رجم المعارضة ليس بوضعها في خانة "النظام"/٢/

2021.12.20 | 05:13 دمشق

thumbs_b_c_1cc4bb30242a7e3b10afd4dac8f631ec.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الجزء الأول من هذا المقال بعنوان/ تخلص من المعارضة، لكن لا تشبهها بالنظام/، تم استعراض البنية الإجرامية الفريدة من نوعها، والممارسات اللاإنسانية لمنظومة الاستبداد بحق سوريا وأهلها؛ والتي بات القاصي والداني يعرفها. كما جرى تحديد مَن يدير ظهره للقضية السورية؛ وأولئك الذين يسعون إلى إعادة تكريرها بكل خبث وانتهازية، وكأن شيئاً لم يكن؛ وكذلك مَن تسلموا مسؤولية معارضتها، الذين يتصرفون بصغر وبلا واعز أخلاقي، حيث تمَّ تسليط الضوء على سلبياتهم وخيباتهم. ولكن تمَّ لفت النظر إلى ضرورة الابتعاد عن تشبيه المعارضة أو الثورة بتلك المنظومة الاستبدادية، لأن ذلك يصبُّ في مصلحتها أولاً. في الطروحات التالية، تحديد للشبيه الوحيد المحتمل لهذه المنظومة الإجرامية؛ (طبعاً إضافة لذاتها)؛ وما على السوريين فعله أينما كانت الضفة التي يقفون عليها.

برعت "النصرة" بتنفيذ المهمة والدور المنوط بها على أكمل وجه حيثما حلَّت؛ فاستبدّت عسكرياً وأمنياً واقتصادياً بالبشر والحجر

بداية، وإذا كان هناك مِن شبيه لمنظومة الاستبداد، فلا يماثلها إلا ما كان يُسمى "جبهة النصرة" وتحوّل إلى /هيئة تحرير الشام/ لصاحبها الجولاني، صنيعة المخابرات الأسدية وحليفة إيران الخامينائية، والتي أفرزاها بعناية وخبث بالتنسيق مع بعض دوائر الاستخبارات العالمية. وللأسف الشديد، ولسوء طالع المعارضة السورية، تمَّ بذل جهود كبيرة لوصْم كل مَن يعارض منظومة الاستبداد بالإرهاب، فجرى تركيز الأبواق التي سعت لتشويه وخنق المعارضة والثورة على اعتبار "الداعشية"، ممثلةً بالنُصرة، اسماً وعنواناً للمعارضة والثورة السورية، خدمةً لمنظومة الاستبداد ذاتها.

مِن جانبها، وحيث وُجِدَت، برعت "النصرة" بتنفيذ المهمة والدور المنوط بها على أكمل وجه حيثما حلَّت؛ فاستبدّت عسكرياً وأمنياً واقتصادياً بالبشر والحجر؛ وما كان ينقصها فقط - لتكون نسخة متطابقة من صنّاعها - إلا استخدام السلاح الكيماوي. وللأسف الشديد، لقد كانت تلك هي النسخة المُصَدَّرة عالمياً عن ثورة السوريين في كثير من المحافل العالمية؛ ولهذا كان انحسار الاهتمام العالمي بالقضية السورية. وهكذا وقع ظلم وافتراء لا بد من كشفه والثورة عليه. فلا "النصرة" من انتفاضة السوريين النبيلة الشريفة بشيء، ولا أتى الثورة والمعارضة منها إلا ما يشبه ما أتاهم من منظومة الاستبداد.

في تاريخ الثورات وما مرّت به، هناك عادة عثرات وعقد وخيبات وارتدادات وإحباطات لا حصر لها. ومع كل ذلك، لا يوجد ثورة قامت على حق وركائز في الحرية والكرامة والإنسانية والنُبل، إلا وانتصرت؛ رغم ما اعتراها من انتكاسات على مختلف الصعد. صحيح جداً أن الثورة السورية لم يتهيأ لها كل ما يلزم للارتقاء إلى نُبل وشرف وقيمة قضية تذخر بقيم الحرية والكرامة؛ ولم تُوَفَّق بالرؤى والتخطيط والإدارة اللازمة؛ بل إنها- إضافة إلى ابتلائها بظاهرة مصنَّعة اسمها "النصرة" الخبيثة والإجرامية، وزيادة على محاولات "النظام" وأعوانه خنق المعارضة وضرب مصداقيتها؛ فإنها أيضاً ابتُلِيت في قيادتها ببعض مَن كان إقصائياً أنانياً فاسداً رخيصاً كاذباً متطرفاً وحتى طائفياً. إن إدانة هؤلاء وإزاحتهم واجبة وضرورية؛ ولكن وضعهم في خانة "النظام" ربما لا تخدم إلا النظام ذاته؛ فهذا ما يسوق هو له، وما يريد العالم أن يعتقده، وما يسهّل إعادة تكريره.

ليس مرافعة عن المعارضة، وإنما حِرصاً على الثورة السورية وتضحياتها؛ لنقرَّ بأن أي فعل أو موقف أو مسلك من قبل المعارضة أو مَن ينتسب إليها، ويتشابه مع ذاك الذي تصرفته منظومة الاستبداد، منبوذ ومرفوض ويجب الخلاص منه، ومن أصحابه. وفي هذا السياق، وعلى ضوء ما تقدم؛ يبقى وضعها في خانة مَن امتلك استراتيجية ممنهجة في الجريمة والقتل والدمار وخيانة الوطن التي امتلكها ومارسها نظام الاستبداد، ظلماً وتجنيّاً.

بإمكان السوري أن يجيّش أهل الثورة ويسهم في تنظيم صفوفها من جديد ويتواصل كما يشاء، وينشئ ما يشاء من مجموعات ومؤسسات ومنظمات، ويجرّم كل من أساء من المعارضة أو الثورة

وعلى مَن لا يزال يرى التماثل بين المعارضة والنظام، وهو مِن أهل الثورة والمعارضة لمنظومة الاستبداد؛ التفكير بداية أنه لم تُحاصر معارضة أو ثورة كما جرى للمعارضة والثورة السورية؛ وأنه لم تكن هناك مساعٍ وعمل حثيث على نسف مصداقية أية معارضة لنظام الأسد من قبل قوى وأبواق لا حصر لها، كما كان حال الثورة والمعارضة.

ومن هنا، هناك ما هو أجدى وأصح وأكثر فاعلية تجاه سوريا وأهلها وثورتها. بإمكان السوري أن يجيّش أهل الثورة ويسهم بتنظيم صفوفها من جديد ويتواصل كما يشاء، وينشئ ما يشاء من مجموعات ومؤسسات ومنظمات، ويجرّم كل من أساء من المعارضة أو الثورة؛ بإمكانه رجم من يرى أنه أجرم بحق الثورة والمعارضة والقضية السورية عامة.

وأخيراً؛ وفي ظل إعدام هذه المنظومة الإجرامية للحياة في سوريا، وسَدِّها الآفاق في وجه السوريين؛ فكما أن مصيرها مواجهة مَن نجا وتعلّم الحياة خارج سوريا؛ فلابد أنها بطريقها أيضاً لمواجهة مَن يريد الحياة، ولكن تضيق به كل الآفاق، في الداخل السوري. ومع نهج ما يُسَمَّى سياسة /الخطوة- بخطوة/ أرى أن مفصلاً تاريخياً مخيفاً في الثورة السورية على الأبواب؛ وهنا لا بد من صحوة حقيقية، وحسم في موقف الثورة مما يجري. وهذا سيكون موضوع الحديث القادم.