روسيا "شيطان" انتصرت أم خسرت.. حرب رأي عام في أوكرانيا

2022.03.13 | 05:13 دمشق

20220306_2_52473289_74340002.jpg
+A
حجم الخط
-A

يقين الغرب والعالم أن فلاديمير بوتين لن يخسر الحرب عسكريا، دفعهم إلى التوجه لجعلها حرب رأي عام ستحول روسيا إلى شيطان أبدي، من خلال تنسيق عالٍ في الإعلام ومحاصرة الصوت الروسي على جميع المستويات سواء وسائل الإعلام الرسمية أو الموالية وكذلك الداعمة بشكل مباشر وغير مباشر للرؤية الروسية، وانتقل بشكل مواز إلى مستويات أضيق نحو مواقع التواصل الاجتماعي، التي اتخذت قرارا يوصف بالتاريخي وغير المسبوق (ضد دولة وليس تنظيما يصنف كإرهابي حال تنظيم الدولة على سبيل المثال) من خلال دخولها في معركة ضد روسيا التي استخدمت هذه المواقع كحصان طروادة في التأثير واللعب بالانتخابات في مختلف الدول الغربية بحيث تمكنت وفق اتهامات رسمية من التأثير في المسارات الديمقراطية في دول عديدة، قد تكون أميركا على رأسها، واليومَ يبدو أن الفرصة جاءت للجميع للانتقام من روسيا بطريقة نزيهة أو غيرها.

لا تخفي أي دولة من المتحالفين في الغرب وبعضها من الشرق، نيتَها المتصاعدة لصيد فرصة قد تكون أثمن من تلك التي أتيحت في نهاية الثمانينيات وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي، الذي أنهى روسيا كدولة زعيمة للشرق والأنظمة الأتوقراطية (المستبدة- القائمة على حكم الفرد)، إلى غير عودة كما كان الظن، لكن رماد التاريخ كان متقدا في داخل البعض في موسكو، ليقودهم بوتين نحو الصعود التدريجي نحو المنافسة مستغلا فوارق في تشكيل الدول الغربية والشرقية، وأهمها هي وحدانية القائد وديمومته التي لا تتأثر بآراء الناخبين مطلقا، ولا المؤسسات التي هي عبارة عن أدوات بيد الزعيم لتنفيذ مآربه لا مصالح الدولة العليا، ففي تلك الدول يكون القائد هو الأب والمالك والحاصد لكل ما يُجنى في إقطاعية يطلق عليها "دولة".

الغزو الروسي لأوكرانيا كان من الممكن أن يكون فرصة ذهبية لروسيا وبمعنى أدق لبوتين، فلو سارت الأمور بسرعة ورشاقة وتم قطع رأس الحكومة بضربات خاطفة من دون الغوص في اشتباكات مقيتة ومكلفة، لأعلن بوتين حينها أن المشكلة انتهت وأن أوكرانيا دولة ضعيفة بحاجة لحماية خاصة من موسكو، لكن الأمر كان مكلفا فعليا ماديا وعسكريا، والأهم في أغلب الظن شعبيا.

تبدو الخطط تشير إلى ما بعد أوكرانيا، كيف ستكون الرؤية عندما تصمت المدافع وتفتح الأفواه في المدن الروسية وتتساقط الشركات في هاوية لا قعر لها ولا أمل بالخروج منها مع آلاف العقوبات

اللعب على وتر الرأي العام خاضه الغرب بخطط  في غاية الإتقان، وما زال بحاجة إلى أوقات إضافية، وكلما طالت كانت النتائج مديدة لسنوات وسنوات، فالحرب لا بد أن تضع أوزارها مهما طالت أو تكدست جثامين ضحاياها، ولا يشكك الغرب أبدا بحتمية انتصار بوتين في مرحلة ما، لكن تبدو الخطط تشير إلى ما بعد أوكرانيا، كيف ستكون الرؤية عندما تصمت المدافع وتفتح الأفواه في المدن الروسية وتتساقط الشركات في هاوية لا قعر لها ولا أمل بالخروج منها مع آلاف العقوبات المنهمرة على كل شيء وأي شيء يحمل صبغة روسية حتى لو كان نفطا أو غازا أو حديدا ولو وصل الأمر للقمح، فهنا الأمر يتطلب ضربة لا قيام بعدها، ولا أمان لروسيا مهما تغيرت الوجوه، فتجربة بوتين تعطي الغرب درسا قاسيا، بأن لا ينخدع مجددا بأي شخص مهما تدلس كما في فعل بوتين في بداية الألفية الحالية، بالظهور كشخصية يمكن أن تطوي الماضي وتؤسس لحياة تشاركية، ويدفن فكرة البعث من الأجداث التي لا تتحقق وفق منطق التاريخ.

المعركة اليوم هي معركة سلطة وتسيّد بغض النظر عن رفاهيات الحياة وحرية الاختيار واستثناءات بعض البشر أو المناطق من نيران الحرب

إلى جانب المعارك العسكرية والسياسية والاقتصادية، تجند جميع الأطراف في هذه الحرب الهجينة مقاتلين، في مشهد تكرر على مدار التاريخ الحاضر من أفغانستان إلى العراق وليبيا وسوريا وأذربيجان، لكن ما يميز هذه الحرب هو العلانية والدعم الرسمي لتلك التحركات واستخدامها كتكتيك من جميع الأطراف، تحت يافطة التطوع المجاني للمشاركة في تشكيل العالم من جديد، الذي يُعاد صياغة كل شيء فيه من الجغرافيا إلى قوانين الحرب بعد سقوط القوانين التي صيغت لتنظيم قواعد الاشتباك إبان الحربين العالميتين الماضيتين، من القانون الإنساني لاتفاقيات جنيف، فالمعركة اليوم هي معركة سلطة وتسيّد بغض النظر عن رفاهيات الحياة وحرية الاختيار واستثناءات بعض البشر أو المناطق من نيران الحرب.

يغرق حاليا الأكاديميون بالتحليل لمرحلة ما بعد الحرب فيشبه الكاتبان الأكاديميان ليانا فيكس ومايكل كيميج (الذي عمل في فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، وكان مسؤولا عن الملف الروسي - الأوكراني)، في مقال حمل عنوان "ماذا لو خسرت روسيا؟" ما يجري حاليا بالحرب الجزائرية (1954-1962) ضد فرنسا، حيث كانت فرنسا القوة العسكرية المتفوقة، إلا أن الجزائريين وجدوا طرقا لسحق الجيش الفرنسي وإيقاف دعم باريس للحرب، وحاول الكاتبان إلغاء أوجه التشابه بين الحالتين السورية والأوكرانية، منعا لإسقاطات قد لا تفيد في التعامل مع هذا الملف، فيقولان: "يوجد الملايين من العائلات الروسية الأوكرانية المترابطة، ويشترك البلدان في الروابط الثقافية واللغوية والدينية وستتدفق المعلومات حول ما يحدث في أوكرانيا إلى روسيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الأخرى، وستدحض الدعاية الوطنية وتشوهها، وهذه معضلة أخلاقية لا يستطيع بوتين حلها من خلال القمع وحده، بل قد يحقق القمع نتائج عكسية في حد ذاته، وهو غالبا ما يحدث في التاريخ الروسي، ولو كان لديك أي شك، فاسأل السوفييتيين".

الإفراط في استسهال الانتصار الروسي، لا يبدو دقيقا تماما ولا سيما أن الممهدات لحرب عالمية واسعة تبدو أكثر ضجيجا من معركة جانبية بين حروب، فروسيا دأبت على مدار أشهر طويلة بالقول إن الحديث عن غزو أوكرانيا عبارة عن بروباغندا غربية لتشويه روسيا، وظلت على هذا المنوال حتى الرابع والعشرين من شهر شباط عندما حقق بوتين الفرضية الغربية بطريقته الدموية، واليوم نشاهد ذات التصريحات الروسية لكن على لسان الغرب وواشنطن على وجه التحديد، حيث قال الرئيس الأميركي بالأمس في كلمة مصورة للكشف عن قطع العلاقات التجارية بين موسكو واشنطن، قال إن إدارته "لن تخوض حربا ضد روسيا في أوكرانيا"، وإنه يعمل على تجنب أي مواجهة "مباشرة" بين حلف شمال الأطلسي "الناتو" وروسيا، لأن ذلك سيؤدي إلى "نشوب حرب عالمية ثالثة"، وهو ما يعطي هواء للحرارة المتصاعدة تحت رماد سرديات المظلوميات وسيادة العالم.