رغم الألم.. هناك بصيص أمل

2022.08.09 | 07:06 دمشق

رغم الألم.. هناك بصيص أمل
+A
حجم الخط
-A

لا يغيب عن ناظر السوريين والعالم الخراب الاقتصادي والتهتك الاجتماعي الذي اجتاح سوريا جاعلاً عملتها بلا قيمة، وإنسانها أرخص السِلَع. لقد أضحت إنتاجيتها معدومة، تقتصر على الظلم والقهر والإحباط والخوف؛ مداخيل سلطتها مبنيةٌ على المخدرات، والابتزاز، والاتجار بحقوق الوطن والمواطن، وما ابتلَعتْه تاريخياً من خيرات هذا البلد، بتأجيره للمحتل من أجل حمايتها.

مَن يقيم فيها- واسمه خطأً "مواطن"- يبقى على قيد الحياة، إِن هو تلقى مساعدةً خارجيةً من قريب، أو مِنَّةً كسلل غذائية، يسرق "الشبيحةُ" معظمها؛ هاجسه الخروج مِن هذا الذي يُسمّى "وطن"؛ والذي يصفه محتلوه ب "السيّد الواحد المستقل"؛ ولكنه بالحقيقة أضحى قِطَعاً مبعثرةً متنافرةً، ومخيمات، ونازحين ولاجئين، يستخدمهم الجميع كأوراق مساومةٍ ومصالح.

ولا يغيب عن ذهن أحد أن روسيا لم تأتِ إلى هذا المكان لتحارب الإرهاب أو حتى لتحمي السلطة والدولة، بل لتحقيق مصالحها، ولتضرب مصالح دولية أخرى عبر ابتزازها وتجارتها بالقضية السورية. وكذلك الحال بالنسبة لإيران في إنجاز مشروعها الخبيث بالسيطرة على محيطها العربي تحت كل أنواع الذرائع وعلى رأسها "المقاومة والممانعة". والأمر ذاته يُساق على باقي المتدخلين بالقضية السورية بطُرقٍ وأساليب وحيثيات مختلفة.

ثورات التغيير تمر بمراحل مد وجزر، قوة وضعف، غليان وفتور، تألق وانحسار؛ ولكن، في النهاية يحدث التغيير، وتكون الولادة الجديدة، ولو طال الزمن

ضمن هذا السواد الكالح، والإحباط، وانسداد الآفاق؛ ورغم التخبط في قيادة المد المعارض وإفلاسه من جانب، ومحاولات فرض معايير العمل السياسي في الظروف المثالية من جانب آخر؛ ورغم إدارة العالم ظهره للقضية السورية، غفلة أو عمداً، وتركها تهترئ وتتفسّخ؛ ورغم محاولات جَرّ القضية السورية إلى سحق الحق السوري، وتضييع حق أكثر من مليون شهيد، لن ينجحوا؛ وإرادة السوريين موجودة، وتصارع مصالحهم موجود، وطالما هناك "حفنة أمل" تبشّر بانبلاج ضوء يبزغ من قلب الظُلمة، يعِدُ بعودةٍ سوريةٍ حتميةٍ إلى الحياة، يمثلها نهج هاجسه الشأن العام، مصممٌ على استعادة وطن ليس للسوريين غيره، يؤمن بأن ثورات التغيير تمر بمراحل مد وجزر، قوة وضعف، غليان وفتور، تألق وانحسار؛ ولكن، في النهاية يحدث التغيير، وتكون الولادة الجديدة، ولو طال الزمن.

فعلى الصعيد الداخلي، هناك اهتراء للسلطة يعكسه غيابها أو تصرفها المفلس تجاه ما يحدث على الأرض؛ فأن يأخذ المواطن القانون بيده، ويكون القوة الرادعة والحاكمة والمسؤولة اقتصادياً والمتصرف بالشأن العام؛ يعني غياب سلطة النظام حتى ولو كان – كما يتم التفسير- يتحكّم عن بعد عبر أدوات تقوم مقامه. هذا الأمر ضربته السويداء مثالاً، عندما تجرأت واجتثت أحد أدواتها. فحتى لو تنصّل "النظام من العلاقة مع تلك الظاهرة"، فالرسالة وصلته. هذه الأدوات يتم اقتلاعها برأي عام وإجماع. فالضربة لتلك الأدوات، ضرب لمنظومة الاستبداد. إن اقتلاع ظاهرة أداة مسمومة تشبيحية إرهابية تشغّلها تلك المنظومة وحُماتها، خطوة أساسية أولى تعكس ملامح توحد مجتمعي على الخلاص من تلك الأوبئة، والانطلاق لاستعادة سوريا حياتها الحرة الكريمة.

ها هي الفتن التي يحيكها "النظام" تتكشف؛ أكان ذلك داخل محافظة واحدة، أم بين منطقة وأخرى. وها هو فساده يتعرى؛ وكذبة "حماية الأقليات" لم تعد تنطلي على أحد. أما أذرع ماكينته الدعائية، فأضحت تدور في الفراغ؛ ولن يفيده انفصامه عن الواقع، ومحاولته الانشغال في الخارج. فعلى الصعيد الخارجي، يريح منظومة الاستبداد أن تكون القوى التي تحميها في حالة قوة وارتياح؛ إلا أن تلك القوى في حالة لا تُحسَد عليها؛ فهذه روسيا تجد العالم ضدها لفعلتها في أوكرانيا، واقتصادها، نتيجة العقوبات والمقاطعة، في حالة يرثى لها، وقطع أذرع وجودها على الساحة السياسية العالمية يجري على قدم وساق، وتصنيفها كـ"دولة إرهابية" قيد التحقق، وفتح ملفات إجرامها تتم دفعة واحدة، وعندما تهدد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أميركا، يعني أن الأمور وصلت إلى حالة غير مسبوقة.

وها هو التخبط البوتيني يحضر "الوكالة اليهودية" من روسيا، ليمَس بقداسة خاصة للإسرائيليين، ويضيّق المساحات الرمادية بين روسيا وإسرائيل، ويجعل التصادم حتمياً؛ فتلك الوكالة شكّلت أساس الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين، ومسّها خطٌ أحمر للصهاينة، حتى ولو كان الفاعل عميلا. عندما تكون روسيا، التي تشكل قُبّة الحماية الأساسية لمنظومة الاستبداد الأسدية في وضع كهذا، فذلك "كمشة أمل" للسوريين ضحايا إجرامها في بلدهم.

لا يخفى على أحد انحسار موجة التطبيع مع منظومة الاستبداد. فالأردن، مثلاً، يتحسس وضعه، ويستنفر العالم، بعد أن بذل مساعيه "الخيّرة" للتفاهم مع "منظومة الاستبداد"

من جانب آخر، وبعكس توقعات التقارب بين نظام الأسد وتركيا إثر تصريحات وزير خارجية تركيا الأخير حول استعداد بلده لدعم النظام سياسيا، إذا ما "حارب إرهاب الـ pkk"؛ وبعكس إشارات بوتين في لقاء "سوتشي" الأخير؛ فإن الموقف الرسمي التركي من المنظومة لم يتغيّر في جوهره؛ بل أضحى أكثر إحراجا وأشد امتحانا؛ وربما سيكون الأخطر على مصير الأسد؛ فلتركيا "إزاحة الـPKK" استلزمت قمم وتجاذبات مصالح ومساومات دولية، فإن تمرير الروس لها لا بد يأخذ بطريقه الأسد، لأن مصيره بيدها.

إيران، والتي تشكل قبة الحماية المباشرة لمنظومة الاستبداد تتراقص بين الزلّة والزلّة؛ فاتفاقات النووي مع الغرب أضحت في خبر كان، رغم التصريحات التشبيحية لأبواق دعاية الملالي. وها هي السعودية تعيد وشائج العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية؛ وتعيد تأكيد موقفها تجاه إيران وأداتها في دمشق، وأدواتها في بيروت. وها نحن نشهد عودة الوئام بين دول عربية مفتاحية وتركيا. ولا يخفى على أحد انحسار موجة التطبيع مع منظومة الاستبداد. فالأردن، مثلاً، يتحسس وضعه، ويستنفر العالم، بعد أن بذل مساعيه "الخيّرة" للتفاهم مع "منظومة الاستبداد"، وإذ به يجد رأسه تحت تهديد إرهاب سلاح الملالي ومخدراتهم. كل ذلك يشكل بالنسبة للسوري ومضات أمل، وملامح مهمة لحصار المنظومة التي سعت لإلغاء حياته. بقي عليه أن يجدد العزيمة للخلاص والانطلاق بإرادة وتصميم وعمل ومقاومة تديرها عقول السوريين لاستعادة وطنهم.