زمن الهجرة السورية إلى الصومال

2020.11.28 | 23:01 دمشق

aleppo-dentist-.jpg
+A
حجم الخط
-A

تحدث نقيب أطباء سوريا الدكتور كمال عامر منذ أيام عن هجرة أطباء سوريين، من بين زملائه، إلى الصومال. وقال على قناة التلفزيون الرسمية أن سبب ذلك يعود إلى أن المرتبات في الصومال أفضل منها في دمشق.

هذه شجاعة تستحق الشكر، لأن النقيب نقل إلى العلن ما يدور في الكواليس، ولا يستطيع أحد التصريح به رسميا من ناحية، ومن ناحية ثانية لا يقتصر أمر الهجرة السورية إلى الصومال على الأطباء، بل أن هناك تحقيقات صحافية تحدثت عن هجرات عائلية إلى هذا البلد الذي بدأ، منذ وقت قريب، يتجاوز ببطء شديد آثار الحرب الأهلية المديدة.

إلى وقت قريب كان الصومال مضربا للمثل في سوء الأوضاع على المستويات كافة، ولحوالي ثلاثة عقود من الزمن أصبح مصطلح الصوملة يختصر كل ما يمكن أن يلم ببلد من حروب وتدهور وفقر وانهيارات سياسية واقتصادية وأمنية، ولكن هذا البلد بدأ يتعافى، إلا أنه لم يصل إلى وضع يغري أحدا بالهجرة سوى من كان يبحث عن مخرج من وضع ميؤوس منه، ذلك أن الصومال لا يفرض شروطا على الهجرة وأبوابه مفتوحة لمن أراد أن يجرب حظه هناك. إذن فإن السوري الذي قرر شد الرحال إلى الصومال هو الذي يذهب من سوريا الواقعة تحت سيطرة النظام، وبعد أن فقد الأمل في الرحيل إلى مكان آخر. وباختصار باتت شرائح من السوريين تفضل الحياة في الصومال عنها تحت سلطة النظام. وإذا كان الطبيب وصل إلى هذه القناعة فما أحرانا بالمواطن العادي الذي يبحث عن مخرج إلى أي مكان آخر. وهناك معلومات عن عوائل سورية وصلت إلى اليمن الذي يعيش سلسلة من الحروب، وأكثر من 90% من سكانه تحت خط الفقر.

سوريا التي يسيطر عليها النظام باتت في وضع يتفوق في السوء على كل ما عرفناه من فقر وعدم أمان حتى الآن

ما يمكن استنتاجه من هجرات السوريين الأخيرة نحو بلدان يتم تصنيفها في عداد الفقيرة أو غير الآمنة مثل الصومال واليمن والسودان، هو أن سوريا التي يسيطر عليها النظام باتت في وضع يتفوق في السوء على كل ما عرفناه من فقر وعدم أمان حتى الآن، ما يعني أولا انهيار بنية الدولة كليا، عدا عن أنها لم تعد هناك بنى اقتصادية تضمن الحد الأدنى من الحياة، والدليل ما نشهده منذ بداية السنة من طوابير تتزاحم على الأفران من أجل تأمين ربطة خبز، والأمر ذاته بالنسبة للمحروقات. ومن المؤسف أن هذا الوضع الرديء آخذ بالتفاقم، ومرشح أن يبلغ مستويات أخرى من السوء مع قدوم فصل الشتاء. وما هو ملحوظ في دمشق هو أن هناك فئتين تعيشان في هذه المدينة، فئة السلطة وما يحيط بها، وهؤلاء لم يصلوا إلى مرحلة الجوع أو الانتظام في طوابير من أجل ربطة خبز أو جرة غاز، والفئة الثانية التي تقف في الطوابير، وفي كل يوم تزداد حياتها سوءا، وقد تجاوزت خط الجوع، وباتت كل الطرق مسدودة أمامها.

ما أفرزه هذا الحال المأساوي هو أن دمشق تحولت إلى ثكنة عسكرية يحتمي فيها النظام وحاميته، وهؤلاء يتوافر لهم كل ما يريدون، وباقي السكان مجرد فئات هامشية متروكة لمصير مجهول وتعيش على الرمق الأخير. والأمر الغريب هو مساعدات الأمم المتحدة والتي تأخذ مدينة دمشق في حسابها. ومن يتأمل وضع الناس يستنتج أن الذين يقفون في طوابير هم من السوريين الذين لا يصلهم القدر الكافي من المساعدات، وهذا يعني أن النظام يتحكم بالمساعدات الإنسانية ويوزعها حسب معايير خاصة تخدم بقاءه، وليس إيصالها إلى مستحقيها.

يبدو أن هذا الموقف مرشح لانفجار كبير، وهذا ما تحذر منه منظمات الأمم المتحدة، منذ بداية هذه السنة، التي يبدو أن السوريين سوف يسجلونها في تاريخهم باسم زمن الهجرة السورية إلى الصومال.