جاءت زيارة بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الجمعة في 18/3/2022، فهذا اليوم هو عنوان الثورة السورية المجيدة التي قامت ضدّه وضدّ نظامه، وهو تاريخٌ كُتِبَ وما يزال يُكتب بدماء السوريين، وتجاوزه إهانة كبيرة لتضحياتهم ومعاناتهم وآلامهم. تعبّرُ الزيارةُ من طرف بشار عن عقدة نفسية من هذه الثورة، تلاحقه وتفتك به، فهو يهدف للانتقام من رموزها كما انتقم منهم بأرواحهم وأجسادهم وأملاكهم ووطنهم. لم ينس بشار ولن ينسى كيف خلع السوريون عن أنفسهم رداء الخوف وهبّوا في وجهه ووجه أبيه بأثر رجعي، تعبيراً عن فقدان الصبر وطفح الكيل، وعن الندم الشديد على الصمت خلال العقود السابقة.

أمّا الإهانة الكبرى فهي تلك التي تقترفها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، ليس فقط بحقّ الشعب السوري المكلوم، بل وبحق كل الشعوب العربية وبحق الإنسانية جمعاء. فهل من الشرف في شيء استقبال قاتلٍ مجرمٍ دنّس أرض سوريا بكل موبقات الأرض، واستجلب الاحتلالات والميليشيات الطائفية والإرهابية من كل الأصقاع لمحاربة شعبه؟! غريب أمر هؤلاء الحكام الذين لا يرون إلا مصالح آنيّة ضيقة لا يمكن أن تبني حاضراً ولا مستقبلاً، لكن يبدو أنّ المثل ما ترك شيئاً إلا وقاله، فالطيور على أشكالها تقعُ، وكذلك الحكّام.

إن كان هدف الزيارة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، فإنها لن تنجح على الصعيدين العربي والدولي، فهذا النظامُ مثقل بالجرائم ولا يمكن غسله أبداً، كما أنّه يقفز على كلّ القرارات الدولية التي لا يمكن عبور هذه الأزمة دونها. وهذا ما أوضحته مواقف معظم الدول الفاعلة في الشأن السوري حتى الآن على الأقل، ومن المعيب أن يكون موقف الأميركيين والأوروبيين أكثر حياءً في مواجهة مشاعر السوريين وآلامهم وعذاباتهم، وأكثر انسجاماً مع القيم والقواعد القانونية الدولية، من موقف دولة عربية يُفترض بها أن تراعي أواصر القربى والدم في أدنى حدّ.

وإن كان الهدف من الزيارة فتح القنوات الخلفية الإماراتية تحايلاً على النظام المصرفي العالمي والعقوبات التي فرضتها أميركا ومعظم دول العالم على روسيا من جراء غزوها أوكرانيا، فإنّ الأمر ليس بهذه السهولة، فالعيون مفتوحة مئة في المئة على دولة الإمارات، فقد أصدرت مجموعة العمل المالي (فاتف) المعنية بمراقبة الجرائم المالية العالمية والتي مقرها باريس بتاريخ 4/3/2022 تقريراً قالت فيه إنها أدرجت دولة الإمارات العربية المتحدة على قائمتها الرمادية الخاصة بالدول التي تخضع للرقابة. وكانت وزارتا الداخلية والخزانة البريطانيتان قد صنفتا في وقت سابق من العام 2020 الإمارات على أنها ولاية قضائية معرّضة لغسيل الأموال، وأنها باتت ملاذاً آمناً للشبكات الإجرامية التي تمارس أعمالها فيها بأريحية كبيرة.

أما إذا كان الهدف من هذه الزيارة قبض ثمن التوسط لدى إيران لوقف هجمات الحوثيين بالطائرات المسيّرة على الإمارات كما حصل قبل أسابيع، فإنّ العنوان خاطئ من أساسه، فمن هو بشار الأسد ليستطيع ثني إيران عن ممارسة عربدتها على دول الخليج العربي؟ وهو ليس أكثر من تابع ذليل لا حول له ولا قوّة! سيكون من أفدح الأخطار على الأمن الإقليمي والعربي إعادة دمج نظام الجريمة المنظّمة المسمى نظام الأسد في المنظومة الإقليمية والعربية والدولية. فهذا النظام لا يقوم إلا على الابتزاز ويتعامل مع جيرانه كما يتعامل مع شعبه باعتبار مصالحهم رهينة في يديه، فلا يتورّع عن تصدير المخدرات والأسلحة لدول الجوار وللعالم كلّه.

أما إذا كان الهدف من هذه الزيارة قبض ثمن التوسط لدى إيران لوقف هجمات الحوثيين بالطائرات المسيّرة على الإمارات كما حصل قبل أسابيع، فإنّ العنوان خاطئ من أساسه، فمن هو بشار الأسد ليستطيع ثني إيران عن ممارسة عربدتها على دول الخليج العربي

فعلى سبيل المثال، كانت آخر محاولة تهريبٍ إلى الأردن، كبيرةً وخطيرةً لدرجة استدعت من الجيش الأردني الاستعانة بالطيران المروحي والحربي للتغلّب عليها، فقد اقتحم الحدود ما يزيد على خمسة عشر سيارة دفع رباعي تحمل مدافع ورشاشات ثقيلة، لكنّ العملية أحبطت وقضى النشامى على جميع المهاجمين، وهم أكثر من سبعين مجرماً من الذين جنّدهم حزب الله لتنفيذ مخططاته القذرة.

لا شكّ بأنّ استقبال الأسد في الإمارات هو رسالة لأميركا أيضاً، فتعليق الخارجية الأميركية على هذه الزيارة من بين جميع الخارجيات يؤكد ذلك. فمن المعروف أنّ الإمارات كانت من بين الدول القليلة التي امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولا ريب في أنّ الإدارة الأميركية ممتعضة من هذا الموقف. فالعقلية الأميركية التي تسعى لبناء معادلة بحدّين فقط، إما معنا أو مع روسيا، تضغط مع حلفائها الغربيين على جميع الدول التي ترى أنها يجب أن تأخذ موقفاً مضاداً للموقف الروسي. لكن يبدو أنّ حكام الإمارات يناورون في مساحة ضيّقة من خلال تواصلهم مع الروس والصينيين مباشرة، ومن خلال استقبال بشار رغم العزلة الدولية المفروضة عليه.

هل للزيارة علاقة بالاتفاق النووي الإيراني؟ وهل يستبق الإماراتيون التسهيلات الكبرى المتوقع فتحها أمام نظام الملالي بعد الاتفاق، وبالتالي يحاولون استرضاء إيران وحلفائها في المنطقة! لا شكّ بأنّ الأسد ليس في الموقع الذي يؤهله للعب مثل هذا الدور، خاصّة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طريقة استقباله، التي لم تراعِ أية أعراف دبلوماسية، ولم تتسم بذاك القدر من الاحترام والتقدير لشخص الضيف ومنصبه وصفته.

قد يبدأ الاستبداد بشرعية ما، ديمقراطية مثلاً كما كان حال هتلر وكما هو حال قيس سعيّد، أو شعبوية انتهازية كما كان حال بينيتو موسوليني، أو ثورية مثل لينين وستالين وكاسترو، لكنه يتحول إلى انعدام الشرعية مع أول ممارسة لا إنسانية مع المواطنين. وقد تكون الشرعية اجتماعية وراثية، مثل بعض الأنظمة الملكية كما في المغرب ودول الخليج العربي، لكنّ الشعوب في هذا العصر لم تعد تكتفي بمثل هذه الأنواع من الشرعية، بل باتت تعمل على ترسيخ مبدأ الشرعية الشعبية المعبر عنها ديمقراطياً عبر صناديق الاقتراع، لاختيار البرامج الأفضل التي تمثل احتياجاتها وطموحاتها، فلم تعد السماء مصدر الشرعية، ولم يعد للعصبية والتغلّب والشوكة أي قدرٍ من الإقناع لدى الناس في شرعية توليّ زمام الحكم، فنحن الآن أمام عصر المواطنين الأحرار، القادرين وحدهم على منح الشرعية أو منعها.

وفي الدول الصغيرة مثل سوريا والأنظمة القائمة على حكم أقلّوي مثل نظام الأسد، لا يوجد أي مستند داخلي للشرعية، خاصّة مع انعدام قدرتها على توفير الحدّ الأدنى من الخدمات لمن تحكمهم، وهذا ما يجعل منها أنظمة حكمٍ وظيفية، تقايض استمرار وجودها بما تقدمه من خدمات للنظام الإقليمي والدولي. فإذا كان لدى الأسد ما يقدّمه بعدُ لهذا النظام الدولي، فسيبقى في الحكم رغم إرادة السوريين ورغماً عن أنف المنطق والتاريخ، وسينطبق علينا وقتها المثل الشهير: أحشفاً وسوء كيلة!

ومع ذلك كلّه ورغم كل شيء، لن يطول الأمرُ كثيراً، فالظروف تتغيّر بشكل عاصف وسريع هذه الأيام، والمثلُ يقول أيضاً: "إن حلقَ جارُك فعليك أن تبُلَّ ذقنك"، ويبدو أنّ بوتين، المعلّم الأكبر للاستبداد، على كرسيّ الحلاقة العالمي، وسنرى قريباً نتائج هذه الحرب المجنونة التي خاضها ضدّ العالم الحرّ وقيمه الديمقراطية.