رسائل السيد عبد الله أوجلان

2019.06.23 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

دعا السيد عبدالله أوجلان مناصريه في كل من سوريا وتركيا إلى عدم الانجرار نحو الصدام أو الدخول في معارك حربية أو حتى سياسية مع النظامين الحاكمين. دعوة أوجلان هذه المرة هي غير ذي سابقتها من الرسائل الأخرى التي كانت مطولة، إضافة لبثه رؤيته للحلول المُستعجلة لأغلب القضايا سواء الطارئة أو ذي مخاوف بعيدة المدّة.

يقول السيد أوجلان في رسالتين منفصلتين توجه بهما إلى مُناصريه وأعضاء حزبه على طرفي الحدود: "نحن نؤمن بقدرات قوات سوريا الديمقراطية وأنه يجب حلّ المشاكل في سوريا ضمن إطار المحافظة على وحدة الأرض على أساس الديمقراطية المحلية المنصوص عليها في الدستور الأساسي، بعيداً عن ثقافة الاقتتال" كما يدعو، بعد عقدين من الاعتقال، للابتعاد عن أيَّ مصدر للتوترات والصراعات في المنطقة، وأخذ حساسيات تركيا في المنطقة بعين الاعتبار.

وفق رؤية أوجلان للحل في سوريا، فإن الحفاظ على ما تبقى من الجغرافية الكُردية خيرٌ من الدخول في مُعترك جديد يُفضي في نهايته لخسارة المزيد من الأراضي، واستمرار زهقِ الأرواح، ووفق رؤيته فإن أخذ الحساسية التركية بعين الاعتبار وتخفيف الاحتقان التركي إزاء قوات سوريا الديمقراطية والتي تشكل قوات الحماية الشعبية عمودها الفقري، لا يُقارن بقضية بقاء التوجس أو تشكيل تلك القوات أي فرص لخلق المزيد من الأزمات السياسية عبر الحدود وفق الرؤية التركية. ولعل أوجلان يدرك جيداً استحالة قدرة قوات سوريا الديمقراطية لمواجهة الجيش التركي الذي سيكون حتماً مدعوماً ومسبوقاً بنوعين من الحُلفاء: التشكيلات العسكرية المنضوية تحت لواء الحكومة السورية المؤقتة، وثانيتها: العشائر العربية، الشريحة الناقمة على الاتحاد الديمقراطي والمتعاطفة أو المنسجمة مع الدخول التركي.

وفق رؤية أوجلان للحل في سوريا، فإن الحفاظ على ما تبقى من الجغرافية الكُردية خيرٌ من الدخول في مُعترك جديد يُفضي في نهايته لخسارة المزيد من الأراضي، واستمرار زهقِ الأرواح

وفق منظور آخر، فإن توقيت الرسائل دقيقة جداً لجهة انتهاء الحرب، واقتراب دخول المنطقة إلى مفصل الحل السياسي وتطبيق التوافقات الإقليمية والمحلية، وسعي الاتحاد الديمقراطي للتقرب أو الحوار مع تركيا سيعني بالضرورة الالتزام مع التوجه الدولي نحو خلق إدارة جديدة للمنطقة بعيداً عن فرض المقاسات على الأفرقاء السياسيين.

ركز أوجلان في رسالته الأولى على كُرد سوريا أكثر من الحديث عن الجانب الكُردي في تركيا، وكان من المنطقي أن يكون العكس هو ما حصل، لولا إلحاقه رسالة أخرى سنأتي على ذكرها لاحقاً. مُعضلة الحساسية التركية يُمكن أن تُقرأ وفق رؤيتين مُركبتين أولهما: تُبرأ الأخيرة من أيّة مسائلة أخلاقية أو توسعية في الجغرافية الكُردية في سوريا، خاصة عفرين ونتائج عملية درع الفرات، لذلك يرى أنصاره وقيادات حزبه، وجود شكوك حول صحة مصدر الرسالة، وثانيتهما: أن تلك الحساسيات نفسها هيّ ما تُجسد الشيء الكثير لزعامة أوجلان على أنصاره في سوريا، والسعي نحو تكريس الولاء له ولحزبه.

يُمكن حصر تلك الحساسيات بعدد من النقاط:

  1. الصور والرموز والأنصاب الخاصة بالسيد أوجلان وتياره، وهي رسالة ضخ إيديولوجي في شرايين المجتمع في شمال وشرق سوريا بالكامل، تُعطي الذرائع لتركيا حول التبعية السياسية للمنطقة للعمال الكُردستاني، وهي –تركيا- الراغبة بمنع أيّ تجربة كُردية جديدة على تخومها على شاكلة تجربة إقليم كُردستان العراق.
  2. سلطة الاتحاد الديمقراطي على دير الزور والرقة وأطراف من منبج
  3. تفرد الحزب بالسيطرة على كُل شيء ورفض أي شراكة سياسية.
  4. وجود كيان كُردي على الحدود الجنوبية لتركيا قوامه وبنيانه وأساسه الاتحاد الديمقراطي بمفرده، خاصة بعد استحالة إلغاء الإدارة الذاتية، حالياً على أقل تقدير.

الأولى رُبما تتسبب شرخاً أو تصدعاً على صعيد العلاقات الداخلية ضمن الحزب وهياكله المتشكلة من إدارة ذاتية وقوات عسكرية، إذ من المنطقي وبل جداً تواجد شرائح وكتل حزبية تُدين بالولاء لزعيم العمال الكُردستاني، وأي مساس بما يرمز للسيد أوجلان يُعتبر مساساً بهيبة الحزب، وما بين شريحة أو كتلة حزبية تجدّ أن الأهم يكمن في التخلص من شبح الحرب بأيّ ثمن.

الثانية تحديداً تُشكل عمق الأزمة المقبلة ما بين التشبث بإدارة تلك الرقعة الجغرافية، أو الدخول في مواجهات مباشرة مع الأهالي المنقسمين إلى مؤيد ومعارض لوجود قوات قسد والاتحاد الديمقراطي أو التفاهم حول صيغة جديدة لإدارة الشريط الحدودي من عين ديوار إلى كوباني وتشكيل إقليم جديد وإدارة جديدة وقوة عسكرية مشتركة، مقابل تسليم الرقة ودير الزور وأطراف منبج إلى أهلها بعد تفاهمات حول طبيعة وديناميكية العلاقات بينهم، وليس نشراً للأسرار القول إن السعودية تسعى لخلق كُتلة بشرية لإدارتها سياسياً وعسكرياً في تلك المناطق لتسهل وأد الرغبة التركية بالتوسع هُناك إن وُجدت، وعلى تماس مُباشر مع القوات الإيرانية وقوات النظام السوري في دير الزور وغيرها.

الثانية تحديداً تُشكل عمق الأزمة المقبلة ما بين التشبث بإدارة تلك الرقعة الجغرافية، أو الدخول في مواجهات مباشرة مع الأهالي المنقسمين إلى مؤيد ومعارض لوجود قوات قسد والاتحاد الديمقراطي أو التفاهم حول صيغة جديدة لإدارة الشريط الحدودي من عين ديوار إلى كوباني وتشكيل إقليم جديد وإدارة جديدة وقوة عسكرية مشتركة، مقابل تسليم الرقة ودير الزور وأطراف منبج إلى أهلها

والثالثة تمثل عصب المشكلة في المنطقة الكُردية، والانفتاح المأمول شعبياً والمطلوب دولياً لن يجد حرجاً بعد ذالك.

أما الرابعة فستكون أحد عوامل السحب الأمريكي لتركيا إلى حلفها بعيداً عن روسيا، علماً أن أي حلف تركي – روسي يعني تضحية تركيا بوجودها.

كما دعا السيد أجلان خلال الأسبوع المنصرم إلى اتخاذ حزب الشعوب الديمقراطية موقفاً حيادياً من إعادة الانتخابات قائلاً: "إن مفهوم التحالف الديمقراطي، في حزب الشعوب الديمقراطي، يجب ألا يكون طرفا أو سندا في مناقشات الانتخابات الحالية". وأضاف "إن أهمية التحالف الديمقراطي، تكمن في أنه لا يشارك في المعضلات، ويصر على موقفه المحايد في الانتخابات". ولفت أوجلان، إلى أن المسار القائم على ركائز الإجماع الديمقراطي، والسياسة الحرة، والقانون العالمي، هو البرنامج السياسي الأكثر دقة وإنتاجية. في دعوة لالتزام أنصاره الحياد في إعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول.

يقول أنصار أوجلان وقيادة حزبه، إن الرسائل المُسربة من زعيمهم الأسير في جزيرة إيمرالي موضع شك وريبة؛ فهي تصدر تحت ضغط ومراقبة الاستخبارات التركية، وهي تخضع لسياسات النظام الحاكم في أنقرة، لذا قدّ تحتوي على تضمين ورسائل تخدم الأجندة التركية. وهذه بدورها تنقسم إلى مُتغيرين مُركبين مُتداخلين، أولهما توزع نقاط القوة والقرار والتحكم بمسيرة الحزب في كلُ من سوريا وتركيا مابين المؤيد أو المعارض لتلك الرسائل. وثانيتهما: أن النظام الحاكم في تُركيا، لم يجد سوى خيار اللجوء إلى أوجلان لضمان إعادة هيبته وسطوته على إسطنبول وبلديتها التي تسببت أصوات الكُرد المقيمين هناك في كسر هيبة العدالة والتنمية.

 وربما هي إحدى المشاكل التي لم ينتبه لها الحزب الحاكم نتيجة الهجرة من الأطراف إلى المركز منذ عقود سواء نتيجة سياسات المتبعة حتى ما قبل استلامهم للحكم في تركيا أو نجاح الشعوب الديمقراطية في السيطرة على الكُرد المقيمين في إسطنبول بما تمثله من رمزية تاريخية وشعبية وسياسية.

الرد السريع لحزب الشعوب الديمقراطية على رسالة أوجلان يشي بنوع من التركيب المُثلث، فهي تحاول أن تُجلي عن نفسها إيَّ علاقة بينها وبين العمال الكُردستاني، ويُفهم من سياق ذلك أنهم يُعيدون بمضمون الرسالة إلى الدولة التركية، وشكوكهم حول نيتها في حظر الحزب كما حصل سابقاً مع غيرهم، على الرغم من أن أوجلان يُعتبر من المؤسسين فكرياً وفلسفياً للحزب، إلا أنه ركز على الديمقراطية والحرية في اتخاذ القرار، كما يقولون، وثانياً أن القرار فعلاً بات خارج دائرة اتخاذه من إيمرالي، والفكرة الثالثة: طوال الأزمة السورية كان أنصار أوجلان يصرون على الخط الثالث، فما الذي حصل اليوم لعدم طاعة قراره في اتخاذ موقف مُحايد من الطرفين المتنافسين.

تصفير المشاكل بين الاتحاد الديمقراطي في سوريا والدولة التركية سيُفضي عنه اعترافا تركياً ولو بالتضمين بقوات الحماية الشعبية المؤسسة لقوات سوريا الديمقراطية، وإن كان اعترافا ممزوجاً بتنفيذ شروط ليس أقلها تغيير الصيغ وهياكل الإدارة ودوائر اتخاذ القرار وما شابه.

تصفير المشاكل بين الاتحاد الديمقراطي في سوريا والدولة التركية سيُفضي عنه اعترافا تركياً ولو بالتضمين بقوات الحماية الشعبية المؤسسة لقوات سوريا الديمقراطية

قدّ يكون أوجلان داعياً للفصل بين القضية الكُردية والاتحاد الديمقراطي في سويا، وبين القضية الكُردية في تركيا وعدم اعتبار الــ/ب.ي.د/ نفسه حزباً كُردياً تُركياً مُعارضاً للسياسيات التركيا في سوريا وتركيا. لكن شبه المؤكد أن المشاركة الفعالة لقوات قسد وقوات الحماية الشعبية ضد داعش وما قدموه من خسائر ثقيلة لجهة آلاف الشهداء والجرحى والتأثير العميق للحرب على مجمل القضايا، فإنها لن تكون بالمجان، على أقل تقدير، رُبما لن يتم التخلي عن أي طرف سياسي سوري مُشارك في الحرب ضد الإرهاب، لكن الأكيد أيضا لن يكون على قاعدة المطلوب المُنفذّ كُردياً، إنما وفق المفروض المُنفذ دولياً.

ما يهم كُرد سوريا اليوم، وقف شلالات الدم سواء في مناطقهم أو عموم سوريا، وأيّ دعوة للحوار وتغليب لغة العقل على السلاح من أيّ طرفً كان وكأنها رسالة جمعية من الشعب الكُري في سوريا، الثابت في موضوع أن حقوق كُرد سوريا هي جزء من القضية السورية عامة، وأي شكل للدولة أو نظام حكم سيكون بالتشارك مع السوريين على قاعدة ثبوت الوجود التاريخي للكُرد في مناطقه والشراكة السياسية ضمن سوريا اتحادية كأحد أشكال الحفاظ على وحدة الدولة السورية من الانهيار.