روسيا في الجنوب.. استمرار اضطراري

2022.06.12 | 06:36 دمشق

qwfdascdf.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ أن أطلق العاهل الأردني عبد الله الثاني تصريحه حول الفراغ الذي ستملؤه إيران في الجنوب السوري إن انسحبت روسيا منه، والجميع يراقب التحركات الروسية يوماً بيوم، ورأى كثيرون أن تصريحات العاهل الأردني تستند إلى انسحابات بدأت تقوم بها روسيا بالفعل، أو ستقوم بها في الأيام القريبة المقبلة.

ملك الأردن توقّع أن تترك روسيا الجنوب السوري لمصيره، لأنها منشغلة بحربها في أوكرانيا، الحرب الأهم بالنسبة لها ولمستقبلها، وتدخل إيران لتقضم وتنهش وتتغلغل كيفما تشاء، وتعيث فساداً في ساحة خالية إلا منها.

فرضية العاهل الأردني بشأن تدخل إيران لتقضم وتنهش وتتغلغل وتعيث فساداً في جنوب سوريا صحيحة، شرط أن ينسحب الروس، فبوجود الروس لن تستطيع إيران الإفلات من لجامها، وبالطبع ليس بسبب رغبة روسيا بحماية السوريين منها، بل لأن مصالح الطرفين تتنافر، والساحة لا تتسع للطرفين معاً في الوقت نفسه، لكن المؤشرات العامة تقول إن روسيا لن تنسحب من الجنوب السوري، رغم ما قاله الملك الأردني الذي يراقب عسكره الجانب السوري من حدوده الشمالية دقيقة بدقيقة، وهناك عدة مؤشرات منطقية وواقعية تؤكد أن روسيا لن تنسحب من الجنوب السوري.

كل ما لدى روسيا في الجنوب هو مكاتب ارتباط ومقرات إدارية، وبضع مئات من عناصر الشرطة العسكرية، وهي تقوم بمهمة الضبط للمنطقة الجنوبية لسوريا عبر وكلاء

أولى هذه المؤشرات أنه ليس لروسيا أي قواعد عسكرية أو معسكرات أو مستودعات أسلحة في جنوب سوريا لتسحبها، فالحال في حوران ليس كما هو الحال في مناطق سورية أخرى، حيث لها قواعد برية وبحرية وجوية، وكل ما لدى روسيا في الجنوب هو مكاتب ارتباط ومقرات إدارية، وبضع مئات من عناصر الشرطة العسكرية، وهي تقوم بمهمة الضبط للمنطقة الجنوبية لسوريا عبر وكلاء، وعبر مراقبتها لاتفاقيات هدنة سابقة، وعبر الوعيد باستخدام العصا لمن عصا، وبالتالي لا يمكن أن يحصل انسحاب لقوات عسكرية لأنها غير موجودة أساساً.

هذه الحقيقة تقودنا إلى مؤشر آخر، فبما أنه لا توجد قوات عسكرية روسية في جنوب سوريا، فإن فرضية أن روسيا تحتاج لسحب القوات إلى المعركة الأوكرانية هو افتراض غير واقعي، فوجودها في الجنوب هو وجود معنوي أكثر منه عدديا، وعليه، فإن بقاءها لن يُكلفها شيئاً، وانسحابها لن يُربحها شيئا.

مؤشر آخر، أن روسيا تزداد غيّاً وجنون عظمة، حتى بعد أن فشلت في الانتصار في أوكرانيا، وبالتالي يمكن الاستنتاج أنه لا يوجد ما يدفعها إلى الانسحاب، لا من جنوب سوريا فقط، وإنما من أي منطقة في سوريا، لأن التراجع ليس بقاموس قادة موسكو، حتى لو كان الاستمرار خياراً قاسياً أو خاسراً، أقلّه في هذه الفترة.

كذلك، من غير المفهوم أن تفعلها موسكو وتنسحب من جزء من الأرض التي تتحكم بها في سوريا، لأنها لم تدخل سوريا دخولاً تكتيكياً، بل كانت استراتيجية تسعى روسيا إليها منذ سنوات، ليكون لها موطئ قدم عسكري على المتوسط، ومن الصعوبة الاقتناع بأنها ستستغني عن هدف استراتيجي طالما لا يوجد قاهر يدفعها لذلك.

وفضلاً عن كل ما سبق، ومهما كان هناك تنسيق بين روسيا وإيران في سوريا، إلا أن الدور الروسي يتعارض كلّياً مع الدور الإيراني، بل ويتناقض أحياناً إلى حد يُلامس الصدام، وتُدرك روسيا أن النظام السوري ضعيف، وأنه بانسحابها من أي منطقة في سوريا، ستُترك المنطقة للفوضى ولإيران التي ستكون أوّل المستثمرين بهذه الفوضى، لتعمّق وجودها، وسيصبح صعباً إخراجها من هذه المنطقة فيما بعد، ولن تترك لإيران للتوسع الأخطبوطي وجني مكاسب مجانية على حساب الروس.

احتمال أن تغير روسيا توازنات جنوب سوريا أمر مستبعد، وتغيير قواعد اللعبة ضعيف للغاية، خصوصاً في ظل وجود قواعد أميركية في الأردن

ما قاله رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني وحيد جلال زاده قبل أيام، بأن "روسيا تسحب قواتها من سوريا"، وأن إيران لن تأخذ مكانها في سوريا، هو إثبات إيراني بأن روسيا لن تنسحب، فإيران التي تستثمر في الفوضى دائماً، تحاول هنا أن تتقمص التعفف، لكنها في الحقيقة لن تتردد أن تأخذ مكان أياً كان وفي أي مكان كان لتحقق أهدافها التوسّعية.

احتمال أن تغير روسيا توازنات جنوب سوريا أمر مستبعد، وتغيير قواعد اللعبة ضعيف للغاية، خصوصاً في ظل وجود قواعد أميركية في الأردن، وقوات معارضة سورية في الجنوب جاهزة للتعاون مع الأميركيين ضد الوجود الإيراني وضد النظام فيما لو مُنِحت بعض الدعم، ما يعني في هذه الحالة خسارة روسيا وإيران والنظام للمنطقة كلّها على المدى المتوسط، ويبدو أنه من مصلحة الجميع أن يكون هناك استقرار في الجنوب السوري، وأن لا يحصل توسّع إيراني يهدد الاستقرار، لذلك فهنالك ضرورة لدى جميع الأطراف المعنيّة أن يستمر الدور الروسي في الجنوب للحفاظ على هذا الاستقرار، أقلّه في الوقت الراهن.