روسيا و2254

2022.12.27 | 07:30 دمشق

qwat_rwsyt.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الأمس، وفي 21 شهر كانون الأوّل الجاري، قدّم غير بيدروسون، المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، إحاطته لمجلس الأمن، بدأها بعرض نتائج زيارته إلى سوريا ونقاش الحكومة السورية حول كيفية إحداث تقدم في العملية السياسية وتنفيذ القرار 2254.

وختمها بعرضه لقاءاته مع وزير خارجية النظام السوري، ورئيس هيئة التفاوض السورية، وضرورة استمراره في الاعتماد على مشورة المجلس الاستشاري النسوي الذي أسّسه سابقه دي ميستورا. ويبدو أن الحل السوري يُطهى على نار بلا وقود، كما هو الداخل السوري، ولا طعام يقدّم للسوريين الذين افتقدوا لكل مقومات الحياة، حسب إحاطة بيدرسون ذاتها، فالطبخة الدولية حول سوريا "حلة حصى" لم تنضج ويبدو أنها لن تنضج بعد!

مرّت سبع سنوات على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن، بتاريخ 18/12/2015. القرار الذي يعتبر لليوم البوابة الوحيدة للحل للسوري، لكنه في الوقت ذاته، الإشكالية المستعصية على الحل، حتى بدأت أطراف عدة ثورية أو معارضة، وحتى سلطوية، بغمز روسي من الخلف في الجهة الأخرى، تدعو للتخلي عنه واستصدار قرار جديد في طريقة الحل السوري.

ما يستلزم العودة لقراءة مضمونه وتحديد فقراته ودلالتها السياسية، خاصة وأن الوضع السوري اقتصادياً وسياسياً في رمقه الأخير، وبات كارثة إنسانية كبرى تفوق ما جرى في الصومال وربما أشد لعنة سياسياً على الهوية الوطنية السورية. فالقرار المتضمن 16 عشر بنداً، يشير في مقدمته وبنوده السبعة الأولى، حسبما وردت في نصه، إلى:

  1. عملية الانتقال السياسي وضلوع المجتمع الدولي بالعمل على تحقيقها بمرجعية بيان جنيف 2012، غير الملزم لأي طرف في سوريا، ومؤيداً لبياني فيينا بينهما، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سوريّة. ودعوة ممثلي النظام والمعارضة السورية إلى الدخول في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي مدتها ستة أشهر، تقيم حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد. تتبعها مرحلة لانتخابات حرة ونزيهة، في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة!  أجل هذا ما كان!
  2. العمل على محاربة الإرهاب المتمدد في سوريا، حيث جاء في فقرته الثامنة، وتنفيذاً للقرار 2249/2015، منع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم الدولة (داعش) وجبهة النصرة، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطين بالقاعدة أو داعش، وغيرها من الجماعات الإرهابية، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سوريا.
  3. بناء الثقة بين جميع الأطراف السورية من أجل المساهمة في فرص القيام بالعملية السياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، في فقرته العاشرة. فيما تأتي الفقرات التالية كفقرات متممة تسعى للحث على وقف إطلاق النار وتجميد العمل العسكري الدائر في جميع الأراضي السورية، والتوجه للمنظمات الإنسانية بتقديم المساعدات للداخل السوري، تمهيداً للحل المفترض. فهل ثمة حل تحقق؟

في قراءة لمضمون القرار هذا يمكن ملاحظة ما يلي:

  1. أتى هذا القرار بعد أربعة أشهر تقريباً من التدخل الروسي العسكري المباشر بدعوة من السلطة السورية.
  2. تم تخفيض مقررات جنيف 1، الذي يستند إليها القرار، من هيئة حكم كاملة الصلاحيات إلى عملية انتقال سياسي تفضي لحكومة انتقالية تتقاسمها كل من المعارضة والسلطة.
  3. إدراج محاربة الإرهاب في ذات القرار بجوار الانتقال السياسي، فيما تمت الإشارة الواضحة لكل من داعش والقاعدة وما يتبعهما، لكن تركت الفقرات المتعلقة بغيرها عائمة دون تحديد.
  4. الاعتماد على النوايا الحسنة عند طرفي المعادلة السورية (السلطة والمعارضة) في الدخول بالعملية السياسية، بحيث يتجنّب القرار في متنه تحديد أي طريقة ملزمة لكلا الطرفين للدخول فيها.

السؤال الذي يطرح نفسه وقتها واليوم، لماذا وافقت روسيا على هذا القرار، وهو الذي يفيد بالانتقال السياسي؟ وبالضرورة لماذا جمّدت مفاعيله بعمل لجنة دستورية وصياغة الدستور قبل تحقيق المرحلة الانتقالية؟ وهل تمت عملية بناء الثقة تلك؟ والأهم من هذا، هل انتهى المجتمع الدولي من محاربة الإرهاب في سوريا؟ وما دور روسيا فيها؟

أسئلة تبدو للوهلة الأولى واضحة وسهلة الإجابة، لكن في مضمونها والسياق التحليلي لمسار العملية السياسية وطريقة الحل السورية تبدو أعقد وأشد عمقاً من تأثيرات نصوص لا تفترض الإلزام بأي خطوة منها، لتتكشف من خلالها آليات الصراع الدولي من خلال سوريا وعليها بآن. تلك التي تشي بمعادلات الجيوبوليتيك الدولي التي دشنتها روسيا من خلال سوريا بدايةً وتتمها اليوم في المعادلة الأوكرانية، في مقابل التوجه الغربي في ذلك، وهذا موضوع يحتاج بذاته لدراسات وأبحاث.

حقق القرار 2254 لروسيا لأوّل مرة في تاريخها:

  • تبرير عملها العسكري في سوريا بمرجعية دولية تستند إلى قرار مجلس الأمن. فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي والتفرّد الأميركي في قيادة الدفة العالمية عولمياً، وخلافاً لحروبها الثلاث السابقة في جورجيا والشيشان وأرمينيا، تدخل في الخط الدولي، في موقع يشابه الحروب التي قامت بها أميركيا بمرجعية مجلس الأمن.
  • أصبحت روسيا شريك في محاربة الإرهاب بمرجعية دولية، يؤهلها لتحقيق طموحاتها القيصيرية بالعودة للساحة الدولية كقطب عالمي منفرد من منظار دولي شرعي، ما يفسّر موافقتها عليه من خلال إدراج فقرة الحرب على الإرهاب بموازاة الانتقال السياسي في الفقرة الثامنة منه. الأمر الذي حوّل كامل الداخل السوري لساحة عمل عسكري واسع، وإسباغ كامل الجغرافيا السورية بالإرهاب.
  • مارست روسيا دورها العسكري في تفريغ سكان المدن السورية مدينة تلو الأخرى، وأضافت له ومن خلال أستانا الجمع بين تركيا وإيران، كأهم الأطراف الفاعلة في الملف السوري عسكرياً، عنوان مناطق خفض التصعيد، والتي أتت على قضم مواقع الثورة السورية مدينة تلو أخرى، بدعوى محاربة الإرهاب دون التمييز بين السوريين في مطالبهم المحقة في التغيير السياسي والقوى الدخيلة عليهم من داعش وغيرها.
  • في المسار الدبلوماسي، دخلت المسألة السورية ذاتها في بوابة العطالة المطلقة حين الحديث عن حسن النوايا وبناء الثقة، من خلال اللجنة الدستورية، والتي تفيد التقارير الأممية في تعطيلها دورياً، منذ العام 2019 لليوم. ما يعني بوضوح شديد الالتزام الشكلي للسلطة السورية ومن خلفها روسيا بقرار مجلس الأمن، وبالوقت ذاته التملص من أي استحقاق يمكن أن يشكل تقدمًا في مسار العملية السياسية، فلا ثقة اليوم تبنى سوى بتفكيك المسألة السورية وحلولها الممكنة.

استفادة روسيا من القرار 2254 هي الأوضح لليوم، في حين السوريون وقعوا في مخاض الإجحاف الاقتصادي بكل أشكاله، وفي فخ العطالة السياسية المطلقة. ويبدو أن الدفع الروسي بمسار جديد لطريقة الحل السوري لم تعد تكفيه مقررات سوتشي واللجنة الدستورية، بقدر ترسيمات الواقع العسكري في الشمال السوري مع تركيا، وليس مستبعداً أن يكون هناك سيناريو جديد للجنوب السوري يطبخ على مهل. ما يحيل كامل المسألة السورية تدريجياً من حل كلي في جنيف 2012، لجزئي في 2254/ عام 2015، إلى حلول تفكيكية عامة نهايات 2022. فهل هذا ما كان يأمله السوريون؟ وهل يمكن إيجاد الطرق الملزمة للانتقال السياسي السوري بعدما تكشف للمجتمع الدولي خطأه المرعب في إيلاء روسيا حق الاستفراد بالحل السوري على طريقتها، خاصة بعد تمددها لأوكرانيا وقلب أوروبا وتهديد السلم العالمي برمته.

السوريون ينتظرون، كما كل أطفال سوريا ينتظرون تلويحة من بابا نويل، فهل من فرج قريب على أبواب العالم والعام الجديد؟