روسيا تجند اجتماعات أستانا لخدمة أجندتها

2022.11.20 | 05:00 دمشق

أستانا 12
+A
حجم الخط
-A

تعقد في 22 و23 من الشهر الجاري جولة جديدة من مفاوضات أستانا بين النظام السوري و"بعض" المعارضة السورية، وسط يقين من جميع الأطراف بأن هذه الجولة، لن تكون نتائجها أفضل من نتائج 18 جولة سبقتها، وكانت حصيلتها جميعا مقاربة للصفر. ووفق الخارجية الروسية، فإن اجتماع أستانا سيناقش الواقع على الأرض، وتحسين الوضع الإنساني، "من خلال تمويل مشاريع الإنعاش المبكر للبنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية".

ورغم الإشارة الشكلية إلى أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2642، فمن الواضح أن القضية الأساسية لدى الروس، ولدى النظام وإيران تاليا، هي محاولة حشد دعم دولي أو إقليمي لضخ بعض المال في اقتصاد نظام الأسد المتهالك، تحت ذريعة مشاريع "الإنعاش المبكر" وإعادة تأهيل البنية التحتية، وهي عبارات وردت في قرار مجلس الأمن الأخير (2642) الصادر في تموز من العام الماضي والخاص بتمديد المساعدات الإنسانية عبر معبر "باب الهوى" وذلك بهدف "توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى" وفق القرار، حيث تحاول كل من روسيا والنظام السوري إقحام هذا المصطلح ضمن جهودهم للتحايل على العقوبات الدولية المفروضة على النظام من جهة، ولفتح باب مساعدات إعادة الإعمار المغلق بقرار غربي حتى الآن، ربطا بالحل السياسي.

وكان وزير خارجية النظام فيصل المقداد بحث هذا الأمر مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ضمن اللقاءات التي أجراها في نيويورك مؤخرا، حيث تعهد غوتيريش بالعمل على ضمان تمويل مشاريع التعافي المبكر وخاصة الكهرباء، في حين زار المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي دمشق الشهر الماضي لبحث هذه المشاريع، على أساس أن إنجازها بالتعاون مع النظام السوري ضروري للمساعدة في خلق الظروف المناسبة لعودة اللاجئين.

ورغم الإشارة الشكلية إلى أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2642، فمن الواضح أن القضية الأساسية لدى الروس، ولدى النظام وإيران تاليا، هي محاولة حشد دعم دولي أو إقليمي لضخ بعض المال في اقتصاد نظام الأسد المتهالك

والواقع أن النظام السوري، وخلفه روسيا يعولان كثيرا على الأموال والمشاريع المرتبطة بـ"التعافي المبكر" باعتبار أن لها غطاء دوليا عبر قرار مجلس الأمن، ويستعجلان الأمم المتحدة لزيادة عدد هذه المشاريع، وتوسيعها لتشمل جميع القطاعات، وخاصة قطاع الكهرباء الذي يعيش واقعا مترديا، يوثر سلبا في كل القطاعات الأخرى، بما فيها الصناعة والزراعة والسياحة، وهو ما كان مدار بحث بين مسؤولي النظام ورؤساء مكاتب وبعثات وكالات الأمم المتحدة العاملة في سوريا الشهر الماضي تحت عنوان آليات تنفيذ قرار مجلس الأمن 2642 وخطط الأمم المتحدة لتنفيذ المشاريع المشمولة بمجال التعافي المبكر.

ومن الواضح أن النظام يركز كثيرا على هذه المشاريع باعتبارها منفذا للحصول على أموال المنظمات الدولية، حتى أن روسيا اشترطت للموافقة على بقاء معبر باب الهوى مفتوحا، بتنفيذ هذه المشاريع، وسط معلومات تشير الى أن وزارات النظام المختلفة مثل الخارجية والشؤون الاجتماعية والعمل والزراعة والكهرباء وضعت خططا لتأمين أموال بنحو مئة مليار دولار من الأموال الدولية، وهي خطة نظرية، لكنهم يسعون إلى تطبيقها.

ومن حيث المبدأ، تنفق الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها أموالها تحت ثلاثة بنود رئيسية، إما لدعم مشاريع "التنمية الاقتصادية" والتي تركز على البنى التحتية والتعليم والسكن والتكنولوجيا وكل ما من شأنه تحسين مستوى الحياة على المدى البعيد، أو على مشاريع "الاستجابة الطارئة" التي تركز على تأمين المساعدات بشكل عاجل للمناطق المتضررة نتيجة صراعات مسلحة أو كوارث طبيعية، أي تأمين احتياجات النازحين. وأخيراً هناك مشاريع "التعافي المبكر" التي تقع وسطا بين هاتين الحالتين.

وبهذا المعنى، فإن مشاريع التعافي المبكر لا تطابق فكرة إعادة الإعمار التي يتم الحديث عنها خلال النقاشات الدولية المتعلقة بسوريا، ومع ذلك فإن النظام السوري وروسيا يحاولان الخلط بين المصطلحات خدمة لأهدافهما، وهما يعتبران مثل هذه المشاريع مهما كانت طبيعتها، تصب في مصلحة النظام لجهة مده بالأموال الشحيحة في خزينته العامة (والمزدهرة في حسابات كبار مسؤولي النظام)، من جهة، وكخطوة تساعد على إكسابه المزيد من الشرعية الدولية من جهة أخرى، خاصة أن هذه المشاريع مقبولة أيضا من الولايات المتحدة التي كانت لوحت بدعم مشاريع من هذا القبيل، كرد على تمنع روسيا في الموافقة على التمديد لقرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى، بحيث يعتمد المجتمع المحلي على نفسه بقدر أكبر، بعيدا عن المساعدات الخارجية. وطبعا كانت تعني المناطق الخارجة عن سلطة النظام السوري، في شمالي البلاد وشرقها.

ولا يخفى أن المنظمات الدولية التي تواجه صعوبات جمة في الإشراف على مشاريعها ضمن مناطق غير خاضعة لسلطة نظام الأسد، سيكون من شبه المستحيل عليها التحكم بهذه المشاريع في مناطق سيطرة النظام الذي يسعى للسيطرة الكاملة عليها وتوجيهها لخدمة أجندته وتحويلها إلى مؤسساته العسكرية والأمنية كما هو الحال مع مشاريع الأدوية.

والاختلاف الآخر، وهو ما يسيل له لعاب النظام، أن مشاريع إعادة الإعمار تمول عادة عبر قروض واجبة السداد، في حين أن مشاريع التعافي المبكر تقدم كمساعدة إنسانية، وهذا بيت القصيد لدى نظام الأسد الذي يكرس جهده لابتداع طرق تمكنه من الاستيلاء على هذه المشاريع، وتجييرها لخدمته، من خلال التلاعب بأسعار صرف الدولار، أو توجيه مؤسسات تابعة له بالواقع، وتحمل صفة مستقلة، للتعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها، بهدف خلق أولويات مصطنعة لإنفاق الأموال الدولية عليها، بعيداً عن الاحتياجات الفعلية للسكان، وخاصة المدمرة بيوتهم ومدنهم، بفعل قصف قوات النظام، وهؤلاء يعتبرهم الأخير غير جديرين بالمساعدة، بل يجب مواصلة معاقبتهم بسبب تجرؤهم على الثورة ضده.