روسيا تستحضر تجربتها السورية في أوكرانيا

2022.04.17 | 06:04 دمشق

alksndr-dfwrnykwf.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد مضي أكثر من شهر ونصف على بداية الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، وجدت موسكو نفسها عاجزة عن تحقيق نصر كبير وسريع يتمثل بالسيطرة على العاصمة كييف والإطاحة بالرئيس فولدمير زيلينسكي، وهو ما دفعها إلى تقليص أهدافها لتقتصر في المرحلة الجديدة من الهجوم على السيطرة الكاملة على إقليم دونباس في الشرق، وعلى مدن ساحلية مطلة على البحر الأسود. هذا التحول في الحرب لم يقتصر فحسب على الاستراتيجية الروسية، بل شمل كذلك تغييراً في القيادة التي تتولى إدارة الهجوم. نهاية الأسبوع الماضي، ذكر مسؤولون غربيون أن الرئيس فلاديمير بوتين اختار الجنرال ألكسندر دفورنيكوف مسؤولاً عن العمليات العسكرية في أوكرانيا، وهو جنرال مخضرم ويوصف على أنه مُهندس التدخل العسكري الروسي في سوريا، كما سبق أن قاد القوات التي توغّلت شمالاً من شبه جزيرة القرم واستولت على مساحة من الأراضي في جنوب أوكرانيا في بدايات الحرب. قد يكون من الصعب التكهّن بما إذا كان دفورنيكوف سيُحدث بالفعل فرقاً في هذه الحرب، لكنّ المؤكد أن استحضار روسيا لتجربتها السورية يشير إلى المأزق الذي يواجهها في أوكرانيا.

تعيين دفورنيكوف قائداً للهجوم المرتقب على دونباس يُشير إلى توجه روسيا لتطبيق نموذج حلب في الإقليم

أثناء معركة حلب في 2016، كان دفورنيكوف القائد الفعلي لاستراتيجية الحصار الذي فرض على المدينة لخمسة أشهر وشمل استهداف المنشآت المدنية من مستشفيات ومخابز ومدارس على نطاق واسع. وقد نجحت هذه الاستراتيجية في إجبار فصائل المعارضة السورية على الانسحاب من حلب، لكنّ الكلفة كانت كبيرة جداً من حيث أعداد الضحايا المدنيين والدمار الواسع في البنية التحتية. رغم ذلك، فقد أكسبه نجاحه في إنقاذ نظام الأسد استحسان الكرملين. في عام 2016، أصبح بطلاً في الاتحاد الروسي، وهو أعلى وسام شرف في البلاد. كما حصل على منصب قائد للمنطقة العسكرية الجنوبية المتاخمة لدونباس، حيث قاتلت القوات الروسية ووكلاؤها أوكرانيا منذ عام 2014. خلال الأشهر الثلاثة الأولى من توليه المسؤولية في سوريا، اتهمت منظمات حقوقية الجيش الروسي باستخدام الذخائر العنقودية في مناطق مأهولة وتعمد قصف المستشفيات حول مدينة حلب.

تعيين دفورنيكوف قائداً للهجوم المرتقب على دونباس يُشير إلى توجه روسيا لتطبيق نموذج حلب في الإقليم. سبق للجيش الروسي أن استخدم هذا التكتيك بالفعل في مدينة ماريوبول الساحلية التي يحاصرها منذ أسابيع. مع ذلك، فإن إسقاط نجاح التجربة الروسية في سوريا على أوكرانيا يبدو غير منطقي لأسباب عديدة. الغزو الروسي لأوكرانيا عملية أكبر بكثير وأكثر كلفة من تدخلها في سوريا. في هجومها الشامل على أكبر دولة من حيث المساحة البرية في أوروبا، أرسلت روسيا 150 ألف جندي، وفقًا لتقديرات المخابرات الغربية. على النقيض من ذلك، كان التدخل السوري أصغر بكثير، حيث اعتمد إلى حد كبير على القوة الجوية لدعم قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها على الأرض. علاوة على ذلك، فإن التحديات التي تواجه روسيا في أوكرانيا مختلفة عما كانت عليه في سوريا، حيث لا يسيطر سلاح الجو الروسي على الأجواء، وقواته البرية استُنزفت بشكل كبير بسبب الإمدادات المنتظمة من الأسلحة المتطورة التي لم تكن متاحة للمعارضة السورية.تبرز معضلة أخرى أمام تطبيق السيناريو السوري في أوكرانيا وهي أن النظام السوري الذي كان يفتقر إلى قوات على الأرض، تنطبق حالياً على الجيش الروسي الذي يسعى لإبقاء خسائره منخفضة ويستعين بالقوات الشيشانية وبمقاتلين أجانب من دول الشرق الأوسط. لعل هذا ما يُفسر الفشل الروسي في إحراز تقدم في شمال أوكرانيا، حيث كان الاعتماد بشكل رئيسي على الدبابات والمركبات المدرعة المعرضة للخطر والتي أثبتت سهولة نصب الكمائن للقوات الأوكرانية. يُضاف إلى ذلك أن المعركة الحالية بالنسبة لروسيا في أوكرانيا تتطلب زج القوات البرية بشكل أكبر في ساحة المعارك على عكس سوريا التي استطاعت فيها موسكو تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية باستخدام القوات الجوية وعدد متواضع من المستشارين على الأرض.

أتاح التدخل العسكري الروسي في سوريا استعراض القوة العسكرية الروسية وقدرتها على تغيير مسار حرب كانت تنخرط فيها قوى عديدة، لكنّ الإخفاق الروسي الراهن في أوكرانيا، يكشف نقاط ضعف كبيرة في هذه القوة

التناقض الآخر بين تدخل القوات الروسية في سوريا عام 2015 وفي أوكرانيا الآن هو مستوى الكفاءة العسكرية. ففي حين أن موسكو أدارت عملياتها في سوريا بشكل مناسب لها من حيث طبيعة العمليات الهجومية، فإنها على العكس من ذلك بدت متخبطة في إدارة الحرب في أوكرانيا، حيث أدخلت قوات بعدد قليل جداً على جبهات كثيرة في وقت واحد للتمتع بتفوق في المعركة، لكنها اضطرت فيما بعد إلى التراجع بعد تكبد خسائر كبيرة. أتاح التدخل العسكري الروسي في سوريا استعراض القوة العسكرية الروسية وقدرتها على تغيير مسار حرب كانت تنخرط فيها قوى عديدة، لكنّ الإخفاق الروسي الراهن في أوكرانيا، يكشف نقاط ضعف كبيرة في هذه القوة. وإذا لم يستطع بوتين إحداث تحول في مسار الهجوم على أوكرانيا، فإن المكانة التي اكتسبها الجيش الروسي من خلال التجربة السورية ستصبح مثال جدل ونقاش كبيرين في المستقبل.