روسيا في سوريا.. الخيار صفر

2021.04.04 | 06:53 دمشق

russiasyria30-3-21-730x438.jpg
+A
حجم الخط
-A

مقال رأي في الأول من نيسان/أبريل الحالي بخصوص الوضع في سوريا وقعه 18 وزير خارجية أوروبيا، تلاه في اليوم نفسه بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية. الموقفان الأوروبي والأميركي يؤكدان على محاربة الإفلات من العقاب على الجرائم التي ارتكبها النظام في سوريا، والتزام بضمان عدم إفلات مجرمي الحرب والجلادين من العقاب. ويوضح الموقف الأميركي الهدف من المبادرة "لسنا في مجال محاولة هندسة تغيير النظام في المنطقة، لكننا سنطالب بالمحاسبة والعدالة للشعب السوري، الشعب السوري الذي عانى بشكل رهيب ومروع في ظل حكم بشار الأسد".

فشلت كل الرهانات الروسية على إعادة تأهيل النظام وتعويمه، وباتت موسكو تدرك أن سياستها في سوريا وصلت إلى طريق مسدود

الموقف الأوروبي والأميركي تكرر أكثر من مرة، وكانت الذكرى العاشرة للثورة السورية في الخامس عشر من الشهر الماضي مناسبة لصدور بيان مشترك، عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكد أن الإفلات من العقاب أمر غير مقبول في سوريا، وستتم مواصلة الضغط من أجل المساءلة عن الجرائم الأكثر خطورة.

فشلت كل الرهانات الروسية على إعادة تأهيل النظام وتعويمه، وباتت موسكو تدرك أن سياستها في سوريا وصلت إلى طريق مسدود، ولا سبيل أمامها لإخراج النظام من سلسلة الأزمات التي تحاصره، وهي أزمات مركبة. داخلية وخارجية. ويعود الفشل الروسي إلى عاملين: العامل الأول هو تمسك موسكو بالنظام كما هو من دون إدخال أي تعديل يفتح نافذة لحل يقوم على التلاقي في منتصف الطريق. والعامل الثاني هو أن فاتورة تعويم النظام باتت كبيرة جدا وباهظة من النواحي السياسية والاقتصادية، وتعمل أميركا وأوروبا على توريط روسيا أكثر فأكثر في المستنقع السوري.

في هذا الوقت تتصاعد الأزمة الاقتصادية على نحو دراماتيكي ينذر بالانهيار السريع لما بقي من الدولة السورية في المناطق التي يسيطر عليها النظام، حتى إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لم يتردد في أن يحذر من مخاطر "تفكيك الدولة السورية"، ولكنه تهرب من تحديد السبب الفعلي، ورمى المسؤولية على سياسات واشنطن التي اتهمها بتشجيع "النزعات الانفصالية"، في إشارة إلى الأكراد في شمال شرقي سوريا. وعزى التصلب في موقف دمشق إلى سياسة العقوبات.

مما يفاقم من الأزمة ويرفع الفاتورة الروسية انسداد الأفق السياسي، وجمود الوضع على ما هو عليه سياسيا، في حين يتدهور اقتصاديا واجتماعيا

وشهد هذا الأسبوع انحدارا سريعا وتفاقما للأزمة الاقتصادية على نحو غير مسبوق. ندرة في المواد الأولية والمحروقات والأدوية في أسواق دمشق، حلب، حمص، وحماة، إلى حد أن النظام لم يعد قادرا على تأمين الوقود لسيارات النقل العام، وكانت طوابير المواطنين في ساحات المدن وهم ينتظرون وسائل المواصلات تعبيرا عن استقالة الدولة من دورها ووظيفتها، ولا يعبر ذلك عن عجز النظام فقط، بل روسيا وإيران كدولتين راعيتين له تحتم عليهما أصول الرعاية عدم تركه ينهار، لأن ذلك ينعكس عليهما بالضرر الكبير إلى حد يضيع معه الاستثمار الكبير الذي وظفتاه من أجل استمراره منذ بدء الثورة السورية.

ومما يفاقم من الأزمة ويرفع الفاتورة الروسية انسداد الأفق السياسي، وجمود الوضع على ما هو عليه سياسيا، في حين يتدهور اقتصاديا واجتماعيا، وهذا يضغط على الروس والنظام للبحث عن مخرج، ولا يبدو أن هناك خيارات غير استئناف الحرب للسيطرة على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا.

تبدو روسيا اليوم عند مفترق طرق، فالأمر لا يتوقف عند البحث عن حلول سريعة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، بل هناك قرار إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في نهاية أيار/مايو المقبل. وتواجه هذا الاستحقاق عدة عقبات، يأتي في طليعتها الموقف الأميركي الأوروبي الذي يتلخص في رفض إجرائها على أساس الدستور الحالي، وعدم الاعتراف بشرعية نتائجها إن لم تتم وفق دستور جديد وتحت إشراف الأمم المتحدة، وتؤكد أميركا وأوروبا على عدم التطبيع مع بشار الأسد الذي بات يتلقى التهديدات الجادة بتقديم أركان نظامه إلى المحاكم الدولية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ولكن هذه المرة من خارج مجلس الأمن الذي عطلت موسكو دوره في محاسبة النظام السوري منذ عام 2012.