روسيا التي تبحث عن منقذ

2020.10.29 | 00:01 دمشق

borowitz-putinmidterms.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتسارع الأحداث الإقليمية والدولية وتحفل بالتطورات والمتغيرات. المزيد منها سيأتي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. ستكون روسيا أكثر القوى المتأثرة بنتيجة الانتخابات. دونالد ترامب هو المرشح المفضل لروسيا بينما جو بايدن هو المرشح المفضل للصين. الأرقام حتى الآن تشير إلى تقدم بايدن على ترامب، ولكن يستحيل الحسم، والمفاجآت ممكنة في مثل هذا الاستحقاق على غرار ما حصل بين ترامب وهيلاري كلينتون. بفوز بايدن ستتحسن العلاقة الصينية الأميركية، على حساب العلاقة الأميركية الروسية التي كانت في أوجها عند مؤتمر هلسنكي بين ترامب وفلاديمير بوتين.

تأتي الانتخابات على وقع ضربات كثيرة تتلقاها روسيا، من البحر الأسود الذي تكتشف فيه أنقرة كميات هائلة من الغاز، الأمر الذي سيؤثر سلباً على العلاقة مع موسكو، لأن العلاقة التاريخية والمصلحة بين الطرفين ترتبط باستيراد تركيا للغاز الروسي، بفعل الاكتشافات التركية لن تعود هناك حاجة إلى الغاز الروسي الأمر الذي سيرتد سلباً على اقتصاد موسكو. حتى التفاهمات التي نسجت حول سوريا تهتز وقابلة للتفجر في أي لحظة. العلاقة سيئة في ليبيا، كما في الصراع الدائر حول أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني قره باغ.

 ومن أكبر مخاوف الروس هو الوصول إلى اتفاق أميركي إيراني ما بعد الانتخابات، سينعكس سلباً على دور موسكو بشكل جذري، وهذا قابل لأن يتحقق في حال فوز جو بايدن، إذ كانت إيران قد أبرمت معاهدة استراتيجية مع الصين وليس مع روسيا فيما تعتبر طهران أن تجربتها في الأسلحة الروسية سيئة جداً، منذ صفقة صواريخ إس 300، إلى التأخير بتسليمها، وصولاً إلى ضربها من قبل الطائرات الإسرائيلية، كما ضربت هذه القواعد والبطاريات في أذربيجان من قبل حلفاء تركيا. ولكن على إيران أن تقف باهتمام أمام سقوط "تفاهمات أستانا" بانعكاسها على هذه العلاقة الثلاثية بين روسيا وإيران وتركيا، ما يعني مزيدا من الإضعاف لدورها مستقبلاً.

 في المقابل تتصاعد مؤشرات الحرب الروسية التركية. من ليبيا، وتصاعد التوتر في سوريا بعد الضربة الروسية التي وجهت إلى فيلق الشام. لا يبدو أن هذا الصراع قابل للتوقف، إنما سيتوسع إلى قبرص، واليونان، كذلك بين أرمينيا وأذربيجان، كل هذه المقاومات ستقود إلى مزيد من التصدعات في بنية محور الممانعة، وستنعكس على العلاقة الإيرانية الروسية. هنا لا بد من العودة إلى ضربة الطائرات التركية لعناصر من حزب الله في إدلب قبل أشهر.

 عندما كان السلطان سليم يريد مهاجمة إيران، قرر فيما بعد الاتجاه جنوباً وخاض معركة مرج دابق، حالياً يتكرر السيناريو نفسه، في الاهتمام التركي بالجنوب، ليس في سوريا فقط بل في لبنان مستقبلاً، وعلى وقع توتر العلاقة مع إيران وروسيا. هنا لا بد من العودة التاريخية إلى النظرة التركية لأن تعزيز النفوذ التركي في المنطقة كلها مدخله سوريا. على الرغم من انسحاب الأتراك من بعض نقاط المراقبة قبل فترة، إلا أن ذلك لن يؤدي إلى مزيد من التنازلات أو التراجعات بل في سبيل تعزيز الوجود في مناطق أخرى.

 لا يمكن لتركيا أن تتخلى عن سوريا، وهي التي لا تتمتع فقط بالمناطق الحدودية المحاذية على خطّ طويل، إنما تتمتع بالقدرة المالية والبشرية والثقافية والعسكرية والتكنولوجية لتوسيع النفوذ وتمكينه، بينما إيران لن تكون قادرة على توسيع نفوذها في سوريا أكثر مما بلغته. أما روسيا ففي واقع مأسوي، بعد خمس سنوات على التدخل لم تنجح موسكو في تحقيق أي اتفاق حول الحل السياسي، غير قادرين على السيطرة على الواقع ولا تقديم أي دعم مادي لسوريا التي يجتاحها الفقر باستفحال دون أي قدرة لتوفير مقومات البقاء والصمود البشري والاجتماعي. فيما أعطى الوجود الروسي فرصة لتركيا لتثبيت مواقعها في الشمال، وأميركا في الشرق، وإسرائيل في الجنوب، وهذا بحد ذاته يتعارض مع الطرح الروسي الثابت بأنهم يريدون سوريا موحدة.