رسائل إدلب مع التحية

2018.09.18 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

مع ارتفاع هدير أصوات المتظاهرين في إدلب ترتفع المعنويات وتعو دإلى الذاكرة صور ولحظات لا تنسى من ثورة السوريين المتآمر عليها.

 أكثر من مئتي نقطة تظاهر في إدلب وكأننا قفزنا زمنيا إلى عام 2011، بحيث تحلق الروح ونحلم بأن تكون معهم في هذه اللحظات التي لايدرك معناها إلا من كان جزءا منها وشعر بولادته الحقيقية مع اكتشافه لصوته لأول مرة حين تعلم أن يقول "الشعب يريد.."

نعم يحق للشعب "أن يريد" دون أن يدفع ثمن إرادته تلك موتا وتنكيلا وتهجيرا، يحق له أن يريد دون أن تنغص صفو إرادته تلك مجموعات دخيلة أرادت أن تغتصب تلك الثورة وتلونها بالظلامية والأفكار العقيمة التي وأن انتجت سيكون نتاجها مشوها خارج الزمان وبعيداً عن حلمنا في الدولة المدنية الديموقراطية التي يحلم بها السوريون..

يحق للشعب أن يريد على أن يكون صوتنا واحد وقلبنا واحد مليء بالمحبة وعصي عن الحقد،

المشاهد التي خرجت من إدلب في اليومين الماضيين تقول عبارات واضحة جلية مكتملة الحروف: ما زلنا أحياء ويحق لنا أن نريد وأن نقول.

وحين يكون حلمنا جامعاً للجميع منصفاً لكرامات الناس وحقوقهم نساء ورجال ومحققا للعدالة للجميع.

هكذا تعلمنا كشعب "أن نريد" في مدرسة السنة الأولى للثورة، تلك الدروس التي يجب أن لا ننساها وأن نتعلم منها وأن نتذكر في رحلتنا المريرة والطويلة نحو الحرية كل تلك الأخطاء والسقطات التي وقعنا فيها كي لا نكررها مجددا وهي كثيرة. 

المشاهد التي خرجت من إدلب في اليومين الماضيين تقول عبارات واضحة جلية مكتملة الحروف: ما زلنا أحياء ويحق لنا أن نريد وأن نقول بينما العالم بأجمعه يعلن عن قلقه وترقبه للمجزرة التي قد يرتكبها النظام في إدلب الخضراء الغالية على قلوب السوريين.

أهالي إدلب لم يفكروا في عبارات القلق تلك، ولم يشاهدوا جلسات مجلس الأمن ربما، هم نظروا إلى المشهد من منطق مختلف تماماً عما يجول في أذهاننا نحن القلقين الغارقين في التشاؤم المتعبون من تكرار مشاهدة الكوارث والاحساس بالعجز، منطقهم يقول التالي: من قال إنه ليس للسوريين الحق في أن يقولوا ما يريدون؟ من قال أيضا إن مصير سوريا بيد كل العالم باستثناء السوريين؟ نحن هنا أحياء ولدينا حلم ما زال حيا في قلوبنا رغم المجزرة التي لم تنته، لا تبكونا قبل أن نرحل ولا تستبقوا القرار عنا فنحن ما زلنا نتنفس، وقلبنا ما زال يتوق لللرقص للحرية في ساحات التظاهر!

كان سيبدو طبيعيا أكثر في أن ينتظر من هم في الداخل رسائل رفع المعنويات من الناجين في الخارج إلا في حالتنا نحن فلطالما كان السوريون في الداخل أقوى منا.. مظاهرات إدلب بالأمس أعطت روحا ونورا لقلوبنا المثقلة بالأحزان وعقولنا العاجزة عن رؤية أي ضوء في آخر النفق..

على العالم أن يرى مظاهرات إدلب، أن يرى تلك الجموع الغفيرة من الأحياء المدنيين يهتفون ويقولون ماذا يريدون، حاملين علماً أو ثورتهم فقط حيث لا مكان لا أعلام سوداء في ساحات الحرية، لأن الحرية والكرامة لايمكن أن تلتقيا بأي حامل للفكر الظلامي أو مستبد سواء كان هذا الاستبداد سياسي أو ديني أو عسكري..

الحراك السلمي الذي رأيناه في إدلب هو البوصلة التي يجب أن يحملها السوريون، فالفصائل التابعة

المصلحة الوطنية يجب أن تنبثق من خلال حماية مصالح الشعب برمته وبمختلف مكوناته وصيانه حريته وحقوقه وكرامته ولن يكون ذلك إلا من خلال بناء دستور وطني يتطابق مع الشرعه الدولية لحقوق الانسان.

 باختلاف انتمائاتها لم تجلب إلا المصائب والويلات، لقد آن الأوان للعالم أن يشاهد أن إرادة التغيير مازالت حية في قلوب السوريين، وأن قدرتهم على القيام من بين الأنقاض أسطورية، آن الأوان لسقوط كل السلاح، وانتهاء الحرب، والتزام المقاومة السلمية لتحقيق المطالب والحراك المدني السوري الذي يتسع للجميع.

آن الأوان للخلاص من التبعيات اللاوطنية والخلاص من تجار الحرب والسلاح والموت وتحقيق السلام والانتقال السياسي في سوريا بإشراف الأمم المتحدة وتحت رعايتها، وهو أمر لن يتحقق إلا عبر دعم المسار التفاوضي الذي يجب أن يرتقي لحمل إرادات السوريين وهمومهم بحيث تكون مصلحة الإنسان السوري فوق كل اعتبار، فالمصلحة الوطنية يجب أن تنبثق من خلال حماية مصالح الشعب برمته وبمختلف مكوناته وصيانه حريته وحقوقه وكرامته ولن يكون ذلك إلا من خلال بناء دستور وطني يتطابق مع الشرعه الدولية لحقوق الانسان، بالإضافة إلى ضرورة القضاء على القمع الأمني وتحقيق سيادة القانون وقطع المجال عبر الدستور لإنتاج أنظمة تستحوذ على السلطة وتمنع تداولها وتسلب إرادة الشعب.

المسار التفاوضي  الذي يجب أن  يحقق وقفا لإطلاق النار وضمان حق السوريين بالتظاهر والتعبير عنإاداتهم، يجب أن يكون تفاوضا حقيقيا يسعى لتحقيق  تطلعات السوريين في الخلاص من النظام الديكتاتوري عبر عملية انتقالية سياسية حقيقية تترافق مع إطلاق اليات العدالة الانتقالية، ويسبقها خروج لكل القوى الاجنبية من سوريا وكل الفصائل الطائفية وإطلاق سراح كل المعتقلين وعودة المنفيين، ولن يكون ذلك متاحا  عبر تعزيز الحراك المدني للسوريين الذي يتيح لهم التظاهر والسعي لتحقيق مطالبهم ومن خلال ارتقاء من يحمل لواء العمل السياسي لتطلعات هذا الشارع الذي ما زال حياً، وختاما.. تحية لأصواتكم الحرة التي أشرقت كالشمس على ظلمة اكتئابنا من إدلب!