رسالة الأسد إلى ترامب

2020.09.23 | 00:05 دمشق

alasd.jpg
+A
حجم الخط
-A

من بشار الأسد، رئيس الجمهورية العربية المفيدة بحي المهاجرين.. إلى الرئيس الأميركي المُوَلّي دونالد ترامب - البيت الأبيض.

لا تحية ولا سلاماً ولا كلاماً، فأنت، وأمثالك، في الحقيقة، دون مستوى التحية والسلام والكلام، ووالله لولا تصريحُك الأخير، المتعلق بمخططك الفاشل لاغتيالي، لما تركت شغلي في التنسيق بين طائرات الدول الصديقة التي تقصف في بلادي، والتوقيع على عقود إيجارات نصف قَرْنِيّة لهذه الدول، ومحاربة الإرهاب بين صفوف الشعب السوري.. لما غامرتُ بهدر ساعة من وقتي الثمين، وجلست إلى الطاولة لأكتب لك هذه الرسالة. وعلى كل حال فإن دماء السوريين الذين انشغلتُ عن قتلهم، بسبب انخراطي بكتابة هذه الرسالة، في رقبتك.

في سنة 1994 التقى رأس النظام السابق حافظ الأسد ورئيسكم بيل كلينتون في جنيف. (بالمناسبة أنا، عندما اختارني الشعب السوري وانتخبني، لم يكن يعرف أن حافظ الأسد والدي، فعندنا يتم اختيار الرئيس وفقاً للكاريزما القيادية التي يتمتع بها).. هل تعرف ما هو المانشيت الذي تَصَدَّرَ الصحف الأجنبية صباح اليوم التالي؟ لقد نشروا صورة اللقاء، وكتبوا تحت اسم كلينتون: رئيس صغير لدولة كبيرة، وتحت اسم رئيسنا: رئيس كبير لدولة صغيرة! رئيسكم السابق كلينتون، على فكرة، ليس فقط صغيراً، بل إنه لكذاب، بدليل قوله إنه انتزع من حافظ الأسد وعدَين خطيرين، أولهما الاعتراف بإسرائيل مقابل الانسحاب من الجولان، وثانيهما الانسحاب من لبنان مقابل إيجاد حل شامل لقضية الشرق الأوسط.

عندما أخاطبك، يا رئيس أميركا المُوَلّي (الذي لم تستكمل سنوات حكمك الأربع إلا بطلوع الروح، فكل يوم والثاني ينط لك أحدُ معارضيك ويطالب بعزلك وإجراء انتخابات مبكرة) فإنما أخاطب الرأيَ العام العربي والعالمي من خلالك. لو كنتُ أخاطبك، عبر يوتيوب، مثلاً، لوجدتني أضحك وأهز كتفيَّ يمنة ويسرة من شدة الضحك. كه كه كه.. رئيس لأربع سنوات كنتَ خلالها مهدداً بالعزل؛ وتصدق نفسَك بأنك رئيس؟ طز – على قولة عمي المرحوم معمر القذافي – بأميركا. نعم، طز.. فنحن، من دون يمين، لا ننكش أسناننا بأقل من ربع قرن حُكم! قال أربع سنوات قال.

سأعرض عليك، في هذه الرسالة، أشياء يمكن أن تفيدك، مع أني أشك في ذلك، فمثلك من الرؤساء الصغار لدول كبيرة يستحيل أن يستفيدوا من تجارب الرؤساء الكبار لدول صغيرة، مثلي. أرأيت إلى ذلك الصحفي، جون كوثتا، مراسل سي إن إن الذي قال لك: يا دونالد ترامب، غير الكذب والدجل ماذا قدمت للشعب الأميركي؟ ماذا فعلت معه؟ منعته من دخول البيت الأبيض بحجة أنه وضع يده على امرأة؟ هه هه هه.. وماذا بعد؟ ذهب إلى القضاء وأتاك بحكم يجبرك فيه على الدخول! يا إلهي، نحن هنا في سوريا، كم ضحكنا عليك وعلى حالة الفلتان الأمني التي تعاني منها، حتى مستشاري الأستاذ بثينة شعبان خَشَّبَ من الضحك عليكم.

دعنا نرجع إلى الجد. هل تعلم لماذا يوجد مثل هؤلاء الصحفيين في أميركا ولا يوجدون في سوريا؟ سيقودك ذكاؤك المحدود إلى أن هذا حصل بمحض المصادفة. أبداً. لا يوجد شيء في عالم السياسة

هل تريد أن أذكرك أنك قد فزت، قبل أربع سنوات، على منافستك هيلاري كلينتون بصعوبة بالغة؟ طيب، هل لك أن تصف لي الناخبين الذين ذهبوا إلى المركز الانتخابي لينتخبوك، أو ينتخبوا منافستك؟

يحصل بالمصادفة. برأيك كم سنة يحتاج الصحفي المتخرج حديثاً من كلية الصحافة حتى يقوى (ويخنزر) وتصل به الوقاحة أن يقول لرئيس جمهوريته (أنت كاذب)؟ نحن نختصر عليه كل هذه السنين ونُنهيه بمجرد ما تظهر عليه علائم النبوغ الغريبة تلك. كيف ننهيه؟ إذا كنت تسأل كيف ننهيه فهذا دليل آخر على غبائك.. نحن أنهينا، خلال نصف قرن، حياة العشرات من الشخصيات المهمة، وخرجنا منها كالشعرة من العجين، أفيصعب علينا إنهاء صحفي طرطور علاك؟

هذا، يا سيّئ ترامب، غيض من فيض يظهر فيه تفوقنا عليكم. هل تريد أن أذكرك أنك قد فزت، قبل أربع سنوات، على منافستك هيلاري كلينتون بصعوبة بالغة؟ طيب، هل لك أن تصف لي الناخبين الذين ذهبوا إلى المركز الانتخابي لينتخبوك، أو ينتخبوا منافستك؟ (أقصد الطريقة التي ذهبوا بموجبها إلى المركز).

سأعرض لك بعض المظاهر التي تترافق مع عرس الديمقراطية السوري الذي كان يترافق مع انتخاب الرئيس السابق حافظ الأسد، وهو نفس العرس الذي يحصل كلما انتهت السنوات السبع المقدرة لدورتي الانتخابية. الناخب الأميركي يذهب إلى صندوق الانتخاب، متسللاً، متوجساً، عابساً، منغلقاً على نفسه، لا يوجد أي تعبير على وجهه وكأنه لاعب البوكر، ويدخل إلى الغرفة السرية، ثم يطوي الورقة بحذر، ويأتي إلى حيث الصندوق، ويضعها فيه كما لو أنه – اللهم عافنا – قد ارتكب جرماً أخلاقياً يوطئ الرأس. الله وكيلك نحن قلما تجد ناخباً يأتي إلى مركز الاستفتاء هكذا، على النصت و(السكيت).. يأتون، يا خيو، زرافات زرافات، وكل مجموعة منهم يصطحبون معهم طبالاً أخا شليتة، وزمّاراً أخا حفيانة، ويعسكرون بضع دقائق أمام المركز، وخذ على دبيك ونَخّ وشيباش، وحينما يدخلون إلى المركز يمد كبيرهم يده ويعدهم ويقول لرئيس المركز سجل عندك، عشرين راس (نَعَم). فيسجل، وتتم عملية إلقاء ثلاثين ورقة تتضمن الموافقة على انتخابي ببهجة وسرور. سؤال آخر: هل صادف عندكم، في أميركا، خلال مئتي سنة، وأنتم تفرزون الأصوات، أن عثرتم على ورقة واحدة مكتوب عليها اسم الرئيس المُنْتَخَب بالدم؟ من دون أي مبالغة، كان عندنا صندوق، ذهب إليه وفد من شبيبة الثورة، وبعدما خرجوا شوهد الدم يجري من أسفل الصندوق، ومشى باتجاه العتبة، وصار الداخلون والخارجون يجقجقون الأرض بالدماء.

ماذا أحكي لك عن غبائكم لأحكي؟ أقسم بالله لو أنني بقيت ست ساعات أكتب لما وفيتكم حقكم. هل أبوح لك بسر يلخص مجمل العلاقة القائمة بين الجمهورية العربية المفيدة والولايات المتحدة الأميركية؟

الشعب الأميركي يصر إصراراً غريباً على انتخاب الرؤساء الأغبياء. بيل كلينتون، مثلاً، وأنت. قال كلينتون انتزع من حافظ الأسد وعداً بالخروج من لبنان، وهو وعد مشروط. أنتم، يا حجي، لا تعرفون مقدار القوة الجبارة التي تمتلكونها. أنا، مثلاً، حينما أخرجتُ قواتي من لبنان سنة 2005، هل كان ذلك نتيجة مفاوضات ووعود؟ أبداً، فنحن أصبحنا نحفظ سياستكم عن ظهر قلب، عندما تهددون وتتوعدون، نجتمع نحن على مستوى القيادة وندرس مدى (جدية) التهديد. مثلاً، أوباما قال لي صراحة وعلناً يا بشار إذا ضربت شعبك بالكيماوي سأنزع لك الطبخة. اجتمعنا، وجدنا كلامه ينتمي إلى جنس العلاك، ضربت شعبي بالكيماوي، ولا على بالي.. ولكن، يوم قال لي جورج دبليو بوش اطلع من لبنان ولاك.. وجدت الحديدة حامية، فخرجت..

وأخيراً، الله لا يوفقك، ولا يوفق أميركا، وطز بأميركا.