روسيا دور انتدابي في سوريا

2021.09.30 | 06:53 دمشق

arton2676.jpg
+A
حجم الخط
-A

لابد أن روسيا ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة مع بدايات العام  2011 فكرت في الاستثمار في سوريا، فاستخدمت قوتها في مجلس الأمن لإيقاف العديد من القرارات التي كانت كفيلة بسقوط النظام لو ترك للإرادة الدولية النفاذ، ولكن روسيا التي كانت لديها خطة بديلة ذات رؤيا استراتيجية، وضعت كل وزنها الدولي لمنع ذلك، فتدخلت بشكل مباشر قبل أن يسقط النظام بلحظات عبر القوة الأكثر تأثيرا وتفوقا، وهي السلاح الجوي، واحتلت على عجل مطارا مدنيا قرب اللاذقية وجهزته على وجه السرعة، ليستوعب طائراتها العسكرية من كل الأحجام، وشهد المطار ذاته انطلاقا للطائرات الروسية المتطورة التي ضربت المناطق السورية المعارضة، وكان النظام الروسي صبورا حتى وصل إلى لحظة وسع فيها نطاق المساحة التي يسيطر عليها النظام، وفي بعض الأوقات بدا مستعدا ليدخل في مجابهة مع أميركا في المناطق الشمالية ترسيخا لموقفه المتصلب في سوريا ودعما لنظامها، ومحاولة لتضعيف موقف الولايات المتحدة فيها، وقد ساعد اضطراب وتردد الموقف الأميركي في تشبث روسيا لرؤيتها بعيدة المدى نحو سوريا.

لكن روسيا التي كانت لديها خطة بديلة ذات رؤيا استراتيجية، وضعت كل وزنها الدولي لمنع ذلك، فتدخلت بشكل مباشر قبل أن يسقط النظام بلحظات عبر القوة الأكثر تأثيرا

حرصت موسكو ومنذ كانت في عهدة الاتحاد السوفييتي على وضع أصبع أو قدم أو رأس جسر في سوريا وقد تمكنت من ذلك في وقت مبكر من عام 1955، وأعطى شكل الصراع مع إسرائيل أفضلية لموقف الانضمام إلى معسكر الاتحاد السوفييتي أو التمسح به، وقد أجبر هذا الصراع حتى بعض القوى الوطنية في سوريا، ذات المرجعيات المختلفة، على أن تطلب العون من السوفييت، وهذا ما فتح أبواب البحر المتوسط أمام الكرملين، الذي حرص على الظهور في هذا المكان ورفع رايته على شاطئ المتوسط، ولم يختلف هذا الهدف بمرور الوقت، فرغم سقوط الاتحاد السوفييتي ما زال الكرملين يعتقد بأنه رقم صعب في هذه المنطقة ويقدم نفسه بهذه الصفة، وهو راغب في الاستمرار بالمنافسة، ما يدفعه إلى الوقوف خلف أخر قطعة أرض صالحة له على المتوسط وهي اليوم في سوريا، وقد نجح حتى الآن في ترسيخ مكانه بجعل سياسته تتشعب فحاول ضم إيران تحت جناحه، واقترب أكثر من تركيا، مع الغزل الحميم لدول الخليج، وإبقاء علاقه دافئة (غير ممانعة) مع الجانب الإسرائيلي، بغية الاستمرار في جوار منابع واعدة للغاز على الشاطئ الشرقي للمتوسط وهي البقعة التي يصارع من أجلها.. اليوم يوجد ضباط روس من رتب مختلفة في سوريا وعلى تماس مباشر مع وجهاء أو أعلام محليين للتفاوض وإقرار الترتيبات الأمنية والعسكرية ودون الرجوع إلى النظام إلا بالشكل البروتوكولي، وهو دور قامت به فرنسا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حين كان لها في سوريا مندوب سامٍ ومستشارون تأتمر كل الوزارات بأمرهم، واستمرت مدةً تتجاوز خمسة وعشرين عاما ولم تخرج إلا بعد ثورة شعبية عارمة وعامة ومقاومة، متقطعة ومتفرقة، وبعد حرب عالمية شاملة أُجبرت بعدها على لملمة جنودها ومعداتها، وتركت كل شيء خلفها.

اليوم يوجد ضباط روس من رتب مختلفة في سوريا وعلى تماس مباشر مع وجهاء أو أعلام محليين للتفاوض وإقرار الترتيبات الأمنية والعسكرية ودون الرجوع إلى النظام

 واليوم يحقق بوتين في سوريا حلما راود الكرملين منذ الخمسينيات، وأصبح واقعا وسياسة يومية تكتب عنها وكلات الإعلام بما فيها إعلام النظام ذاته، وقد أُطلق على الروس في سوريا ألقابا تظهر الرضا والقبول الذي تحظى به هذه القوة التي تشبه في أوجه كثيرة الاستعمار، ما يعني أن السوريين يواجهون اليوم موجة استعمارية ثانية بدأت في الواقع بعد انطلاق ثورة شاملة ضد النظام، وصولا إلى لحظة دخول القوات الروسية للبلاد، والحالة الآن تأخذ طورها الأخير في الاستقرار بعد أن احتلت روسيا دور المفاوض فنابت عن النظام، وقبلت بها القوى المناوئة له، بل طالبت بها أحيانا، وهنا نجد أنفسنا بحاجة لاستعادة تراث سلطان باشا الأطرش وزملائه، واللجوء إلى ثورة ذات طعم مختلف وخاص يقارب ثورة السوريين على فرنسا التي جرت في القرن العشرين.