رمزية الأطفال السوريين في أفلام الكرتون التركية

2021.06.02 | 06:40 دمشق

maxresdefault.jpg
+A
حجم الخط
-A

كنت جالساً مع ابني ذي الأعوام الثمانية في أثناء مشاهدتنا برامج الأطفال التركية، لفتَ انتباهي وجود الأطفال السوريين في أفلامها الكرتونية، وهو ما يدفعنا للتساؤل: كيف يحضر الأطفال السوريون في أفلام الكرتون التركية؟ وما هي الرسائل الرمزية التي توجهها هذه الأفلام إلى أطفال السوريين والأتراك؟

أدى استمرار الحرب السورية إلى طول إقامة اللاجئين السوريين في تركيا، التي أخضعتهم خلالها للمنظومة القانونية التركية كغيرهم من المواطنين الأتراك، وفي كل أشكال حياتهم العامة مع بعض القوانين الخاصة باللاجئين وتنظيمهم، وقد أصبحوا بذلك جزءاً من بنية المجتمع التركي المركّبة، فكان من الطبيعي أن يكونوا جزءاً من أشكال الخطاب السياسي والاقتصادي والإعلامي والتربوي، خصوصاً بعد دمج الطلاب السوريين في المدراس التركية عام 2016م.

بعد مضي عشر سنوات على وجود السوريين في تركيا، وولادة جزء كبير من أطفالهم على أراضيها، اكتسبوا خلالها الثقافة التركية، وانتسبوا إلى منظومتها التربوية، كما تفاعلوا مع عاداتها وتقاليدها، لم يعد من الممكن تجاهل هذه الفئة المهمة من اللاجئين السوريين، بل كانوا هدفاً للإعلام التركي، لا على مستوى الإعلام التربوي الذي خصص درساً في قنواته التربوية (TRT EBA) لتعليم اللغة التركية للأطفال الأجانب في  مراحل التعليم ما قبل الجامعي كل - وهي مساحة غير كافية لتعلمها بطبيعة الحال، بل أيضاً على مستوى برامج الأطفال (الأفلام الكرتونية) لغرس القيم التربوية والوطنية والاجتماعية في نفوس هذه الفئة الجديدة على الوسط الاجتماعي التركي والتي يستهدفها هذا الإعلام.

مشهد فرح الطالبتين بصديقتهما يشير إلى الشعب التركي في حسن استقباله للاجئين السوريين وكرمه في ضيافة إخوته وجيرانه

ففي إحدى حلقات الفيلم الكرتوني التركي الشهير (أليف وأصدقاؤها) الذي يُوجّه إلى الأطفال الذين تترواح أعمارهم بين 4 - 8 سنوات. عُنونت الحلقة الثامنة عشرة بـ: الصديق الجديد، تبدأ الحلقة بدخول المدرّسة إلى صف في مرحلة الروضة، لتبشر طلابها بخبر جديد، وهو وجود طفلة جديدة (عهد) في صفهم من سوريا، فهي من دولة أجنبية بعيدة، وهي حزينة لشوقها إلى بيتها وأصدقائها في بلدها الأصلي، كما أنها تعرف قليلاً من اللغة التركية التي تعلمتها من أقرانها في مكان سكنها الجديد، فيتوجب علينا مساعدتها. فرحت الطفلتان (أليف وعائشة) بهذا الخبر، وزيّنتا الصف بتعليق الرسومات الجميلة على جدارنه كمفاجأة سارّة للصديقة الجديدة (عهد) التي قدمتها مديرة الروضة ومدرّسة الصف، إلى الطلاب الأتراك. ولم تَمض الحصة الأولى من اللعب حتى يشعر المشاهد بأن (عهد) قد أصحبت طالبة أساسية في صفها.

إذا فككنا الرسائل الرمزية المتعددة لهذا الحلقة، فإن مشهد فرح الطالبتين بصديقتهما يشير إلى الشعب التركي في حسن استقباله للاجئين السوريين وكرمه في ضيافة إخوته وجيرانه، بل ويمثل تقديم المديرة بنفسها - مع المدرّسة - للطالبة السورية الجديدة (عهد) إلى طلاب الصف، موقف الحكومة تجاه اللاجئين السوريين، التي تبنّت سياسة الباب المفتوح، وأطلقت عليهم مقولة: (الأنصار والمهاجرون) أو (الضيوف السوريون).

أما (عهد) فإنها تجسد حال السوريين في حزنهم وقهرهم على اقتلاعهم وتهجيرهم خارج بلادهم، كما أنها ترمز إلى واقع الطفولة السورية المرّ، الذي تعاني فيه مشكلات إنسانية واجتماعية ونفسية، وقد مثّل تقبّل أقران (عهد)  لها واحتفالهم بها، ولعبهم معها، ومشاركتهم إياها ألعابهم المختلفة إشارة رمزية جميلة؛ لأهمية التكيف الاجتماعي والدراسي، خاصة إذا علمنا أن شخصية (عهد) قد أضحت من الشخصيات الأساسية في كل الحلقات اللاحقة لهذا الفيلم، ولا يُميزها عن غيرها من الطلاب الأتراك إلا اسمها العربي. 

في فيلم كرتوني تركي آخر موجه للأطفال بين عمر 8 - 13 (رافادان طيفا) الذي يُعدّ من أشهر أفلام الكرتون التركية من حيث تنوع موضاعاته واختلافها (ديجتال طيفا، رمضان طيفا، وغيرها)، أو نوعية القيم الوطنية والأخلاقية والتربوية والإنسانية التي يسعى إلى ترسيخها في أفئدة الأطفال، يُخصص حلقة بعنوان: (ضع نفسك مكانه)، وتبدأ باجتماع أربعة أطفال لتمثيل منتخب تركيا في كرة القدم، مع وجود طفل غريب  اسمه (طاهر) على طرف ساحة اللعب يعزف الناي الحزين، ولا يسمح له أحدهم يدعى (خيري)-  الذي يمثل موقف غير المتقبّلين للأجانب في بلدهم- باللعب معهم؛ لأنه أجنبي ولا يعرف اللغة التركية.

وضع المتعاطفون (الثلاثة الآخرون) مع الطفل الأجنبي، والذين يعبّرون عن موقف غالبية المجتمع التركي المرحبة بالأجانب، خطة يكون فيها (خيري) مكان الطفل الغريب - عنوان الحلقة - وهي التحدث معه بلغة عكسية حتى لا يفهم السامع معاني الكلام، يبدؤون بالجملة من نهايتها إلى أولها، من مثل: كيف حالك؟ فتصبح: كلاح فيك؟ وغيرها..

الرسالة الرمزية الأساسية لهذا الفيلم إنسانية أخلاقية موجهة إلى غير المتقبّلين للأجانب في بلدهم، وهي الفئة القليلة التي يمثلها (خيري)، وهي أن تضع نفسها مكان (طاهر) الذي يعيش أزمة الإنسان الغريب عن بلده، وما يعانيه من مشكلات حياتية واجتماعية في وسط لا يفهمون لغته وثقافته، ولا يفهم هو لغتهم وثقافتهم. هذه التجربة القصيرة لـ(خيري) في أن يكون مكان الأجنبي لفترة محدودة، لم تعلمه درساً في تقبّل الآخرين مهما كانت دولتهم أو لغتهم فحسب، بل والمبادرة إلى مساعدتهم في تعلّم اللغة التركية وثقافتها ليكونوا أفراداً فاعلين في المجتمع يحققون النجاح والازدهار لتركيا ومنتخبها، واقتصادها، ومكانتها، ومستقبلها.

لا يُميط لنا النموذجان السابقان اللثام عن رمزية حضور الأطفال السوريين وأهميتها في أفلام الكرتون التركية، بل يُبرزان أيضاً أهمية هذا الفن ودوره في استزراع القيم الإنسانية والاجتماعية والتربوية والأخلاقية في قبول الآخر المختلف عنا مهما كان عرقه ولغته وجنسه ودينه ودولته، بالإضافة إلى دور هذه الفئة الاجتماعية (الأطفال من السوريين والأتراك) في صناعة تكيف اجتماعي سليم وطويل الأمد بينهما، فضلاً عن دورهما في بناءٍ مشترك لمستقبل آمن لهما.

نتمنى على هذا الإعلام أن يتدارك الأمر، في أن تحظى برامج الأطفال بالمكانة التي تليق بها في سياسياته البرامجية، للتصدي للقضايا التي تواجه أطفالنا في بلاد اللجوء

أما الأمر الذي لا نفهمه ونقف حيارى بشأنه فهو الغياب التام لبرامج الأطفال (ومنها أفلام الكرتون) من السياسيات البرامجية للإعلام السوري المعارض المقيم في تركيا ومنه تلفزيون سوريا! فهل الأمر يعود إلى إهمال هذا الإعلام لهذه الفئة الأساسية من المجتمع السوري؟ أم إلى عدم إدراك أهمية هذه الفئة ودورها في صناعة مستقبل سوريا المنشود؟ أم أن الأمر يعود إلى كليهما معاً؟ خاصة أن هذا الإعلام في بثّه الفضائي التلفزيوني أو مواقعه الإلكترونية قد أخذ على عاتقه مهمة متابعة الشأن السوري من سياسة ورياضة وثقافة وعشائر وصحافة وغيرها، لذلك نتمنى على هذا الإعلام أن يتدارك الأمر، في أن تحظى برامج الأطفال بالمكانة التي تليق بها في سياسياته البرامجية، للتصدي للقضايا التي تواجه أطفالنا في بلاد اللجوء، منها: التكيف الاجتماعي في البلاد المضيفة لهم، وخصوصاً دوره في بناء الهوية السورية الوطنية والثقافية التي تواجه خطر ضياعها إلى الأبد، فضلاً عن دوره الرئيس في ترسيخ قيم المواطنة القائمة على الحرية والعدالة والكرامة والمساواة، وهي القيم التي ثار من أجلها الشعب السوري ضد الديكتاتورية الأسدية عام 2011م.